عشرة أحداث وعبرة

383

السفير لقمان عبد الرحيم الفيلي

عندما ننظر لأحداث عام 2020، يمكننا أن نرى بوضوح أنه كان عاماً تميز به وسيطرت عليه جائحة الفيروس التاجي وتأثيراته العالمية على جميع البلدان ومسيرة الحياة فيها. بدأ عام 2020 بصدمة كوفيد- 19 وانتهى بتغيير في البيت الأبيض. كان عاما آخر لم يكن فيه الرئيس ترامب بعيدًا عن الأضواء اليومية، وانتهى العام بهزيمته في الانتخابات الرئاسية. بين بداية العام ونهايته وقعت العديد من الأحداث المهمة ولكنها تلاشت في الخلف بالمقارنة مع جائحة كورونا وتداعياتها. فيما يأتي ملخص للأحداث العشرة المهمة ودروسها الرئيسة.

مثّل الأول من كانون الثاني 2020 بداية عقد جديد، ونظر إليه الكثيرون بتفاؤل وكفرصة لحياة جديدة، ولكن مع تقدم العام، تساءل الكثيرون عما إذا كانت أحداث العام يمكن أن تزداد سوءاً، بعد سلسلة من الحرائق الهائلة، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والاختراق الكبير على منصات تويتر (التواصل الاجتماعي)، والانتخابات الرئاسية الأميركية، والنزول الحاد في سوق الأسهم العالمية، وموت لاعب كرة القدم الأسطوري مارادونا، والاضطرابات بشأن مقتل جورج فلويد، والانفجار المدوي في بيروت والعديد من الكوارث الطبيعية، كل ذلك تحت سحابة جائحة فيروس كورونا العالمية.

1 – جائحة كوفيد- 19:

أعلنت منظمة الصحة العالمية في 9 كانون الثاني، ظهور فيروس كورونا مميت في مدينة ووهان الصينية. وفي غضون أشهر، انتشر الفيروس في جميع أنحاء العالم إلى أكثر من 78 مليون شخص، مما أدى إلى وفاة ما لا يقل عن 1.71 مليون شخص، علماً بأن أغلب دول العالم سجلت اصابات بفيروس كورونا، والعالم بأسره مليء بالخوف والشكوك والأسئلة المحيرة، ولعل السؤال إلى متى سيستمر الوباء؟ وكيف ستبدو وتتغير حياة الناس بعد انتهاء الوباء، من الاسئلة الملحة والتي لم تجد اجابة بعد؟

تداعيات الجائحة أدت الى شلل في حركة البشر على مستوى العالم كله، إغلاق الحرمين الشريفين (المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة) بقرار من السلطات السعودية وللمرة الأولى في التاريخ، ترأس البابا فرنسيس في (27 آذار 2020) وحيداً الصلاة في مواجهة “عاصفة” وباء كورونا المستجد، وذلك في ساحة كاتدرائية القديس بطرس الخالية في الفاتيكان، داعياً العالم “الخائف والضائع” إلى إعادة النظر في أولوياته وهي ليست وحيدة او فريدة في هذا العام.

2 – أخيراً، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي:

بعد سنوات من المفاوضات والاحداث الدرامية، خرجت أخيراً بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 31 كانون الثاني. لقد غادرت المملكة المتحدة الاتحاد الأوروبي رسميًا بعد أكثر من ثلاث سنوات من المداولات والاضطرابات السياسية والاحتجاجات والمفاوضات ذهابًا وإيابًا، أحدثت هذه الخطوة ردود فعل متباينة حيث اندلعت الاحتفالات والاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد. وعليها الآن أن تستعد لمزيد من المفاوضات في السنوات المقبلة. وبهذه المناسبة قال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في رسالة فديوية في ذلك الوقت “أهم شيء يمكن قوله الليلة هو أن هذه ليست النهاية بل البداية”، “هذه هي اللحظة التي يطلع فيها الفجر ويرفع الستار عن فصل جديد. إنها لحظة تجديد وتغيير وطني حقيقي”.

3 – محاكمة عزل الرئيس دونالد ترامب:

في 16 كانون الثاني، بدأت مساءلة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن عزله تحت تهمتي- إساءة استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونغرس، وكانت محاكمته في مجلس الشيوخ منطلقة من شكوى المبلغين عن التجاوزات التي تركزت على مكالمة الرئيس ترامب مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي إذ طلب ترامب من زيلينسكي “خدمة” وناقشا موضوع منافسه السياسي نائب الرئيس السابق جو بايدن وابنه هانتر بايدن. بحلـــول 5 شباط، تمت تبرئة ترامب من كلا المادتين من المساءلة – بتهمة إساءة استخدام السلطة (بتصويت 52 الى 48) ولعرقلة عمل الكونغرس (بتصويت 53 الى 47).

4 – انخفاض حاد في الأسهم العالمية:

في شهر آذار، تعرضت الأسهم الأميركية لهبوط كبير وسط مخاوف متزايدة من فيروس كورونا. وانخفض مؤشر داو جونز بشكل حاد بمقدار 2997 نقطة، وهو أكبر انخفاض منذ عام 1987. وتوقف التداول على مستوى السوق لمدة 15 دقيقة. وانخفض مؤشر داو جونز الصناعي بنسبة 9.7٪ أو 2250 نقطة خلال الدقيقة الأولى.

5 – احتجاجات “حياة السود مهمة”:

في 25 ايار، توفي جورج فلويد، رجل أسود يبلغ من العمر 46 عامًا، بعد أن جثا ضابط شرطة أبيض على رقبته لمدة 8 دقائق 46 ثانية في مدينة مينيابوليس الأميركية. وأثارت وفاته مظاهرات واحتجاجات على مستوى البلاد وأعمال شغب ضد العنصرية ووحشية الشرطة، فضلا عن احتجاجات سلمية موازية في بلدان كثيرة أخرى بهدف النضال من أجل إصلاح الشرطة وتحقيق العدالة من أجل حياة السود. ووفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، فإن ما يقرب من خُمس الناخبين في الانتخابات الأميركية لعام 2020 كانت “تعد أن الاحتجاجات هي العامل الوحيد الأكثر أهمية” في قرارهم النهائي لمن يصوتون. ولم يكن من قبيل الصدفة أن يتم اختيار كامالا هاريس كمرشح ديمقراطي لمنصب نائب الرئيس للترشح جنبًا إلى جنب مع المرشح الرئاسي جو بايدن، ومما يجعلها أول امرأة سوداء وأول امرأة آسيوية على التذكرة الرئاسية لحزب كبير.

6 – اختراق تويتر:

في شهر تموز، في عملية احتيال على عملة البيتكوين، استحوذت مجموعة، يُزعم أنه يقودها مراهق من فلوريدا، على حسابات تويتر لشخصيات تجارية وسياسية بارزة في الولايات المتحدة- بما في ذلك جو بايدن وبيل جيتس. وكانت جميع التغريدات المخادعة تقرأ الرسالة نفسها وبعد فترة وجيزة من نشر التغريدات، فُضحت على أنها عملية احتيال وفتحت شركة تويتر تحقيقًا في كيفية اختراق الحسابات. وألقي القبض فيما بعد على شاب يبلغ من العمر 17 عاما بتهمة تدبير الاختراق.

7 – انفجار بيروت:

في شهر آب، وقع انفجار هائل في أحد موانئ بيروت، نتج عن تفجير عرضي لـ 2750 طنا من نترات الأمونيوم، مما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن 204 أشخاص وإصابة الآلاف وتشريد 300 ألف شخص. ويُعتقد أن الانفجار الذي وقع في بيروت نتج عن حريق داخل المستودع. وذكرت تقارير محلية أن دوي وصوت الانفجار شعر به على بعد عشرات الأميال وأن حجم الانفجار كان نحو “عُشر” شدة القنبلة النووية التي ألقيت على هيروشيما في عام 1945، وفقًا للـ (BBC).

8 – حريقان مدمران على جانبي الكرة الأرضية:

واجهت أستراليا واحداً من أكثر مواسم حرائق الغابات تدميراً إذ استمرت الحرائق من كانون الاول 2019 حتى بداية العام 2020 مسجلةً رقماً قياسياً بالمساحات المحروقة والتي بلغت 47 مليون فدان وقتلت 34 شخصاً على الأقل وشردت الآلاف. وعلى الجانب الآخر من الكرة الارضية، واجهت الولايات المتحدة في شهر آب حرائق الغابات على الساحل الغربي، واندلعت هذه الحرائق من ولاية كاليفورنيا إلى ولاية واشنطن، مما أدى إلى حرق ملايين الفدادين وتشريد مئات الآلاف من الناس.

9 – وفاة مارادونا:

في شهر تشرين الثاني توفي أسطورة كرة القدم دييجو مارادونا، أحد أعظم اللاعبين في كل العصور، إثر إصابته بنوبة قلبية عن عمر يناهز 60 عامًا.

وقد أثارت وفاته موجة من الحزن بين جماهير الكرة في جميع أنحاء العالم، وفي الأرجنتين حيث ينحدر مارادونا أصيب الناس بالحزن لدرجة أن الرئيس الارجنتيني أعلن الحداد الوطني لمدة ثلاثة أيام، وشارك المشجعون حول العالم حزنهم ونشروا على وسائل التواصل الاجتماعي نشرات تعكس أهمية هذا الحدث عليهم.

10 – جو بايدن يصبح الرئيس المنتخب للولايات المتحدة:

أصبح جو بايدن الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة في 7 تشرين الثاني، حيث هزم الرئيس ترامب بمساعدة حاسمة من ولايته، ولاية بنسلفانيا، والتي أعطته الأصوات لدفعه إلى الفوز وإنهاء واحدة من أكثر الانتخابات إثارة للجدل في الذاكرة الاميركية الحديثة.

مراجعة للأحداث أعلاه:

نرى من الأمثلة العشرة لأحداث هذا العام أن البشرية الآن تمر بمخاض جديد، مخاض ممكن أن نعدّه بداية النهاية للعولمة كما نعرفها والسير نحو معادلة توازن دولي وبشري جديدة. معالم المنتج لهذا المخاض غير واضحة بعد، وتحتاج الى إفرازات أخرى في السنين القليلة المقبلة لتعكس حجم التغيير المنشود لمسيرة البشرية، وعن عمق أثر العولمة عليها.

الداعمون للعولمة دعوا الى الترابط بين الدول حول العالم والذي يتم تعزيزه من خلال التجارة الحرة، وإن تقليل الحواجز بين الاقتصادات الوطنية سيسهّل انتشار المنتجات والمعلومات والوظائف والتكنولوجيا عبر الحدود الوطنية. ويقولون ان العولمة سهّلت التجارة الدولية وقوة الترابط الثقافي ومكّنت البشر من التنقل حول العالم بحرية أكثر. وقد أدى ذلك كله إلى التكامل بين الأفراد والشركات والسلطات التنظيمية في جميع أنحاء العالم.

من جانب آخر عرفنا انه مع العولمة فإن الفكرة لا حدود لها، وان الايدي العاملة ممكن ان تتنقل بين البلدان، وان المال لا يمكن ان يحصر بجغرافيا معينة، وان القوانين الوطنية والسيادة المحلية ستلاقي تحديا دوليا لكسره وتغييره، وان الفيروسات (بخيرها وشرها) ممكن ان تنتقل بسرعة بين البشر.

مؤشرات أحداث عام 2020 بيّنت أننا أمام مفترق طرق وان تطور آليات التواصل الاجتماعي قد أحدثت تغييرات كبيرة وثورات اجتماعية خفية لا يمكن ان تجمد او تحدد بجغرافيا معينة.

تداعيات جائحة كورونا بيّنت لنا جلياً كذلك حجم الخلل والتصدعات والشقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي نعاني منها نحن البشر، هذا الضعف في الوئام الدولي والمجتمعات البشرية ممكن ان يؤدي الى نشوء حرب عالمية ثالثة او سلسلة حروب كبيرة مدمرة (عسكرية او اقتصادية او افتراضية) او إدراك البشرية بأن الكرة الأرضية ليست مثل مغارة علي بابا ولا تنضب بل إنها محدودة الثروات والامكانيات وان الحل بيدنا نحن البشر كونها أمانة وهبنا الله إياها فهل من مدَّكر؟

ولعل سؤال أين نحن العراقيين من تداعيات او تأثيرات هذه الاحداث سؤال مفيد في هذه المرحلة الحساسة، فهل سنستطيع التأثير عليها لنجعلها تخدم مصالحنا وتنميتنا واستقرارنا؟ ام انشغالنا وانهماكنا بجزئيات السياسة اليومية أفقدتنا المبادرة والحركة نحو التأثير؟، مسيرة التطور والصيرورة البشرية سارية بمعزل عنا، فهل نريد ان نكون جزءا منها أو نتاجا عرضيا لها فقط؟ الزمن حتماً سيجيب.

المصدر