مراسيم عاشوراء احتضنت “شهداء تشرين” وركنت القتلة

349

في مدينة الصدر ببغداد، ملأت الشموع الطرقات وطوقت صور شهداء تشرين بالشموع ايضا. المدينة الفقيرة شاركت مدن اخرى بمراسيم عاشوراء، إذ يوقد الناس الشموع في ليلة الحادي عشر من محرم ضمن طقوس اجتماعية عرفت بـ”ليلة الوحشة” الليلة التي تلت معركة الطف (سنة 61 للهجرة/ 680 ميلادية).

وفي احد اركان المدينة رفعت مسنة صورة ابنها الذي قتل بالقنابل الدخانية في تشرين الاول 2019 والذي كان يشارك في احتجاجات عفوية طالبت بالاصلاح ومحاسبة المسؤولين الحزبيين لفسادهم.

المرأة المسنة كانت تنوح على قصائد ترثي ضحايا عاشوراء وتربط بين ما خرجت به قافلة الامام الحسين بن علي (عليهما السلام) يوم الطف وبين ما اراده شباب تشرين الذي قتلوا بطرق وحشية ايضا.

وتتهم المرأة المسنة وابناؤها الثلاث، الاحزاب السياسية الشيعية بقتل ابنها، وتقول انهم (رجال الاحزاب) فاسدون موغلون بالسلاح اساءوا للدين وللحسين ايضا. انهم قتلة، قتلوا الشباب في تشرين وكأنهم اكملوا دور القتلة في معركة الطف.

وعلى بعد عدة كيلومترات كانت امرأة تجلس بالقرب من جامع الاسراء المعراج، أحد ابرز معالم مدينة الامين الشعبية، توزع الشاي بيدها وتمسك بيدها الثانية صورة نجلها الذي قتل على جسر السنك أواخر العام الماضي، تقول ان “قتلة الأحزاب” قتلوا أبنها الوحيد. واضافت ان “احزابا موالية لايران قتلت أبني ورفاقه في ساحة التحرير وجسر السنك”.

ومنذ اللحظة الاولى للاحتجاجات رفض المرجع الديني الاعلى علي السيستاني الاعتداء على المتظاهرين، ووصف شهداء الاحتجاجات بـ”الاحبة”.

وأكد السيستاني في خطبة القاها معتمده احمد الصافي في منتصف شهر تشرين الثاني، مساندة الاحتجاجات وإدانة الاعتداء على المتظاهرين السلميين بالقتل أو الجرح أو الخطف أو الترهيب أو غير ذلك. كما قال إنه بالرغم من مضي مدة غير قصيرة على بدء الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالإصلاح، والدماء الزكية التي سالت من مئات الشهداء وآلاف الجرحى والمصابين في هذا الطريق المشرِّف، إلا انه لم يتحقق الى اليوم على أرض الواقع من مطالب المحتجين ما يستحق الاهتمام به، ولا سيما في مجال ملاحقة كبار الفاسدين واسترجاع الاموال المنهوبة منهم والغاء الامتيازات المجحفة الممنوحة لفئات معينة على حساب سائر الشعب والابتعاد عن المحاصصة والمحسوبيات في تولي الدرجات الخاصة ونحوها، وهذا مما يثير الشكوك في مدى قدرة أو جدية القوى السياسية الحاكمة في تنفيذ مطالب المتظاهرين حتى في حدودها الدنيا، وهو ليس في صالح بناء الثقة بتحقق شيء من الاصلاح الحقيقي على أيديهم.

وقال ايضا إنّ معركة الإصلاح التي يخوضها الشعب العراقي الكريم إنما هي معركة وطنية تخصه وحده، والعراقيون هم من يتحملون اعباءها الثقيلة، ولا يجوز السماح بأن يتدخل فيها أي طرف خارجي بأي اتجاه، مع أنّ التدخلات الخارجية المتقابلة تنذر بمخاطر كبيرة، بتحويل البلد الى ساحة للصراع وتصفية الحسابات بين قوى دولية واقليمية يكون الخاسر الاكبر فيها هو الشعب.

وكان هشام داود مستشار رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، قد اعلن رسميا نهاية تموز الماضي، ان عدد قتلى احتجاجات تشرين بلغ نحو “560 شهيدا”. ويتهم ناشطون احزابا شيعية بالقتل في محاولة منها للحصول على مكاسب منحها اياهم رئيس الوزراء، الذي اطاحت به التظاهرات، عادل عبد المهدي. وفي كربلاء حيث المكان الذي وقعت به معركة الطف، احيا الآلاف من الزائرين ذكرى عاشوراء، في واحد من أكبر التجمعات الدينية منذ اندلاع جائحة كورونا.

وعادة، يتدفق ملايين المسلمين من جميع أنحاء العالم إلى الضريح ذي القبة الذهبية الذي يضم رفات الحسين للصلاة والبكاء متراصين جنبا الى جنب.

لكن مع ارتفاع أعداد اصابات فايروس كورونا في جميع أنحاء المنطقة، شهدت عاشوراء هذا العام مراسيم مشتركة فاترة مقارنة بالسنوات الماضية .

وتجمعت مجموعات صغيرة من الزوار في الأفنية الشاسعة خارج موقع الضريح الرئيس، وهم يرتدون الاسود لون الحداد المعتاد والأقنعة الطبية التي فرضت حديثا على الجميع.

وعلى باب الشهيد الحسين دخلت مواكب الزوار من محافظات الجنوب حاملين صور شهداء التظاهرات مع ترديد اهازيج تشبه قتلة شهداء تشرين بقتلة الامام الحسين.

مقابل ذلك، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي بحملات ممنهجة لإيذاء كل من يحاول ان يصطف ضد الاحزاب المتهمة بالقتل والفساد.

وتحاول حسابات وهمية ترفع صور قيادات من الاحزاب الشيعية التنكيل بالشباب الذين قتلوا وآخرهم الدكتورة ريهام يعقوب التي قتلها مجهولون في البصرة، حيث تتهمها هذه الحسابات بأنها تحاول تأسيس حزب لخوض الانتخابات بمشاركة ناشطين آخرين. وهو ما قد يقوض من سلطة الاحزاب المسيطرة.

ومع دخول صور الشهداء من حشود الزائرين، الضريح المقدس، عملت فرق من موظفي الضريح على رش رذاذ مطهر من خراطيم طويلة ورفيعة أو يوزعون أقنعة على الزوار المكشوفي الوجوه.

وللسماح بدخول الضريح، يتم قياس درجات حرارة الأشخاص عند البوابات الرمادية باجهزة تشبه اجهزة الكشف عن المعادن.

في الداخل، وضعت إشارات اقدام على أرضية السجادة تحدد مسافة التباعد التي يجب ان يلتزم بها المصلون.

وتمنع لفافات ضخمة من النايلون الزوار من تقبيل الجدران كما يفعلون عادة تعبيرا عن تقديس الضريح .

لكن داخل موقع الضريح، يضغط الحجاج بوجوههم المكشوفة على الشبكة المزخرفة التي تفصلهم عن الضريح. وفي الباحة الخارجية نعى رجل يرتدي السواد مع مجموعة زائرين شهداء تظاهرات تشرين عندما ذكر موقف قتل ابن الامام الحسين وقال واصفا المشهد: ولد مجهول الهوية استشهد وسابح بدمه.. بذيج لحظات الرهيبة ساعة لن تتصل امه… أم بأبنها تتصل.. حست الغالي منقتل…”.

كما ردد الزائرون، هتافات تطالب بالكشف عن المتورطين باغتيال الناشطين.

وفي الديوانية والناصرية حُملت صور شهداء قتلوا على يد المسلحين على اكتاف متظاهرين تجمعوا في فجر يوم العاشر من محرم وطالبوا بمحاسبة القتلة ومن يقف وراءهم.

المصدر