كيف نشخص مشاكل العراق الى حلّها؟ الجزء الثاني
رفعت الزبيدي
في مقدمتي البحثية لموضوع تشخيص مشاكل العراق كشعب وصولا الى حلّها قلت في خاتمة الجزء الأول نحن نحاول فك طلاسم مايجري في العراق لنؤسس الى مرحلة فكرية هي جزء من مراحل ثورة تشرين الوطنية. فلولا الأزمات الثلاث التي يعاني منها العراقي لما حصل الذي حصل في ساحات التظاهرات من عنف مُفرط فاق الأرقام التي سبقت ثورة تشرين للتظاهرات في الأعوام السابقة. الأزمة الدينية، العقلية ، الأخلاقية لابد لها أن تُعالج وفق مشروع وطني متكامل يأخذ بنظر الاعتبار الأمور التالية/
أولا:الارث التاريخي المتخلف بكل مايرتبط بالدين ، المذهب، القبيلة، الحروب وسياسات الأنظمة السابقة ومنذ تأسيس الدولة العراقية.
ثانيا: نتائج وافرازات ذلك الإرث الذي أشرتُ إليه. ليس من السهولة أنك تقف موقف الناقد الديني او السياسي او الاجتماعي ..الخ في مجتمع كالمجتمع العراقي بتناقضاته وموروثاته وهذا يحتاج إلى صبر في الاستمرارية في عملية المراجعة المستمرة والنقد المتواصل مهما كانت النتائج وردود الأفعال.
ثالثا: الأزمة الدينية وعلاقتها بالمسبب المباشر كمؤسسة واحزاب دينية، هي أقوى من أي عامل مؤثر او قوة أخرى تضاهيها وتواجهها . أنت بحاجة الى قوة مؤثرة في الوجدان والعقل في زمن مُسخ الرمزين الوجدان والعقل.هل سيُسمحُ لك بالاستمرارية؟ من سيقف بوجهك ويحاربك؟ هنا كانت محاولات سابقة جاءت بنتائج عكسية ارتدادية ساهمت في بعثرة الأوراق وبالتالي ظهور قوة مهيمنة فيما بعد وهما التيارين اليساري من خلال الحزب الشيوعي والتيار القومي من خلال حزب البعث الذي استفاد من تلك الفتوى وحسم الصراع لصالحه منتصف سبعينيات القرن المنصرم. الأزمة الدينية أوجدت فتوى تكفير الحزب الشيوعي باعتبارها كفر والحاد. والحزب الشيوعي هو الآخر يعاني من ازمة الهوية الوطنية المستقلة لارتباطه الآيديولجي وتأثير السياسة الدولية وتحالفاتها أيام اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفياتي السابق. أين ستضع الأزمة الدينية الآن وفي هكذا موروث تاريخي في العراق خلال نصف قرن؟ أضف الى ذلك أن التيار المدني يعيش في دوّامة الأزمة الدينية الحالية مع الازمة الثالثة وهي الأخلاقية ونحن رأينا كيف أن الانتهازية والمصلحة الشخصية أفرزت شخصيات منافقة او متملقة للعملية السياسية الفاشلة سواء من خلال مشاركتهم في الانتخابات السابقة أو حركات الاحتجاج المدنية.
ثالثا: التدخل الإقليمي والدولي كيف ستكون آليات تحجيمه وصولا الى تحرير الوطن باعتبار أن شعار ( نريد وطن ) هو من فلسفة وروح ثورة تشرين الوطنية. هل لدينا كفاءات وطنية يمتلكون لغة التاريخ والواقع وهم يتحدثون مع الرأي العام وكذلك يخاطبون العالم ومن له التأثير المباشر في الشأن الوطني العراقي ؟
رابعا: الامكانات المالية لتغطية البرامج وخطط المشروع الوطني هل نحن لدينا هذه الإمكانيات وهل نمتلك ثقافة التبرع والمساهمة في انجاح المشروع الوطني ؟ السؤال مباشر الى القارئ المهتم بالموضوع في أزمات العراقي الثلاث.
من يقرأ العوامل الأربعة المشار اليها ربما ينتابه بعض القلق والتشاؤم وهذا غير صحيح. أنا وضعت العوامل المؤثرة كمنطق أمام ما يجري وفي نفس الوقت أنبّه القارئ أن الثورة حين تنطلق في عقل ووجدان الثائر انما هي قوة بدأت تتفجر من داخل شخصيته وهي سر من أسرار عطاءه المعنوي الذي يضاهي الإمكانيات المادية لمن يحكمون . انظروا الى من يحكمون العراق رغم ما لديهم من سلطة المال والقوة لكنهم يتخبطون في صراعات مصلحية وانقسامات مستمرة ستنتهي بهم الى مرحلة انتكاسة غير التي يمرون بها الآن. نحن في صراع مع الزمن والعقل يُسرع في إيجاد مواقع له في لغة الخطاب الموجه هذا هو جزء مهم من التحشيد والبرنامج الوطني الذي نسعى اليه. الان مثلا ومنذ الأول من تشرين الأول من العام المنصرم 2019 كم نسبة من انضموا في تأييدهم لثورة تشرين؟ كم نسبة من ارتدّوا عن موروثهم الديني ، المذهبي ، العشائري؟
الفكرة والخلاصة؟ خُلاصة الفكرة لاتنظروا الى مافي جيوبكم وانظروا الى مافي عقولكم. كم سمعنا عن شهداء من أبناء ثورة تشرين حين استشهدوا لم يكن في جيبهم سوى الف دينار او الفي دينار؟ أنا هنا لا أحرّض على دماء أبناء ثورة تشرين وبناتنا العزيزات بل أدعوهم الى انتهاج استراتيجية اخرى مكملة لثورة نريد وطن . ماذا يريد وطننا الحبيب؟ العراق بحاجة الى من يقرأ تاريخه بكل أساطيره ومراحله التاريخية وموقعه الجغرافي والاقتصادي. العراق بحاجة الى ثورة روحية تنطلق من ذكاء الشخصية العراقية. هذا هو العراقي الجديد أنت في صراع حضاري متجدد كما كان الصراع الفارسي او الساساني ضد السومري والبابلي او الصفوي والعثماني ولكن اليوم بلباس وشيطنة جديدة، وانا على يقين وثقة بقوة الروح والعقل سينتصران على موروث الجهل والعنف. صناديق الانتخابات من الممنوعات الوطنية وهو من مقدمات الحلول إياكم وخديعة الانتخابات مع أي جهة كانت سواء من داخل العملية السياسية او خارجها. أما تفاصيله او جزيئات المشروع الوطني فإيّاكم وتصديق من يقدمون أنفسهم كتيار مدني او بمسميات جديدة تناغم طموحاتكم . ابتعدوا عن أي عامل مؤجج للأزمات الاخلاقية والتيار المدني مليء بـ الانتهازيين او قصيري النظر مثلما كان تاريخ الحزب الشيوعي العراقي المتناقض والمنافق. لهذا مازلتُ ادعوا القوى الوطنية المستقلة أن ياخذوا مبادرة التأسيس لمشروع وطني يطرح برنامجاً يعالج الأزمات الدينية، العقلية ، والاخلاقية في الشخصية العراقية عندها سنشكل أقوى جهة أو جبهة وطنية او تيار وطني لاتهمني التسمية وستكون المنطقة الخضراء بمتناول اليد بعد أن تتحول الى تفاحة نتنة تسقط من تلقاء تآكلها. هذا جزء من فن الواقع الفكري والسياسي.