هل أن القيادات الكوردية لا تعرف أن جنوب كوردستان لم يكن جزءً من الكيان العراقي المصطنع عام 1920؟

344

هل أن القيادات الكوردية لا تعرف أن جنوب كوردستان لم يكن جزءً من الكيان العراقي المصطنع عام 1920؟

محمد مندلاوي

نبذة تاريخية:
سنعطي في هذه الوريقات نظرة إجمالية عن تاريخ العراق، ومن ثم نعرج على تاريخ الجزء الجنوبي من كوردستان الذي دخل بعد عام 2005 في نظام اتحادي مع الكيان العراقي وشكلا معاً جمهورية العراق الاتحادي. عزيزي المتابع، في كتاباتي السابقة في هذا المضمار اعتمدنا كثيراً على المصادر المعتمدة والمعتبرة، لكن اليوم في الجانب الأكبر من مقالنا نعتمد في تفسيراتنا وتحليلاتنا على الكلام الذي يقبله العقل والمنطق، حتى لا يردد البعض لنا شعر الشاعر الكوردي (معروف الرصافي) الذي قال في قصيدته المعروفة ضلال التاريخ:
فما كتب التاريخ في كل ما روت لقرائها إلا حديث ملفق نظرنا لأمر الحاضرين فرابنا فكيف بأمر الغابرين نصدِّق.
لقد قلنا مراراً في مقالاتنا السابقة أن اسم العراق لا ينصرف وفقاً لقواعد اللغة العربية لأنه ليس اسماً عربياً، وما هو إلا تحريفاً لاسم “أرك” الكوردية المحرفة بدورها إلى أوروك و وركاء و أورك، الذي يعني باللغة الكوردية اللهجة الفيلية: القلعة. ومن بقايا هذا الاسم إلى يومنا هذا اسم مركز قبيلة ملكشاهي المسمى بـ”أركواز= Arkawaz” أي: القلعة المفتوحة، ويقع في محافظة إيلام (عيلام) في شرق كوردستان. للعلم، أن إيلام كانت في زمن السومريين دولة كبيرة ومترامية الأطراف وكانت حدودها الغربية التي تفصل بينها وبين سومر نهر دجلة، وكان شَعبي إيلام وسومر يتكلمون لغة واحدة ليست جزرية، أي: ليست سامية؟. للعلم، إن غالبية علماء التاريخ والآثار والجغرافية يقولون: إن السومريين من الجنس الآري، من الشعوب الهندوأوروبية نزلوا من جبال كوردستان.لا يوجد شعب آري في المنطقة التي تواجد فيها السومريون غير الكورد؟. أضف أن لغتهم بخلاف اللغات الجزرية (السامية) لغة التصاقية امتزاجية مثل اللغة الكوردية حيث يصوغون من عدة كلمات كلمة واحدة. كذلك لغتهم مثل اللغة الكوردية فيها المفرد والجمع فقط، بينما العربية فيها المفرد والمثنى والجمع. ولغتهم كاللغة الكوردية فيها المذكر فقط، بينما العربية فيها المذكر والمؤنث. وحروف العلة السومرية كلها توجد في اللغة الكوردية. كذلك بعض الحروف الموجودة في اللغتين السومرية والكوردية ولا توجد في اللغة العربية وهي:1- حرف گ = G. ٢- حرف ژ= J. 3- حرف پ= P. 4- حرف چ= Ch. 5- حرف ڤ= V. وهكذا زَي أهل سومر وتحديداً الكوفية التي شدوا بها رؤوسهم بطريقة مُحكمة كما في تمثال گودیا (جوديا) تقول لك أنه طريقة تستخدم في المناطق الباردة، هذا ما قاله الدكتور (مؤيد عبد الستار) في إحدى مقالاته القيمة. وظهر في رسومات سومر الحيوانات الجبلية، وهكذا رسومات الأشجار الجبلية الخ. كي لا أطيل، لمن يريد الزيادة يراجع مقالنا الذي بثمان حلقات: السومريون كانوا كورد.. حتى وأن لن تظهر أدلة جديدة. ولنا مقال آخر بست حلقات تحت عنوان: ولدت الحضارة السومرية من رحم حضارة ايلام الكوردية. أضف لما سبق، أن هناك قبيلة كوردية أخذ اسمها من الانتماء للـ”أرك” للقلعة إلا وهي قبيلة “أركوازي= Arkawazy” أي: المنتمون للقلعة المفتوحة. دعني عزيزي القارئ أن أشرح لك الاسم أن “أرك= Ark” كما قلنا يعني قلعة، و “واز= Waz” يعني: مفتوح، وحرف الياء”ي= Y” هو ياء النسب، أي: المنتمون إلى القلعة. كانت هذه حقيقة وواقع العراق حتى بدأت نزوح القبائل السامية من شمال الجزيرة العربية، وبعده أفل نجم دولة سومر الكوردية، إلا أن القبائل الكوردية كالگوتیین والكاشيين وهذا الأخير هم من بنو مدينة بغداد وحرروا بين فينة وأخرى عموم المنطقة من براثن الساميين، حتى ذات مرة أخذ ملك ايلام (عيلام) مسلة “حمورابي” كغنيمة حرب إلى شوش (سوسة) عاصمة دولة ايلام، وعثر عليها البعثة الفرنسية عام 1905 في شوش وهي الآن في متحف اللوفر في القسم الإيراني. استمر هذا الكر والفر حتى جاء الإسلام في جزيرة العرب وبعث بصعاليكه لاحتلال العراق احتلالاً استيطانيا استمر حتى يومنا هذا، وعلى أثر هذا الاحتلال الاستيطاني انسحب الكورد إلى مناطقهم الجبلية لكي يحموا أنفسهم فيها من شرور وكيد الأعداء المتربصين بهم، وهي التي سميت منذ أزمنة قديمة باسم كوردستان بصيغ متباينة، أي: موطن الكورد.
كوردستان في عصر الاستعمار:
كما قلت في مقالي السابق الذي بعنوان: رسالة مُمَلحة من مواطن كوردي إلى من يهمه الأمر في إقليم كوردستان؟ والمنشور بتاريخ 14 11 2020 إن جنوب كوردستان لم يكن جزءً من الكيان العراقي، بل كان ولاية من ولايات الإمبراطورية العثمانية باسم ولاية كوردستان، وبعد أن أفل نجم الدولة العثمانية واستقلت جميع الولايات التابعة لها في القارات الثلاثة أعلن الكورد أيضاً بقيادة الشيخ (محمود الحفيد) استقلال جنوب كوردستان وتأسيس مملكة جنوب كوردستان ونودي بشيخ محمود ملكاً عليها وذلك قبل ابتداع الكيان العراقي في مؤتمر القاهرة على يد وزير المستعمرات البريطاني “ونستون جرجل”. لكن الصعلوك الأعرابي المستورد من الحجاز، الذي نصبوه أسياده الإنجليز مملوكاً على الكيان المستحدث باسم العراق والمرفوض كوردياً وكوردستانياً سال لعابه للخيرات الوفيرة المتواجدة في جنوب كوردستان، وطالب به كي يضمه إلى مملكته المصطنعة بأيدي (الكفار)، لكن “ونستون جرجل” الذي كان وزير المستعمرات آنذاك قال له بصريح العبارة كما نقله لنا الكاتب الفلسطيني (يوسف يوسف) في كتاب (حكايات أعوام الرماد) وفي مصادر أخرى: نحن لم نعطك إمبراطورية لتحكمها بل دولة عربية، حدودها جبال حمرين – چگا سوور-، وما بعد تلك الجبال بلاد أخرى تسمى كوردستان. انتهى الاقتباس. هذا الكلام بصريح العبارة قيل للمملوك فيصل بن الحسين في عشرينيات القرن الماضي، بأن جنوب كوردستان بما فيه مدن بدرة وجصان وزرباطية ومندلي وخانقين وشهربان وجلولاء وخسرو آباد وكركوك وشنگاڵ (سنجار) الخ ليس جزءً من الكيان العراقي المستحدث. لكن قبل إلحاقه بالعراق بمؤامرة دولية خبيثة في أروقة عصبة الأمم بعثت العصبة فريقاً لكي ترى ما هو الانتماء القومي لشعبه، لقد وجد أن أكثر من 75% من شعبه من الكورد، أضف أن الفريق بعد الاطلاع على الخرائط والكتب القديمة واستطلاع رأي شعبه وجد أنه لم يكن في أي يوم من الأيام جزءً من العراق، بل أن حدود العراق في أفضل الحالات لم تتجاوز تكريت. إلا أن المصالح الاستعمارية لبريطانيا العظمى قادت حملة كبيرة في عصبة الأمم ألحق على أثره الجزء الجنوبي من كوردستان بالكيان العراقي عام 1924- 1925. لكن الشعب الكوردي المناضل لم يقف مكتوف الأيدي أمام هذه السياسة العفنة التي قام بها أناس أوباش وعفنين، لقد بعث بالرسائل والبرقيات إلى المحافل الدولية وفي مقدمتها “عصبة الأمم” ذاتها رافضاً هذا الإلحاق الظالم، ولم يقبل به بل رفضه رفضاً باتاً بمداد القلم و بفوهات البنادق وأعلن ثورته الشعبية العارمة ضده وضد من قام به من القادمين عبر البحار والرمال؟، وقال بصوت عالي: هذا احتلال بغيض لم ولن نقبل به، فعليه لم يحصل هذا الإلحاق القسري على أية شرعية من لدن الشعب الكوردي بل كان احتلالاً وسيظل احتلالاً حتى يتحرر كل شبر من أرض هذا الوطن الذي يلفظ المحتل الغاصب لفظ النواة. عزيزي القارئ،بعد أن رأي فيصل الأول أن هذه المملكة غير طبيعية محشور فيها شعوباً وقوميات وطوائف ليس بينهم أي انسجام أدرك حينها أن هذا الكيان تأسس بقص ولصق جزء من هنا وجزء من هناك فلذا قال قولته المشهورة عام 1921: باعتقادي لا يوجد شعب عراقي بعد،بل توجد تكتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشعبة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سمّاعون للسوء ميالون للفوضى الخ. لقد صدق فيصل فيما قال عن عدم وجود شعب عراقي، والدليل انظر إلى هذا الكيان بعد رحيل فيصل بـ87 سنة شاهدنا القتال الطائفي بين السنة والشيعة. ممكن أن يعود في أية لحظة ما إذا بثت قناة سنية أغنية عاطفية في عاشوراء، أو بسبب نكتة لأحمد البشير يقولها في برنامجه “البشير شو” عن مقتدى الصدر. أو أحد من غلاة الشيعة يشتم السيدة عائشة أو العكس أو أو الخ. أضف لهذا، أن العداء مستعر منذ إنشاء هذا الكيان الكارتوني ضد الشعب الكوردي الجريح من قبل الاثنين السنة والشيعة!!. وهكذا المسيحيون، بكل طوائفهم الدينية يضطهدون ويقتلون بدم بارد وتفجر كنائسهم ودورهم. وحال الصابئة والإيزديين والشبك والكاكائية ليست أفضل من حال المسيحيين، هذه هي حال الكيان الذي شكلها البريطانيون… والمسمى عراق من سيء إلى أسوأ، والآن ننتظر نهاية بفارغ الصبر.
لماذا نقول الحقيقة، بأن جنوب كوردستان ليس جزءً من العراق:
لماذا نقول الحقيقة لقياداتنا وشعبنا الجريح بأن جنوب كوردستان ليس جزءً من الكيان العراقي المصطنع ؟، كما أن أجزاء كوردستان الأخرى المحتلة ليست أجزاءً من الكيانات المتهرئة كـ: إيران، وتركيا، وسوريا. لأن هذه هي الحقيقة الموجودة على أرض الواقع في جوانبه المتعددة، على سبيل المثال وليس الحصر، تعامل العراق العنصري المقيت عبر كل أنظمته المتسلطة بدءً من العميل فيصل الأول وانتهاءً بحكم الأشياع الأعاجم مع جنوب كوردستان وشعبه تعاملاً عنصرياً استعلائياً حيث ما من يوم يمر إلا وهناك عمل عدائياً سافراً يخطط له في الغرف المظلمة في بغداد ضد الشعب الكوردي المسالم. أضف لهذا، أن بواطن كتب التاريخ، ودوائر المعارف العالمية، تقول لنا كلماتها بالبنط العريض: إن كوردستان ليست جزءً من العراق، بل هي وطن الشعب الكوردي الأبي منذ عصور غابرة يصعب تحديده بالأرقام.
عزيزي المتابع، صحيح أن جنوب كوردستان كإقليم كوردي يقع اليوم ضمن الخارطة السياسية الاتحادية للكيان المعروف بالعراق إلا أن الاتحاد ذاته كمصطلح كنا قد أشبعناه تفسيراً وتحليلاً في مقالاتنا السابقة بأنه يعني الشراكة مع جهة أخرى أو أكثر من جهة، وهذا بحد ذاته يمنحك كما يمنح الجانب الآخر شيئاَ من السيادة والاستقلالية في الإدارة واتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية، وهكذا هو جنوب كوردستان الذي يتمتع بخصوصيته القومية وسيادته السياسية المعترف بها في الدستور الاتحادي. عزيزي القارئ، نحن حين نتحدث في كتاباتنا عن الكورد وكوردستان نتكلم بكل صدق وأمانة دون أن تستهوينا العاطفة القومية والوطنية.
يا ترى لماذا يجب أن يكون لجنوب كوردستان الأولوية على الآخرين في دولة الاتحاد بسنتهم وشيعتهم. 1- لأنه – جنوب كوردستان- قَبِلَ أن يبقى في ظل نظام اتحادي مع الكيان العراقي. 2- قبل أن تكتشف مادة النفط في جنوب العراق بعقود طويلة كانت آبار نفط كوردستان في كركوك وموصل تتدفق منها البترول وتبنى بمبالغها مدن العراق جنوباً وغرباً و وسطا؟. 3- الأهم من النفط، أن عموم الشعب في العراق يشرب، يرتوي الماء الكوردي المتدفق عبر نهري دجلة والفرات وروافدهما؟. أضف له، أن مزارع العراق وبساتينه في وسط وجنوب وغرب العراق هي الأخرى تسقى بالمياه الكوردية المذكورة .4- إن السدود العراقية في كوردستان بمعزل عن أنها تحتل مساحات شاسعة من أرض جنوب كوردستان أن الشعب الكوردي لا يستفيد من مياهها التي تذهب بمجملها إلى العراق. 5- أمنياً، إن جنوب كوردستان يمثل سداً منيعاً بوجه أي غازي قادم من الشرق والشمال يهدد العراق؟. بدليل أن دولة آل عثمان لم تستطع أن تحتل أرض بين نهرين وسوريا ومصر وشمال إفريقيا الخ إلا بعد انتصاره على الدولة الصفوية في معركة جالدران في شرقي كوردستان وذلك بعد تصالحها مع الأمراء الكورد في عموم كوردستان؟. 6- إن قوات الـ”پێشمەرگە” الكوردية سند لا يستهان بها للجيش العراقي عند الشدائد كما حدث مع قاعدة و داعش.7- إن الكورد وكوردستان بوابة العراق لعلاقاته مع العالم الغربي؟.8- سبعة ملايين كوردي في جنوب كوردستان سند قوي للشعب العراقي عند الشدائد؟. 9- الطبيعة الخلابة لأرض كوردستان جعلها بلداً رخيصاً للمصطافين العراقيين في فصل الصيف الخ الخ الخ.
هل توجد مثل هذه الخصائص الفريدة المذكورة أعلاه في المدن العربية الصحراوية في كل من غرب وجنوب العراق؟. هل هدد الكورد النظام السياسي في العراق كما قامت به السنة العرب في المدن الغربية التي أصبحت حاضنة للقاعدة وداعش؟. هل أن الكورد سلموا كركوك لداعش كما سلمت العرب السنة موصل له؟ أم أن الكورد قاتلوا داعش بشراسة ولم يسمحوا له أن يحتل كركوك مثل موصل؟. هل فجر الكورد عشرات السيارات في شوارع بغداد كما فعلت السنة العرب بعد عام 2003؟ الخ الخ الخ.
“يا أهل العراق ومعدن الشقاق والنفاق ومفاسد الأخلاق”. هذا الكلام الجارح لـ(الحجاج بن يوسف الثقفي) خاطب بها أهل الكوفة التي كانت آنذاك تسمى العراق، مع البصرة قيل لهما العراقان؟.
19 11 2020

المصدر