لو كان الكم الثوري قد تظافر مع النوع الثوري

523

ضياء الشكرجي

[email protected]

كتبت قبل أيام مقالة بعنوان «الكاظمي بين الأمل وخيبة الأمل»، وكنت على وشك الانتهاء منها، لكني بسبب خطأ ما فقدت المقالة دون خزنها، فانشغلت عن إعادة كتابتها. وبعد أيام كتبت لگروپ على الواتسأپ تقييما لثورة تشرين، تارة بمعيار النوع، وأخرى بمعيار الكم، وللعلاقة بين تلك المقالة وما كتبته اليوم، رأيت الدمج بين الفكرتين.

ثورة تشرين، إذا قيمناها تقييما نوعيا، فهي ثورة من غير شك، لكننا إذا قيمناها كميا، وبشكل موضوعي وبعيد عن العواطف، فهي ربما – وحسب تقييم كثيرثن – لم تبلغ استحقاق وصفها بالثورة. فإنها كانت ستكون كذلك، لو كان المشاركون فيها في العاصمة بغداد ما بين مليونين وثلاثة ملايين، ولو كانت قد حققت في تظاهرة مركزية في بغداد، شاركت فيها الجماهير من كل محافظات العراق، من الحشود ما يبلغ عشرة ملايين أو ربما عشرين مليون. وعندها، وإذا سلمنا أن الكاظمي، كما أحتمل ويحتمل الكثير منا، يريد التغيير فعلا، لكنه عاجز عن ذلك – كما يبدو حتى الآن – بسبب العقبات الهائلة المتمثلة بالميليشيات وتركيبة مجلس النواب الحالية، التي تمنعه من ذلك، كان سيكون عندها قادرا، وبدعم من الثوار، على اعتقال كل الفاسدين والقتلة، ولتكفل الثوار، وبمعاضدة الوطنيين من القوات الأمنية والجيش، بإغلاق كل المنافذ الحدودية البرية والجوية، للحيلولة دون هروب أحد من المطلوبين للعدالة، ولفرضت الثورة شرعيتها على كل شرعية سواها، حتى تحقيق أهدافها.

من هنا، ولأن الثورة لا تحقق أهدافها إلا بتحقيق النوع الثوري والكم الثوري على حد سواء، لذا فإن ثورة تشرين، وبتقديري، لم تتحول بمعيار الكمّ إلى ثورة حقيقية، وهذا ليس تقصيرا من الثوار، بل العكس تماما، فإنه ليحسب لهم أنهم صمدوا وضحوا بالمئات منهم، وحافظوا على روح الثورة، رغم عدم تحولهم إلى كم ملاييني، لكن أكثرية الجمهور غير المشارك في الثورة توزعت ما بين اللاأباليين، وما بين المؤيدين من بيوتهم عبر شاشات التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي، وأحاديث المجالس الخاصة. هذا واقع يجب ألا نكابر في الإقرار به. أما إحصاءات البعض إنه بلغ الداخلون والخارجون من وإلى ساحة التحرير في بعض الأيام إلى مليونين، فإني أتحدث عن تظاهرة بغدادية تبلغ المليونين أو الثلاثة ملايين في آن واحد، وتظاهرة مركزية من كل أنحاء العراق في بغداد تبلغ عشرين مليون، عندها كانت ستحدث المعجزة، وكان التغيير قد حصل من الأشهر الأولى للثورة.

فلو كانت الثورة قد بلغت بزخمها الجماهيري إلى عشرة ملايين أو عشرين مليون، عندها كان سيكون الكاظمي أمام الاختبار الحقيقي، فإما هو مع الثورة، كما أرجح ويرجح كثيرون، فعندها كان سيتقوى بها، وتتقوى به، وإما هو ليس معها، كما يرى البعض، عندها ستكون الثورة هي المنتصرة، سواء كان معها، أو لم يكن، وهكذا هو الأمر مع القادة العسكريين والأمنيين المتضامنين مع الثورة، كانوا سيحمون الثورة هم ووحداتهم.

ثم الذي يلوم الكاظمي – ربما محقا – بأنه لحد الآن لم ينجز الأهم مما كان ينتظر به، فعلى فرض أنه يريد ولا يستطيع، كما أميل إليه، فأقول حتى لو كان رئيس مجلس الوزراء ليس الكاظمي، بل مرشح المتظاهرين بما يقترب من الإجماع، ما كان سيستطيع إنجاز أكثر مما أنجزه الكاظمي، وهو يواجه الميليشيات ذات التسليح المتفوق، والإمكانات المالية الهائلة، والدعم الإقليمي، كما ويواجه مجلس نواب يمثل فيه المؤيدون لهذه الميليشيات والفاسدون والمستفيدون الأكثرية. لكن كان سيكون بكل تأكيد بمقدوره إنجاز كل ما ينتظر منه، لو كانت ثورة تشرين قد تحولت إلى ثورة بمعيار الكم، وليس فقط بمعيار النوع.

لكننا ما زلنا وسنبقى متفائلين، ورغم حجم العقبات وكثرة التضحيات، ورغم كورونا، ورغم الطبقة السياسية المعادية لتطلعات الشعب، ورغم مؤامرات الجارة الشرقية المعادية لتطلعات شعبنا كما هو الحال مع تطلعات شعبها، فإن النصر سيكون حليف الثورة، لكننا كنا سنختصر الطريق، ونعجل من تحقيق النصر، لو تظافر كل من عامل النوع الثوري، وعامل الكم الثوري، أو بتعبير آخر بين روح الثورة وجماهيرية الثورة.

ومهما بلغت المؤامرات ضدها، غدا ستشرق شمس الثورة، ولو كره أعداؤها الداخليون والخارجيون، هكذا تنبئنا قوانين حتمية التاريخ، وهكذا ينبئنا إصرار ثوارنا التشرينيين.

المصدر