عتيق وعبيق!!

70

كلما أتفاعل مع عقول الدنيا أكتشف أن عقولنا عتيقة , وأتذكر ذلك الرجل الذي كان يجوب شوارع مدينتنا بعربته وهو ينادي “عتيق للبيع” , فيشتري بعض الأثاث القديم والحاجات الأخرى العتيقة بأبخس الأثمان ويقوم يتصليحها وبيعها.

نعم إن عقولنا عتيقة…

عقولنا لا تصلح للزمن المعاصر , وإنما هي عقول ماضوية مشغولة في حل مشاكل الدهور والعصور والسوالف , ولا يعنيها من شؤون عصرها شيئا, أي أنها منقطعة عن زمنها وتستنزف طاقاتها في أزمان بائدة.

فعقولنا تفكر بأساليب غريبة , وعندما يتأملها العقل المتقدم يصاب بالدهشة والحيرة ولا يفهم فيما نتحدث عنه وما نريد قوله.

فحينما يقرأ الكم الهائل من المقالات والدراسات التي تتصدى لموضوع قديم جدا , ينصعق , ويزداد حيرة وذهولا عندما لا يجد كتابات تتحدث عن التحديات المعاصرة والحاجات الإنسانية المتجددة.

ونراه يقول أن هذه كتابات أموات ولا يمكنها أن تكون لأحياء .

وخلاصة آليات تفكيرنا وتوجهاتنا أنها سلبية تدميرية تعيق الخطو إلى أمام , وتدير ظهرها للأنوار وتخطو في أنفاق الظلام والبهتان.

ففي معظم كتاباتنا لا توجد إشارات لتطلعات إقتصادية وعلمية وثقافية وعمرانية , أو رؤية للمستقبل وكيف نحقق ما نريده من الآمال والأهداف , وكيف نعمل كفريق عمل واحد من أجل الأفضل.

لا يوجد عندنا هدف معاصر نسعى إليه , سواء في الصناعة أو الزراعة أو العمران.

أهدافنا إنتحارية , سوداوية , إستنزافية , فنحن ننشغل ببعضنا البعض , ولا ننشغل سوية بإنجاز هدف نافع , وبسبب هذا التصارع المتوحش تحولنا إلى مجتمعات مقهورة ذليلة , مستعبدة من قبل قوى متعددة , إبتداءً بالمتسلطين وما يرتبطون به من قوى أخرى طامعة بالبلاد.

إن المأزق الحقيقي الذي يواجهنا , هو هذا العقل العتيق الناكر للحقائق والعلوم والبديهيات والحجج والبراهين , العقل الذي لا يؤمن بالبحث العلمي وبالجد والإجتهاد والتفاعل العاقل ما بين الناس.

العقل الأبوي العقيم التسلطي الإستبدادي الذي يملي ويقول ولا يسمع.

العقل المذهون بإمتلاك الحقيقة , والممعن بالجهل والأمية ويحسب أنه يدري ويعلم.

إن مأساتنا تكمن في عقولنا المخربة المعتقلة في أقبية البهتان والغيبيات.

فللعنيق عبيق وأريج في صدورنا , وما أبهى وأجمل العتيق في ديارنا ووعينا الجمعي , أما الجديد فنتقيأه ونأباه , وننكر مسعاه!!

فهل سنسترد عقولنا لكي نكون , وهل سنعاصر , أم أننا سنبقى في حالة إندحار في بدن الأجداث؟!

وهل من يقظة وثورة نهوض عقلي؟!!

د- صادق السامرائي

المصدر