دراسات في تاريخ الزرادشتية وعقائدها/ج28
أ.د. فرست مرعي
وفي سياق متصل قامت جمعية التراث والفن في مدينة عفرين في كردستان سوريا في ربيع سنة2014م، بنصب تمثال ل( زرادشت) في إحدى ساحات مدينة عفرين؛ لذلك صرح الزعيم الديني اليزيدي في المنطقة (شيخ حيرتو إسماعيل)، بأن نصب هذا التمثال المزيف لزرادشت في عفرين، لا يخدم مسيرة التعايش بين المسلمين واليزيديين، وأن هذا التمثال لا يعبر عن طموحات وتطلعات اليزيديين.
من جهته أعرب الناشط اليزيدي(داود شه نكالي) أن هذا التمثال المزيف لزرادشت ليس له علاقة بالديانة اليزيدية، ولا يمثل اليزيديين بشىء، لأن ما يقال بأن الديانتان اليزيدية والزرادشتية من أصلٍ واحد لا يعقل، ولا أساس له من الصحة؛ لأنهما دينان مختلفان. وأضاف بأن حزب الاتحاد الديمقراطي السوري الذي كان يسيطرعلى الكانتونات السورية الثلاث له دوافع سياسية وايديولوجية من وراء نصب هذا التمثال في أثناء الحرب الاهلية السورية؛ وأن هذا الاجراء يرمي الى التأثير المباشر على اليزيدية كديانة من خلال محاولة احتوائها والتقليل من شأنها. ينظر:ريجارد فولتز، تيروانينى كشتى بو به يا مبه ره ك – بانكه شه ى سياسه تى كورد وتاجاكى بو زه رده شت وئايينى زه رده شتى، وه ركيرانى: رزكار قاسم محمد، كومه ليك نوسه ر، كورد وزه رده شتيه ت، ئامه دا كارن : عوسمان علي وديدار عوسمان، 2019ز، لا به ر، 779.
ولتوحيد صف معتنقي الديانة الزرادشتية أعلنت منظمتان زرادشتيتان في جنوب كردستان(= كردستان العراق) عن تشكيل مرجعية لتكون بمثابة مظلة جامعة لهم، وعقدت منظمتا (مري) و(يسنا) الزردشتيان مؤتمراً صحفياً في قاعة آمنه سوركه بالسليمانية، وتم خلاله الإعلان عن مرجعية زرادشتية تحت اسم (سرايا الزرادشتيين الكردستانيين).
وقالت مسؤولة منظمة يسنا أوات حسام الدين أمام وسائل الإعلام أن “سرايا الزرادشتيين الكردستانيين تشمل كل المنظمات الزرادشتية في باشور كردستان(= جنوب كردستان)، وكل جهة زرادشية راغبة بتشكيل منظمة في إطار الفلسفة الزرادشتية عليها الحصول على توجيهات وترخيص من هذه المرجعية المشكلة”.
وبحسب ما جاء في البيان المشترك للمنظمتين فأن الهدف من تشكيل هذه المرجعية هو توحيد صفوف معتنقي هذه المعتقد، لتكون بمثابة مظلة جامعة لهم، وجرى الاعلان في طقوس رمزية أما م طاولة وضع عليها عليها صورة تجسد زرادشت، ووعاء تلتهب فيه النار.
وجاء اعلان تاسيس الاتحاد الزرادشتي في كوردستان وفق ما يلي:
باسم (اورمزدي) اللطيف الرحيم الغفور
نحن لا نرفع السيف ضد الظلام ولكننا نوقد شمعة
السلام على الجميع …
الرفاق الافاضل في كوردستان العزيزة
استنادا الى الشعور بالمسؤولية والتفاهم المشترك بيننا وتوحيد صفوف الزرادشتية في كوردستان، تم الاتحاد بين كلتا المنظمتين، منظمة ياسنا ومنظمة مرى من أجل تنمية الفلسفة الزرادشتية، باسم (منبر مؤتمر الزرادشتية في كوردستان) والذي يضم جميع المنظمات الزرادشتية في كوردستان. ويجمع كل من يحمل الفكر والفلسفة الزرادشتية في كوردستان.
نأمل ان يكون هذا الاتحاد نوراً يضيء الطريق ويفتح الافاق امام الامة الكوردية جمعاء.
وان هذا الاتحاد يعمل من اجل تنمية الفلسفة الزرادشتية، واعادة الانسجام بين الفرد الكوردي والفلسفة الزرادشتية ، والتي تتجسد في التعايش السلمي بين جميع الطوائف في المجتمع بود ووئام وحرية الفرد ورح التسامح في المجتمع.
تحية اجلال للارادة القوية من اجل التعاون والتنسيق للعمل الجماعي بين صفوف الزرادشتية في كوردستان.
منظمة مري منظمة ياسنا
للفلسفة الزرادشتية لتنمية فلسفة الزرادشتية
11/1/ 2020 11/1/ 2020
مدينة السليمانية
ومع تزايد الحديث عن إعادة إحياء الديانة الزرادشتية إلا إن أتباعها يتحفظون على الاحتكاك مع المعتقدات الشائعة كما يتحفظون عن إظهار أية مشاعر سلبية أزاء الديانة الإسلامية وقد يكون هذا سبباً في عدم تعرض اتباع الزرادشتية لرد فعل عنيف من قبل القوى الإسلامية ورجال الدين. ويرى كنعان نجم الدين المعروف (بالحاج كاروان) عضو برلمان كردستان عن كتلة الاتحاد الإسلامي إن اعتناق الديانة الزرادشتية لم يصبح ظاهرة وإن من يقومون بذلك أعداهم قليلة ويضيف “الناس أحرار في اختيار ديانتهم لأن الإسلام يدعو بوضوح إلى عدم الإكراه على المعتقدات”. ويؤكد “لست مع ما يُقال حول الزرادشتية بأنها الديانة الأساسية للأكراد ولا توجد ديانة تخص قومية معينة إذ ظهرت الزرادشتية أساساً في الهند وباكستان، فلو كانت ديانة كردية لما وصل زرادشت إلى تلك المناطق”.
من ناحيته، استغرب الأستاذ الجامعي (محمد فياض) ظهور هذه الديانة مجددًا، مع وجود الدين الاسلامي الذي هو آخر الاديان السماوية، وقال:” الزرادشتية هي المجوسية التي هي الديانة الايرانية القديمة، لكن لماذا الآن ومن وراء الاعلان عن تأسيسها في وقت تستبيح عصابات داعش الوطن، والمنطقة تغلي بأحداث جسام”، واضاف :”اعرف أن وراء أي جديد يطرأ وسط الاحداث غير المعقولة ثمة أجندات مختلفة الاغراض، لكنني اتصورها مجرد خلايا نائمة”.واتهم فياض إيران بالوقوف وراء ظهور هذه الديانة، وقال:” اعتقد أن المشروع اوسع واعمق لأن الذي حرك هذا الواقع مؤسسة صار لها اكثر من قرن من مؤسسات مختلفة تعمل على سلب الحقوق وتضييع القوانين، وتعمل على القتل حتى تسلب هذه الثروات وتهدد المجتمع الانساني”.
ومن جانبه، اكد الموظف في وزارة الثقافة العراقية (محمد حسن شامي)، أن ظهور هذه الديانة بشكل علني يأتي ضمن محاولات الكرد انتزاع انفسهم من الواقع. وقال: “يحاول الاخوة الاكراد منذ وقت طويل انتزاع انفسهم من الوضع الراهن كجزء من العراق والعودة الی جذورهم القومية (الاريون القوميون الاكراد او الكورد)، كما قرروا تسمية انفسهم بعد 2013م شأنهم شأن القوميين الفرس”. وأستطرد قائلاً: “هؤلاء يقوم خطابهم علی أن الاسلام ظلمهم، ودمر هويتهم، لذا فإن احياء الديانة الزرادشتية تمثل عندهم نوعاً من الوعي بالذات والعودة اليها، والزرادشتية كما نعرف في اتساع واضح في إيران كردة فعل لحكم الملالي، اما في كردستان فهي كما قلت احياء للكيان التاريخي الكردي”.
وبعد حوادث سبتمبر/ ايلول عام2001م، ظهرت لأول مرة بعض البؤرالزرادشتية الكردية الجديدة بافتتاح معبد لهم في العاصمة السويدية استوكهولم في 21/3/2012م، وكذلك في بريطانيا، من خلال تشكيل بعض المنظمات، ومحاولة فتح فروعٍ لها في كردستان العراق. ولم تسنح لهم هذه الفرصة إلا بعد ظهور تنظيم داعش الارهابي في عام2014م، وهجومه اللامبررعلى كردستان وبالاخص على اليزيدية في سنجار؛ ربما عجل بظهورهم، ولو أن توقيته تأخر لتأخر ظهورهم(= الزرادشتيون الجدد)، أي بعبارة أخرى هناك علاقة طردية بين طرفي المعادلة:
أحداث سبتمبرعام2001م = ظهور بعض البؤر للزرادشتية الكردية في أوروبا عام2006م.
ظهور داعش عام2014م = ظهورالزرادشتية الجديدة في كردستان العراق في 2015م.
مما تقدم يبدو أن الملاحظات والتعليقات والتواريخ والمواقع الخاصة بولادة زرداشت، ونشر معتقده التي يشير إليها الزرادشتيون الجدد في كردستان!، أو تصريحاتهم التي يشوبها التناقض في بعض الاحايين بين مسؤولٍ وآخر؛ تنم عن عدم معرفة بالزرادشتية المعروفة للعالم كإحدى الديانات الشرقية القديمة، وتتناقض الى حدٍ كبير معها، أو إنهم يحاولون القفز على هذه النصوص التي لا تخدم أهدافهم وخططهم التي يسيرون عليها!؟ لأنهم فقط يحاولون الاستفادة من الزرادشتية كإحدى الاديان الآرية – الإيرانية في مقابل الاسلام (=إحياء قومي) الذي يكلفهم بعقائده وشعائره التي تتصادم بقوة مع أهوائهم النفسية وغرائزهم الطبيعية!.
ويظهر من خلال تصريحاتهم المتكررة والمتناقضة مع الاعلام ووكالات الانباء، أنه لم تسنح لهم الفرصة الكافية للاطلاع على تاريخ الزرادشتية وعقائدها من المصادر الموثوقة، لأن توقيت ظهورهم ربما لم يكن في أوانه؟!.
واستنادا الى الدراسات الميدانية ظهر بأن من بين الذين اعتنقوا العقيدة الزرادشتية في كردستان العراق كان في الاصل يسارياً، أو عضواً في التنظيمات الماركسية والشيوعية في اقليم كردستان، او كان عضواً ضمن التيارات العلمانية والليبرالية البعيدة عن الالتزام الديني، فأحدهم يحتل منصباً دينياً عالياً في الزرادشتية الجديدة، كان في الأصل مديراً لاحدى إذاعات الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية، وشارك كممثل في المساسل المعروف (كه رده لول) أي الإعصار، الذي كان يتطرق الى الانتهاكات والمجازر التي الحق بها النظام العراقي السابق بالكرد فيما يسمى بعمليات (الانفال)!، ويبدو أنه بتجسيده لهذا الدور، كان له الاثر الكبير في تركه الاسلام واعتناق الزرادشتية الجديدة.
ويعتقد بعض الباحثين، ان من بين معتنقي الزرادشتية الجديدة هناك من يحاول الاستفادة من استخدام كلمة الدين وتوظيف المفاهيم الدينية واستغلال الاسم والمسمى لاغراض شخصية، وبامكانهم كسب مصالح متنوعة من خلال استخدام كلمة الدين والعقيدة.
كما أن الزرادشتيون الجدد يرفضون القول بانهم يتلقون المساندة من الحزبين الحاكمين في كردستان العراق، ولكن يبدو أن هناك أشخاصاً من ذوي النفوذ في الاتحاد الوطني الكردستاني يدعمونهم بقوة، لاسباب عديدة قد تكون فكرية، أو تكون ضمن مجريات الصراع الذي كان يجري بين الاجنحة المختلفة في الحزب المار الذكر كما هو معلوم.
ومن جانب آخر سمعت من أحد قياديي الزرادشتيين الجدد قبل عدة أيام في برنامج في أحد مواقع السوشيال ميديا، أنهم يحاولون ربط دينهم بالميثرائية، ومرة يربطونها باليزيدية التي يعدونها كحركة اصلاح في الزرادشتية، أو بالكاكائية (= العلي إلهية – أهل الحق – اليارسانية)، ومرة بالايزاتية التي يعدونها أقدم من السومرية، وهو مصطلح حديث ظهر فقط بين بعض المثقفين الكرد في الآونة الاخيرة؛ تنم عن جهل بحقائق ومنهج البحث العلمي في معرفة تاريخ الاديان، وعلم اجتماع الاديان، من مصادرها المعتبرة. علماً بأن الايزيدية هي ديانة مستقلة ليست لها أية علاقة بالزرادشتية.
ولكن على ما يبدو انكمشت هذه النشاطات الزرادشتية في الآونة الاخيرة، وظهر جلياً للمجتمع الكردي بان هناك افراد من معتنقي الزرادشتية الجديدة لهم مصالح شخصية في اطار هذه الحركة، وهذ ما أدى الى حدوث فساد مالي في منظمة السليمانية، على حد تعبير (إديث سزانتو) المحاضرة في الجامعة الامريكية في السليمانية سابقاً، وحالياً محاضرة في جامعة آباما في الولايات المتحدة الامريكية.