حملات اعتقال وتسجيلات مسربة تُعيد الاحتجاجات إلى الناصرية

349

شهدت محافظة ذي قار مطلع الأسبوع الحالي تغيرا في موقف الاحتجاجات، حيث انقسمت القوات التي تؤمّن المتظاهرين في الناصرية، الى معسكرين؛ الاول يضم الجيش الذي قرر الوقوف مع المحتجين، والثاني يضم قوات المهمات الخاصة وهي قوة تابعة الى الاستخبارات الاتحادية ومعها قوات مكافحة الشغب. وبحسب مراسل (المدى) في المدينة،

فان الجيش وقف الى جانب المحتجين وفتح النار على قوات المهمات الخاصة واسقط منهم قتيلا واحدا و42 جريحا، بالمقابل اصيب 7 متظاهرين بكدمات بسيطة.

وعبّر متظاهرون عن غضبهم، جراء “الاعتقالات التعسفية والتعذيب”، التي يواجهونها طيلة الأسبوع الماضي، معلنين عن قطع اغلب شوارع المدنية.

وكان عضو مفوضية حقوق الانسان علي البياتي قد علق على الاحداث بالقول إن القوات الامنية مستمرة باعتقال المتظاهرين والناشطين في محافظة ذي قار، مبيناً ان حالات الاعتقال وصلت حسب مصادر إلى 72 شخصاً. ودعا عضو المفوضية كافة الاطراف الى التهدئة وضبط النفس وتغليب لغة الحوار بدلاً من لغة العنف والعمل معا للحفاظ على امن المحافظة وحقوق ابنائها.

الى ذلك، رفع وجهاء وشيوخ عشائر في مدينة الناصرية، أمس الاثنين، دعوى قضائية ضد مستشار رئيس الوزراء، كاظم السهلاني بتهمة “التحريض على العنف” و”حرق مبنى المحافظة”.

وقال مركز الخبر الوطني، وهو منصة إعلامية، ان “عددا من وجهاء وشيوخ عشائر الناصرية قاموا برفع دعوى قضائية ضد المستشار كاظم السهلاني”، مبينا ان “تسجيلات مسربة اثبتت ان السهلاني يحرض على ضرب مسؤولين في الحكومة ورجال دين في تظاهرات الناصرية”.

واضاف ان “مراقبين حملوا، كاظم السهلاني، مستشار رئيس الحكومة، مسؤولية العنف في تظاهرات الناصرية، ويؤكدون ان جماعة السهلاني يحرضون على العنف في الناصرية”، مشيرين الى ان “وجود السهلاني في الحكومة يمثل خطرا على امن محافظات الوسط والجنوب وخصوصا البصرة والناصرية”.

بدوره، يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد، السفير السابق في الخارجية العراقية، الدكتور قيس النوري، إن “عودة الاحتجاجات في مدينة الناصرية تأكيد على استمرارية رفض الشارع العراقي لسياسات حكومة المنطقة الخضراء، وتأكيد على أصالة وعمق الحراك الشعبي وفشل السياسات والإجراءات الترقيعية لاحتواء الغضب ورفض الشارع لها”.

وأضاف لـ(سبوتنيك): “ما يجري في العراق يجسد بوضوح أن الشعب لن يقبل بغير التغيير الشامل لمنظومة الحكم التي أوصلت البلاد إلى ما هي فيه من سوء إدارة ومحاصصة طائفية مرفوضة، وسرقة المال العام ومنهج الإفقار الذي يعاني منه المجتمع العراقي”.

وتابع النوري: لذلك فإن حراك مدينة الناصرية إنما هو تعبير عن موقف شعبي يمثل كل مدن العراق، وهو مرشح لأن يعيد للحراك في بغداد وباقي المدن العراقية الأخرى زخمه السابق، الذي واجه عنف السلطة التي لم تتورع عن استخدام الرصاص الحي في محاولة احتوائه، وأسفر عن سقوط مئات الشهداء وآلاف الجرحى.

وأكد أن الناصرية اليوم تعبر برمزية عالية عن ثورة شعبية سلمية فريدة تتحدى ببطولة نادرة قمع سلطة دموية، هذه الثورة بهذا الإصرار النادر وبرغم التضحيات الجسمية لا بد لها من الانتصار على القوى الظلامية الفاسدة.

من جانبه، قال الخبير الأمني والستراتيجي العراقي اللواء مؤيد الجحيشي: ما حدث في مدينة الناصرية هو علامة على أن الفكر الشبابي في البلاد قد انفصل عن الفكر الولائي أو المذهبي في الجنوب، كما أن احتلال تنظيم داعش الإرهابي للمحافظات الغربية انفك فكره عن موضوع الأسلمة والجهاد وقتال الشيعة والروافض، هذا الشباب الذي يمثل جيل التواصل الاجتماعي بعيدا عن الفكر الظلامي، حيث استطاع هذا الجيل تثقيف نفسه والإبحار في لحظة حول العالم لمعرفة ما يريد.

وأضاف: “هذا الشباب وفقا لما رأيته من فكر يبتعد كثيرا عن الموروثات الفكرية التي لا تتقبل الفكر الآخر، هم أحرار يريدون وطن ديمقراطي حر تسود فيه المواطنة لا تهمهم الملة أو المذهب، لذا فإن هؤلاء وهم المحركون لمعظم الاحتجاجات لا يمكن لأحد أن يسيطر عليهم باتجاه أو ولاء واحد، إذا سألت أحد هؤلاء الشباب فسوف يخبرك بأنه لا علاقة له لا بالشيعة ولا السنة ولا بإيران”.

وأشار الخبير الأمني إلى أن معظم السياسيين الكبار من البعثيين والشيوعيين والقوميين العرب كانوا من الناصرية، تلك المدينة التابعة لمحافظة ذي قار ذات الدلالة من حيث الاسم ولم يتحرش بها أي من الأنظمة السابقة، فهى مجتمع قومي عروبي وله خصوصية ثقافية وعشائرية متنوعة.

وأوضح الجحيشي أن ما حدث اليوم في الناصرية يمكن أن يمثل انطلاقة جديدة للاحتجاجات في البلاد بعد أن سيطر شبابها على المدينة وساندتها الحلة والنجف وواسط والبصرة.

ولفت إلى أن الشعب العراقي اليوم ليست لديه أي قابلية إلى التوجه لأي استحقاق سياسي بما فيه الانتخابات المزمع عقدها منتصف العام الجاري، حيث أصبح لدى الكثيرين قناعة بأنه لا فائدة من أي عملية سياسية هدفها تغيير الوجوه دون السياسات، يريدون تغييرا جذريا، ومعظم الشباب من عمر 18-30 جميعهم على رأي واحد.

وتشهد المحافظة منذ 4 ايام احتجاجات واسعة، للتنديد باعتقال السلطات المحلية الناشط في الاحتجاجات الشعبية إحسان أبو كوثر، وملاحقة آخرين.

وأعلنت وزارة الصحة والبيئة، السبت، إرسال جرحى التظاهرات من الحالات المعقدة للعلاج خارج العراق. والشهر الماضي، أبرم اتفاق بين الحكومة العراقية والمتظاهرين في المحافظة بشأن إنهاء الاحتجاجات، مقابل عدم ملاحقة المتظاهرين غير المتورطين بأعمال عنف، والتعاون مع القضاء لإطلاق سراح المعتقلين، والسماح بعودة الاعتصامات وقتما شاء المتظاهرون.

وانطلقت شرارة الاحتجاجات في الأول من تشرين الأول 2019 بشكل عفوي، ورفعت مطالب تنتقد البطالة وضعف الخدمات العامة والفساد المستشري والطبقة السياسية التي يرى المتظاهرون أنها موالية لإيران أو الولايات المتحدة أكثر من موالاتها للشعب العراقي.

المصدر