للتاريخ…المؤلف: مسعود البارزاني

135

للتاريخ…

المؤلف: مسعود البارزاني

مراجعة: نعمت شريف

اللغة: الكردية (الطبعة الثالثة، نوفمبر 2020)

“للتاريخ…” هذا هو عنوان كتاب جديد للسيد مسعود البارزاني، الزعيم الكردي الذي خاض غمار النضال منذ نعومة اظفاره وفي سن السادسة عشرة بدأ كبيشكمركة في حركة التحرر الكردية بقيادة والده في ستينات القرن الماضي. أتذكرفي كتابه الاول “البارزاني والحركة التحررية الكردية” وهو يكتب عن والده واحداث حركة التحرر الكردية، اتذكر انه تشكى من ان الكثير من التاريخ الكردي كتبه الاجانب وخاصة المستشرقون الاوربيون، ورغم الاسهامات القيمة لهؤلاء، تبقى وجهات نظرهم لهم وليست وجهة نظرالكرد الذين يعشقون الحرية ولهم تاريخ حافل ليس بالانتفاضات ضد المستعمرين لكردستان فحسب بل لهم مساهمات هامة في مجمل الحضارة الانسانية والاسلامية بشكل خاص. وفي هذا الكتاب يسرد البارزاني باسلوب شيق يمزج فيه بين الاسلوب الروائي واسلوب المذكرات. في الوقت الذي يصارع قوى شتى لتنفيذ مشروعه السياسي، بدأ ينفذ مشروعه التاريخي وهو كتابته الاحداث التاريخية من وجهة نظره، وجهة نظر زعيم كردي قضى جل حياته في النضال من اجل كرامة شعبه وحقوقة المشروعة وليجد له موضع قدم بين شعوب العالم.

يستهل البارزاني كتابه في المقدمة ليعلن عن شعوره بالاحباط في التعامل مع حكومة بغداد على مدى اكثر من عشر سنوات، بعد ان ساهم الكرد في اعادة بناء هيكلية الدولة العراقية الجديدة بعد سقوط نظام الدكتاتور صدام حسين عام 2003 على اسس ديموقراطية من فصل السلطات الثلاثة، وعلى اسس التوافق والتوازن والشراكة الحقة في الدولة العراقية. يعيد الكاتب سرد تاريخ المائة عام الاخيرة للشعب الكردي بعد تقسيمه والحاق جزء منه لتشكيل الدولة العراقية، وما تبع ذلك من ويلات وحروب ابادة وغيرها. وبدلا من تطبيق الدستور واشعار الكرد بان عهد المواطنة من الدرجة الثانية والثالثة قد ولى الى الابد، نجد ان الكرد يشعرون بانهم وصلوا الى طريق مسدود، وبدأوا البحث عن مخرج لمواجهة الذهنية الشوفينية العربية التي تأبى ان تتغير تجاه الكرد، وانه اما ان يقبل الكرد بالتبعية كاقلية اقل شأنا والذي لا يرتضيها الكرد لانفسهم بعد مائة عام من الويلات والمصائب، واما ان تكون هناك شراكة حقيقية للحكم في بغداد. وعلى هذا الاساس كان فهم الطبقة السياسية الحاكمة في بغداد للفيدرالية قاصرا، ونحن نرى ان “الفيدرالية هي التقسيم العادل للسلطة (الحكم) وثروات البلد، وهذا هو المتبع في العديد من دول العالم المتعددة المكونات والاقوام” (ص65). ومنذ عام 2015 بدات رحلة البحث عن مخرج يأخذ الحيزالاوسع من وقت الزعيم الكردي ، ويشكل الهم الاكبر له.

في زيارته الى واشنطن، التقى والوفد المرافق له يوم 5 أيار عام 2015 بالرئيس الامريكي اوباما فيقول “وكنا واضحين بان الاولوية للحرب على داعش ….اننا مقبلون على الاستفتاء … وان بغداد لا تقبل الشراكة ونحن لا نستطيع ان نقبل التبعية. اذا استمرت بغداد على هذه السياسة فنحن لا نستطيع الاستمرار معهم” (ص68). قال الرئيس اوباما، ورغم معرفته بالكرد، الا ان قضية الكرد والعراق بيد نائب الرئيس جوزيف بايدن، تكلموا معه عن الموضوع. وفعلا في اليوم الثاني استضافنا نائب الرئيس الامريكي لتناول الفطور، وتكلمنا لعدة ساعات عن تفاصيل

قضايا الشرق الاوسط وقضية استقلال كردستان، وفي ختام حديثه، قال لي السيد بايدن “انا وانت، كلانا في عمرنا سنرى بام اعيننا استقلال كردستان” (ص68).

ويستمر البارزاني في سرده، انه بعد العودة الى ارض الوطن، عقد اجتماعا موسعا دعا اليه جميع الاطراف الكردستانية، واضاف ان علي بابير، امير الجماعة الاسلامية قال “جناب الاخ مسعود، يبدو انكم رجعتم الى كردستان ملأى اليدين، وهذا عمل كبير جدا، ومسؤولية كبيرة، هل انك على استعداد لتحمل هذه المسؤولية؟” وانا اجبت بالقول “اجل، ايها الاستاذ، انها مسؤولية كبيرة وتاريخية وانا مستعد لتحمله، ولكن بشرط ان لا يخرب علينا من الداخل.” (ص69).

لا شك ان العلاقات مع بغداد كانت تمر بمرحلة صعبة وخاصة ان الحرب على داعش كانت قد القت الضوء على ما يريده بغداد من كردستان. وبدعم من القوات الجوية للحلفاء مشكورين،استطاع البيشمركة من دحر داعش. وأما العراق فلم يقدم حتى طلقة واحدة للبيشمركة. في الوقت الذي استمرت حكومة بغداد في حصارها علينا، سجل البيشمركة بطولات رائعة نفتخر بها على مر الزمن. ولكن ثمن الحرب كان باهضا حيث تكبد البيشمركة 1921 شهيدا و 10757 جريحا و63 بين مفقودين واسرى. لم يخف ذالك على حكومة العبادي حيث التقى به على هامش مؤتمر ميونشن بالمانيا في الثاني من شباط 2015 ، كما التقى بعدد من رؤساء الدول على هامش ذلك المؤتمر ومنهم أنجيلا ميركل المستشارة الالمانية، وجوزيف بايدن نائب الرئيس الامريكي آنذاك. ولذلك بعد العودة الى ارض الوطن، يقول البارزاني ” قمت برئاسة الوفد الكردستاني لزيارة بغداد يوم 29 أيلول 2016 وبعد مداولاتنا مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وفي لقائنا مع رؤساء الكتل السياسية والاحزاب، تقرر ان يتم في بغداد تشكيل لجنة خاصة لمناقشة ودراسة العلاقات المستقبلية بيننا، كأن نبقى شركاءا اوان نصبح جيرانا جيدين، ولكن في جميع الاحوال يجب ان يكون بيينا تفاهم مشترك” (ص72). وهكذا بدأ الاعداد لاجراء الاستفتاء من خلال اللقاء بممثلي الاطراف السياسية والمكونات الدينية والاثنية في كردستان والمناطق الكردستانية خارج الاقليم، وفي اجتماع يوم الاربعاء 7 حزيران 2017 تم التوصل الى قرار تاريخي لتحديد يوم الاستفتاء ب 25 ايلول 2017. وتم تشكيل اللجان الخاصة بذلك.

ويستمر البارزاني بقوله ان الضغوط الدولية والقوى السياسية العراقية بدأت وبذلنا جهودا حثيثة لشرح وجهة نظرنا للعراقيين من جهة والعالم من جهة ثانية من خلال اللقاءات وقمت بزيارة للبرلمان الاوروبي والقيت كلمة شرحت فيها موقفنا، وطلبنا من الجميع وخاصة الذين لم يبدوا اي اعتراض في البداية، ان لا يقفوا بالضد وان كانوا لا يدعمونا، وكانت هذه الضغوط قد تراكمت في الوقت الذي “كان الاستفتاء قد تحول من قضية سياسية الى موضوع وطني وقومي، وكان حينئذ في ايدي شعب كردستان، ولم يكن بامكان اي طرف سياسي او اي شخص ان يقرر عدم اجراء الاستفتاء بسهولة.” (ص91). ويوثق الزعيم الكردي لقاءه في سحيلا بالوفد الاممي، وكان الوفد يتكون من كل من بريت مكورك، الممثل الخاص للرئيس الامريكي، ويان كوبيج، الممثل الخاص للسكرتيرالعام للامم المتحدة وكل من سفيري الولايات المتحدة دوكلاس سيليمان والبريطاني فرانك بيكر. طلب الوفد تأجيل الاستفتاء بناءا على رسالة من وزارة الخارجية الامريكية ولكنها من دون توقيع، ولم يكن واضحا ان كان الوزير سيقبل بها. وجاء في الرسالة انه “في حال فشل المفاوضات مع بغداد يمكن عندئذ اجراء الاستفتاء وستحترم الولايات المتحدة نتائجها”. ولكني “طلبت من الحكومة الامريكية ان يستبدل كلمة (احترام) بكلمة (دعم) في تلك الرسالة. ولكن الامريكيين اعتذروا بالقول أنهم لا يستطيعون استعمال كلمة دعم. فقلت لهم اذا لا تستطيعون تبديل كلمة واحدة، فكيف تتوقعون ان يكون بمقدورنا اقناع شعب كردستان بعدم اجراء الاستفتاء!” (ص90).

اجري الاستفتاء يوم 25 ايلول 2017 وبعد يومين جاءت الكلمة القطع بارادة الشعب حيث صوت 92,73% لصالح الاستقلال. وبالنسبة للعراق فقد اقام الدنيا ولم يقعدها. اعتبر البرلمان العراقي الاستفتاء جريمة بخلاف القانون وطلب انزال العقوبة بقيادات الاقليم والعقوبات الجماعية ضد شعب كردستان، واستعانت بغداد في ذلك بدول الجوار ايضا ولم يحرك احد اصبعا فوجه العراق، وخلافا للدستور، جيشه لانزال العقوبة بشعب كردستان. وفي يوم 15 اكتوبر 2017 وفي اجتماع موسع التقى المكتبان السياسيان للحزب الديموقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وهناك كان الخطر القادم من تحرك الجيش العراقي واضحا، فطلبنا من رئيس الجمهورية العودة الى بغداد بسرعة والتفاهم مع حكومة العبادي الا ان احدا لم يرد على طلبه باللقاء والتفاهم. ويستمر البارزاني بقوله وفي اليوم الثاني اتصل بي ملك الاردن مشكورا للقاء رئيس الوزراء العراقي في عمان، الا ان حيدر العبادي رفض ذلك وطلب الغاء الاستفتاء (ص113)، وكيف يمكن الغاء ارادة شعب بعد التصويت! وفي يوم 17 اكتوبر توضح لنا خيانة عدد من قادة الاتحاد الوطني واتفاقهم على تسليم كركوك من دون مقاومة وكانوا قد اصدروا اوامرهم بانسحاب البيشمركة وتسليم المدينة وغيرها من المناطق المتنازع عليها. ولا يفوتنا هنا ان نشير الى ان دور سفيري الولايات المتحدة وبريطانيا

كان سلبيا وكانا يعلمان بالمؤامرة التي كانت تحاك ضد كردستان. وفي نفس اليوم بعث السفيرالامريكي خطابا “لقد تغير العالم، اليوم ليس كالامس، من الضروري ان تقوموا بمراجعة انفسكم”. ولكن الجيش العراقي بدأ في التقدم لتقويض الادارة الكردية، فقررنا المقاومة في جميع الجبهات، وفي جبهتي بردي وسحيلا سطر البيشمركة بطولات فذه دفاعا عن ارادة وكرامة شعب كردستان واجبرنا المعتدين على التقهقر، فقلت قولوا لسيادة السفير”اليوم ليس كالامس، وغدا لن يكون مثل اليوم.” ( ص117)

ويستمر الزعيم الكردي سرده، في اول جولة من المفاوضات مع الحكومة العراقية، حضر الاجتماع ممثلون من ايران وحزب الله اللبناني، وكانوا يأتمرون باوامرهم، وكان هذا اهانة كبرى لارادة الشعب العراقي وسيادته، فقررت ان لا يلتقي فريقنا بهم وتوقفت المفاوضات. وبالرغم من الصعوبات التي واجهت الاقليم من الحصار وقطع الرواتب والحرب على داعش، هبوط سعر النفط، وايواء ما يربوعلى المليون ونصف المليون لاجئ، يؤكد البارزاني ان الاستفتاء لم يفشل وحقق نجاحا مهما، لان الشعب الكردستاني نجح في تبيان ارادته للعالم. “لوصوت الشعب ب(لا) بنسبة اعلى ولم يطلب الاستقلال لكنا نعتبر ان الاستفتاء قد فشل في تحقيق مبتغاه. ولذلك فان الطريق الوحيد للوصول الى السلام وتحقيق التقدم هو ترك العقلية الشوفينية والسيرعلى ثقافة التسامح وتقبل الاخر.” (ص122). ينص الدستور العراقي في ديباجته صراحة على ان الالتزام بالدستور هو شرط اساسي لبقاء العراق موحدا وكان هذا سبب تصويت الكرد عليه. لم يكن الاستفتاء جريمة، انه حق شرعي ودستوري مارسه الشعب الكردستاني، ولكن الحكومة العراقية، بدلا من ان تعالج المشاكل، نرى انها تدق اسفينا اعمق بين الشعبين العربي والكردي بتحريض الشعب ضد كردستان وشعبها المسالم.

في هذا العرض الموجز لم يبق لنا في تتبعنا للخطوط العريضة للكتاب الا سؤالين غامضين تجنب الكتاب الاجابة عنهما بشكل صريح وواضح. اولهما انه في معرض حديثه عن تغيير داعش وجهة الحرب نحو كردستان على حين غرة، يوحي وكانه جاء بوحي من تركيا، وفي مكان آخر وكانه كان بوحي من حكومة العراق حيث لم يقدم العراق اية مساعدة وكأن الامر لا يعنيه. وثانيهما هو علاقة ايران بالاتحاد الوطني ودورهما في تسليم كركوك الى القوات العراقية والحشد الشعبي، فمرة يذكر ان بعض قادة الاتحاد الوطني وباتفاق مسبق لعبوا دورا خيانيا في سقوط كركوك يوم 17 اكتوبر 2017، ويذكر في اول جولة للمفاوضات بين بغداد واربيل كان ممثلون عن ايران وحزب الله اللبناني موجودين في الاجتماع، وكان العراقيون يأتمرون باوامرهم. ربما يكون هذا واضحا لدى المواطن الكردستاني، ولكنه ليس بالضرورة كذلك لدي غيرهم.

الكتاب من الحجم الوسط ويقع في 353 صفحة، منها 124 صفحة للمتن والباقي 182 صفحة من الوثائق والخرائط والملاحق المهمة لكل مهتم بالشؤون الكردية من الاكاديميين والسياسيين والقراء عامة. نأمل ان تظهر تراجم لهذا الكتاب القيم باللغات الاخرى وخاصة الانكليزية والعربية.

المصدر