صراع سياسي على أصوات المحافظات يحرك ورقة إقالة المحافظين

360

فوق جسر قصير انشئ قبل نحو 40 عاما، تتجمع عشرات السيارات يوميا في محاولة لاجتيازه، وخلال الزحام ينطلق صوت المذيع من راديو “الكيا” ليعلن انطلاق تظاهرة في جنوب مدينة الحلة للمطالبة باقالة المحافظ.

يظهر صوت ضرغام ماجد، أحد ابرز الناشطين في المدينة: “المحافظ احد ادوات قمع المتظاهرين، وتجب اقالته، كما نجحنا سابقا باقالة مدير الشرطة علي كوه”.

بحركات اشبه بما يجري داخل حلبة سباقات السيارت يستطيع “ابو الكيا” الخروج من عنق جسر “بته” في المدخل الشمالي لمدينة الحلة ليقع في افخاخ حفر شارع ستين، أحد اهم شوارع الحلة.

يمر على الجسر اليتيم (بته) في الحلة يوميا اغلب المسافرين الذين يرومون الوصول الى النجف والديوانية ومدن جنوبية اخرى، وفي عام 2018 افتتح جسر “مؤقت” الى جانبه، يتسع لعبور سيارة واحدة فقط.

ويَحمّل سكان الحلة المحافظ حسن منديل الذي يدير بابل بالوكالة منذ اكثر من عام، تراجع الوضع الخدمي بالمحافظة، بالاضافة الى محاولات متكررة لمنع تظاهرات تطالب بالخدمات واقالته في الوقت نفسه.

ضرغام ماجد وزملاؤه في الحلة، اعتقلوا أكثر من 5 مرات منذ تظاهرات تشرين الاول 2019، في محاولات لاسكات انتقاد السلطات في الحلة واقالة المحافظ البديل لكرار العبادي، الذي قضت محكمة في بغداد في آذار 2020 بحبسه 7 سنوات (غيابيا) بسبب التزوير.

ويقول علي عدنان، ناشط من سكان الحلة لـ(المدى): “الحلة من اسوأ المدن في العراق، تنتشر فيها النفايات بشكل غير اعتيادي، والشوارع فيها تكسرات واغلبها غير معبدة، والمحافظ مشغول بتلميع صورته”.

المحافظ منديل، كان قد استلم المنصب في نهاية 2019، حيث التظاهرات في ذروتها، المحافظ السابق كرار العبادي (المحسوب على رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي) قد هرب من المدينة بعد صدور اوامر القاء قبض عليه.

يضيف عدنان، أن “المتظاهرين خططوا منذ العام الماضي لتنفيذ تظاهرات موحدة تنطلق بكل المحافظات لاستبدال المحافظين بآخرين من خارج خارطة المحاصصة، لكن الاحزاب لديها خططها أيضا”.

وحسن منديل محسوب على تيار الحكمة ايضا، الذي استطاع ان يسيطر بين عامي 2018 و2019 على 3 محافظات عبر تعيين ثلاثة من المنتمين له بمنصب المحافظ في بابل وواسط ووذي قار، بينما ينافسهم دولة القانون هناك.

ويعرف اغلب الناشطين، ان بعض الأحزاب تريد عبر ذريعة “دعم الاحتجاجات” في المحافظات تمرير اجندتها بتغيير المحافظين، لصالح آخرين تابعين لها.

ويتابع عدنان قائلا: “نعلم بنوايا الاحزاب، لكن دعوتنا لتغيير المحافظين ليست متطابقة مع رؤية القوى السياسية، وسنضغط لتعيين اكفاء”.

قبل كل انتخابات تبدأ القوى السياسية بالتحرك على المحافظين، حيث يعد هذا المنصب أحد اهم الاذرع في الوصول الى مقاعد البرلمان والانتخابات المحلية، عبر توظيف ميزانية المحافظة التي يكون المحافظ مسؤولا عن صرفها بشكل مباشر، لاهداف الدعاية المبكرة لحزبه.

وفي نهاية الاسبوع الماضي، بدأت 3 محافظات على الاقل تتحدث بشكل اوضح عن تغيير المحافظين، وهي: واسط، ذي قار، وكركوك التي لديها وضع خاص مختلف عن بقية المحافظات.

وأشعل متظاهرون يوم الخميس، النار في اطارات السيارات، في الكوت (مركز محافظة واسط) للمطالبة باقالة المحافظ محمد المياحي، القيادي في تيار الحكمة.

وكانت واسط اول محافظة عادت الى التظاهرات بعد توقف دام نحو شهرين (في اعقاب انتشار فايروس كورونا).

واعلن المتظاهرون في الكوت في ايار 2020، “اسقاط الحكومة المحلية”، وأضافوا في بيان حينها “سوف لن تروا بعد ذلك الوجوه الكالحة البائسة لمحمد المياحي وعادل الزركاني ورشيد البديري”، وهم المحافظ ونائبيه.

لكن هذه التظاهرات كانت قد تراجعت بفعل وعود حكومة مصطفى الكاظمي، والشكوك حول وجود أذرع لقوى سياسية تتحرك ضد المحافظين، وعادت الان مع اقتراب انتخابات البرلمان المزمع اجراؤها في تشرين الاول المقبل، والحديث عن احتمال اجراء انتخابات محلية في الوقت نفسه.

وكانت القوى السياسية قد استطاعت استبدال نحو 10 محافظين في 2019، في اكثر من سنة جرى فيها تغيير المحافظين، استعدادا للانتخابات المحلية التي كان من المفترض اجراؤها في تشرين الثاني من ذلك العام، ثم جرى تأجيلها الى نيسان 2020، ثم اعقبها تأجيل اخير الى وقت غير محدد.

وتدفع الآن خلافات شديدة بين مكونات كركوك الى طلب التركمان والكرد استبدال المحافظ بالوكالة راكان الجبوري – وهو نائب مازال يحافظ على مقعده شاغرا في البرلمان- على خلفية اتهامات باستخدام الموازنة لصالح حزبه واحتكار المشاريع والخدمات للمناطق العربية في كركوك.

بالمقابل اشارت مصادر سياسية مطلعة في الجنوب، الى ان ورقة “المحافظ القاضي” التي لوحت بها بعض القوى السياسية في ذي قار ابان التظاهرات قد انتهى دورها الان، وهي بصدد العودة الى مرشح جديد ينفذ أجندتها بشكل محترف.

وفي ايار 2020، قرر رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي، تعيين القاضي ناظم الوائلي محافظا لذي قار خلفا للسابق عادل الدخيلي، الذي قدم استقالته من منصبه، في تشرين الثاني 2019، احتجاجا على احداث العنف في المحافظة.

ويقول المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه لـ(المدى) ان “الدخيلي كان تابعا لتيار الحكمة، والقاضي الجديد مدعوم من الصدريين بموافقة الحكمة على ان يدعم الاول محافظين الثاني في بابل وواسط”.

وعادة ماترسم خارطة تحالفات سياسية في المحافظات مختلفة عن تلك التي تظهر على المستوى الوطني، حيث لا يبدو ان مواقف تيار الحكمة والصدريين متطابقة الى ذلك الحد في البرلمان او فيما يتعلق بالحكومة الاتحادية.

وبحسب المصدر، انه بسبب قرب الانتخابات وزيادة ضغط دولة القانون، يجري الآن تغيير الوائلي، بآخر أكثر قربا من التيار الصدري، حيث كانت قضية تعيين قاض بمنصب المحافظ هي لامتصاص غضب الشارع حينها من المحاصصة.

وفي الاسبوع الماضي، وقع 10 نواب (اغلبهم من دولة القانون وتحالف الفتح) من اصل 19 ممثلين لذي قار باقالة القاضي الوائلي من منصبه، بسبب سوء ادارته.

وبعد تشويش لفترة قصيرة يعود صوت المذيع داخل “الكيا”، ليقول، إن “مسألة اختيار محافظ بالاصالة تقع على عاتق مجلس الوزراء، وان سبب التأخير في ذلك، يعود لرئيس الحكومة”.

المصدر