حرص الرئيس العراقي الراحل صدام حسين على بناء عدد كبير من الجوامع الضخمة في عموم العراق خلال تسعينيات القرن الماضي.
وتميزت جوامع صدام بفخامتها وطرزها المعمارية الفريدة، وأبرزها جامع الرحمن (في العاصمة بغداد) الذي كان مقررا أن يكون أحد أكبر جوامع العالم وأن يحمل اسم صدام، لكن بناءه توقف بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، ومعه جوامع أخرى يستمر اليوم الخلاف على تبعيتها للوقف الشيعي أو السني.
بصمة إسلامية
أراد صدام أن يترك بصمة إسلامية في العراق ضمن الحملة الإيمانية التي أطلقها في تسعينيات القرن الماضي، وتضمنت إدخال العلوم الشرعية في مفاصل التعليم العراقي ومراحله. ولإكمال هذه الحملة قرر بناء جوامع كبيرة للدولة في كل محافظة عراقية، بحسب الشيخ عبد الرزاق السعدي عضو اللجنة العليا للحملة الإيمانية زمن صدام.
ويضيف السعدي للجزيرة نت أن صدام بنى أكثر من جامع في بغداد، ثم أنشأ جوامع أخرى في كل من تكريت والأنبار ونينوى.
ويلفت إلى أن هذه الجوامع حظيت بطراز معماري مميز وتنفيذ من الدرجة الأولى، وكانت تتسع لآلاف المصلين، وأصبحت من المعالم البارزة في المحافظات.
وعن دور لجنة الحملة الإيمانية في بناء الجوامع، يبين السعدي أنه تمثل في الإشراف عليها بما يخص الأمور الفقهية والشرعية، مثل وضع المنبر والمحراب واتجاه القبلة وغيرها، بعيدا عن المهام الهندسية والفنية والمالية التي كانت تدار من قبل ديوان رئاسة الجمهورية.
ويرى أستاذ الآثار في جامعة الموصل مستشار منظمة اليونسكو الدكتور أحمد قاسم جمعة، أن أهمية الجوامع بالنسبة للمسلمين جعلت كلَّ من يحكم العراق يعمل على إحياء الجوامع القديمة، وينهض بجوامع جديدة، وهذا ما حصل في عهد صدام.
اهتمام صدام
ويؤكد السعدي أن صدام كان يزور مواقع بناء الجوامع بين فترة وأخرى لمتابعة العمل، ويجتمع بموظفي ومهندسي الدائرة الهندسية في ديوان الرئاسة ويبدي آراءه.
ويروي الشيخ السعدي كيف طلب صدام منه أن يكتب له اسم كل شجرة وثمرة وردت في القرآن الكريم، لأجل أن تضمها حدائق الجامع الكبير في بغداد (جامع الرحمة حاليا) لتكون أشبه بمتنزه للعائلات والزائرين، لافتا بالقول: “مع الأسف لم يكتمل الجامع، ولم تنشأ حدائق في محيطه”.
طراز فريد
وتميّزت جوامع صدام بمساحاتها الكبيرة وطرازها المعماري وتعدد القباب التي كان بعضها يشبه قباب المعماري سنان باشا بتركيا في العهد العثماني، كما يقول مستشار اليونسكو للجزيرة نت.
ويبيّن جمعة أن بعض تلك الجوامع تتميز بقبة كبيرة في الوسط، ثم تحيط بها قباب متعددة، وهذا لتقليل الأعمدة التي تقوم عليها، لأن كثرة الأعمدة داخل الحرم تحجب رؤية المصلين للإمام أو الخطيب.
وكانت تصاميم تلك الجوامع مزاوجة ما بين التصميم العثماني والعراقي التقليدي، بحسب جمعة الذي يبين أن جامع صدام في الموصل يتميز بصحن في الوسط (فناء في الوسط)، ثم جدران تحيطه من 3 جهات، أما جهة القبلة فتكون كبيرة جدا، وهي التي تكون المصلى، ويتقدمها رواق (مساحة طويلة مغطاة بسقف) ورواق آخر مرفوع على الصحن.
وفي السياق ذاته، يقول المهندس عبد الله نجيب عبود مدير مشروع جامع الموصل الكبير (جامع صدام سابقا)، إن كل التصاميم كانت تعد وتنفذ من قبل مهندسين عراقيين.
ويضيف للجزيرة نت أن المادة المستخدمة في تغليف الجدران الخارجية هي ما يسمى محليا بـ”الحلان” (حجر الكلس) وهي من معامل في مدينة الموصل، كما زخرفت الجدران داخل الحرم بالنقوش على مادة الجبس.
وعن أعمال التكييف والكهرباء في تلك الجوامع، يبين عبود أنها كانت تنفذ كذلك من قبل كوادر عراقية، وكذلك أعمال الأبواب الخشبية والشبابيك والثريات كانت تنفذ من فنيين عراقيين.
اعلان
ويشير الشيخ السعدي إلى أن هذه الجوامع كانت تمتلئ بالمصلين وخاصة يوم الجمعة، لما تحمله من طابع مميز ووسائل راحة كأماكن الوضوء والفرش الموجود فيها والتكييف أو التدفئة والنظافة، وكان الناس يقصدونها مشيا أو يأتون من مناطق بعيدة بسياراتهم.
نزاع
هناك عدة جوامع كبيرة لم يكتمل بناؤها، وأهمها جامع الرحمن في بغداد، والجامع الكبير الذي يقع في منطقة مطار المثنى في بغداد، وكان من المؤمل أن يكون أكبر تلك الجوامع بمساحته الواسعة جدا، كما يفيد المدير العام السابق للمؤسسات الدينية في ديوان الوقف السني كنعان بشير إبراهيم.
وأعرب إبراهيم -للجزيرة نت- عن اعتقاده أن سبب عدم إكمال هذا الجامع الكبير بعد الغزو، يعود لكلفته الكبيرة والجدل الذي حصل حول تبعيته بعد تقسيم الأوقاف في العراق إلى سني وشيعي.
وعن عائدية جوامع صدام، يعتقد إبراهيم أنه أُخذ بالاعتبار الأكثرية الطائفية في المنطقة التي بني فيها، لأن مصاريف البناء الكبيرة كانت من الدولة لا من شخص معين، فتكون عائديتها للجميع وتتبع الطائفة التي تمثل الأكثرية في المكان الذي يوجد فيه الجامع.