مقابر المعامل العشوائية.. خبايا موت تتوارى تحت جنح الظلام

335

بغداد: هدى العزاوي

من يدخل إلى منطقة المعامل جنوبي بغداد لن يستوقفه ضعف الخدمات أو انتشار مقالع النفايات فقط، بل سيتفاجأ بوجود مقابر عشوائية في المنطقة، مقابر تحيطها أسرار وغموض، بعيدا عن طائلة القانون أو مراقبة الأجهزة المختصة.

وعلى الرغم من أن القبور في مقبرة "العلوية رسل" أو "بستان الباوية" تشير الى أن المدفونين فيها هم من الأطفال "حصراً"؛ إلا أن الشواهد تخالف ذلك، ويؤكد السكان القريبون منها على حدوث حالات دفن بعد ساعات متأخرة من الليل، كما أن المنحدر الذي يطل على البزل أصبح مقبرة يسهل الدفن فيها وبعيدا عن مرأى الاسر لتتوسع المقبرة بعيداً عن رقابة الجهات الحكومية، وكالة الأنباء العراقية (واع) دخلت الى عمق هذه المقابر لتفتح ملفا ظل عصيا لسنوات على وسائل الاعلام لتسلط الضوء على هذه المقبرة ومقابر الأخرى غير المرخصة والتي تحيط بهذه المنطقة.

حكاية مقبرة

مقبرة "بستان الباوية" أو مقبرة "العلوية رسل" كما يسميها سكان منطقة المعامل، هي أرض مملوكة للدولة محاذية لمشروع البزل، وعلى مدار سنوات اتخذها الكثير من سكان المناطق المجاورة مقبرة خاصة بهم، معظم هذه القبور تعود لأطفال حديثي الولادة أو حالات الاسقاط، كما يوضح قائممقام قضاء الزوراء كاظم المحمود، وكما تشير إلى ذلك غالبية تلك القبور المبنية، ولكن في منحدر البزل قبور "لم يجر بناؤها" وهذا ما أثار التساؤل عما تخبئ تلك المقابر؟! ولمن تعود؟.

مخاوف الأهالي تجذرت بعد أن شاهد الكثير منهم أشخاصاً يأتون في جنح الليل ليدفنوا الموتى، وبسبب عدم وجود مسؤول عن المقبرة، لا يجري الدفن بصورة شرعية أو قانونية وفقا لشهادة وفاة صادرة عن الطب العدلي، رغم أن هناك مقبرة قريبة من هذا المكان تقع على الشارع السياحي مرخصة نظاميا وطرق الدفن فيها تكون بحسب شهادات الوفاة.

وبحسب مشاهدات الأهالي؛ فإن هذه المقبرة تحولت إلى مرتع للكلاب السائبة التي تقوم بنبش القبور "غير النظامية" ونهش جثث الموتى، كما أن المقبرة أصبحت مسرحاً للقيام بأعمال "السحر" خصوصاً من نساء يقمن ليلاً بنبش القبور، وبحسب شهادات الأهالي فإنهم "وجدوا العديد من أعمال السحر تلك وقاموا بإخراجها وإتلافها أو حرقها".

ولأن عمليات الدفن تجري بصورة غير شرعية في المقبرة وتكون جثث الأموات قريبة من السطح بعكس طرق الدفن الشرعية الإسلامية؛ فإنها تشكل مصدراً مهدداً للبيئة.

وبحسب خبراء، "تعد المقبرة تجاوزاً على أملاك الدولة، وكذلك هي خارج التصاميم الرسمية للعاصمة بغداد، ومخالفة للضوابط والاحكام التي تمنع الحق في دفن جثث الموتى إلا بوجود شهادات وفاة"، وبحسب موظفي أمانة بغداد فإن المقابر المرخصة في العاصمة هما مقبرة الكرخ (أبو غريب) ومقبرة محمد سكران.

إجراءات رسمية

مدير "بلديات أطراف بغداد" المهندس ياسر أمجد سعيد القريشي تفاجأ حين سألته (واع) عن وجود مقبرة "العلوية رسل" بمنطقة المعامل، وبين أن "هذه المنطقة خارج حدود أمانة بغداد وخارج حدود البلديات، أي أنها منطقة واقعة ضمن الحدود الادارية لبغداد ولكن ليس ضمن حدود مؤسسة المحافظة"، مشيرا إلى أن "هذه المنطقة عشوائية ولا تحتكم الى قوانين البلدية كوحدات إدارية، كونها مناطق زراعية تحولت الى مناطق سكنية غير رسمية وخارج التخطيط العمراني، لذا هي غير مهيأة حتى للمقابر"، مؤكداً أنه "يسمع لأول مرة بهذه المقبرة".

وكيل وزير البيئة والصحة، الدكتور جاسم الفلاحي قال، إن "المقابر يجب أن تكون تابعة للدوائر البلدية أو للأوقاف، وهي المرة الأولى التي نسمع فيها بأن هناك مقبرة عشوائية وغير مرخصة، لافتا الى أن "الوزارة ستقوم بإرسال فريق كشف كامل لتلك المنطقة".

وتعهد بأنه سيولي القضية "اهتماما كبيراً بصفة شخصية، وسيتخذ إجراء عاجلا بشأنها"، عاداً "وجود هكذا مقبرة يخالف أبسط المعايير البيئية".

قوانين وعقوبات

توجهت وكالة الأنباء العراقية (واع) إلى الخبير القانوني الدكتور علي التميمي، لمعرفة الأحكام القانونية المترتبة على الدفن العشوائي، الذي قال: إن "قانون العقوبات العراقي في المادتين 373 و374 ينص على عقوبة الحبس لعامين لكل من انتهك أو شوه أو اعتدى أو بعثر أو نبش قبرا، وهذه العقوبة نافذة في قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 67، كما أن هناك قانونا يسمى قانون حماية المقابر الجماعية رقم 5 لسنة 2006"، لافتاً الى وجود "نظام المقابر رقم 18 لسنة 1935 يحدد الارض المخصصة لدفن الموتى، ووفقا لهذه القوانين لا يجوز أن يكون الدفن في أي منطقة، وإنما يجب أن يكون على وفق نظام المقابر أي لا يجوز التجاوز أو الدفن العشوائي"، منوهاً بأن "هذه القوانين قديمة وتحتاج الى توحيد واصدار قانون من قبل مجلس النواب ينظم عملية الدفن وأن تكون موحدة".

ولم ينف قائممقام قضاء "الزوراء" كاظم المحمود، وجود مقبرة "الباوية" أو "العلوية رسل"، إلا انه أكد أن المقبرة "غير مرخصة" ولا تخضع الى رقابة أو تم تسييجها بمعزل عما يدور حولها، معللاً إجابته وأحقية وجود هذه المقبرة بأنها "مخصصة لدفن الاطفال وحديثي الولادة أو حالات الاسقاط"، مبيناً "وجود ثلاث مقابر في المنطقة، إحداها في الطريق السياحي، ومقبرة عبد الكريم قاسم في منتصف منطقة سكنية، ومقبرة الباوية أو العلوية رسل".

وأعرب عن "استغرابه من شكاوى المواطنين بشأن المقبرة المذكورة، وتساءل عن سبب تلك الشكاوى: "هل تنبعث روائح من المقبرة!!؟"، متجاهلاً الخطر البيئي المترتب على وجود هذه المقبرة، فضلاً عن عدم إحاطتها برقابة أو سياج، مختتماً حديثه بتساؤل: "من يعطي موافقات لفتح المقابر؟".

العراقالمصدر