حلمهم تصحيح مسار السلطة.. سلسلة اغتيالات لاحقت شخصيات في بغداد والجنوب

688

سمعت الإعلامية نور العرادي، بخبر اغتيال صديقتها مدربة اللياقة البدنية، رهام يعقوب، من خلال مجموعة إخبارية على واتساب، وصدمت بهذا الخبر مثلها مثل كثير من العراقيين.

لم تتوقع خبرا كهذا، فرهام كانت قد قررت التوقف عن المشاركة في المظاهرات منذ أن تلقت تهديدات عام 2018، وتفرغت تماما لدراستها الأكاديمية وعملها وتخصصها في الرياضة، كما تقول نور لبي بي سي. “نصحها كثيرون أن تترك البصرة.. لكنها كانت تقول: أنا بنت البصرة أعيش وأموت فيها”.

اغتيلت رهام يعقوب يوم 19 آب، بعمر الثلاثين، برصاص مسلح ملثم أطلق النار عليها من على دراجة نارية، عندما كانت داخل سيارتها في مدينة البصرة.

وجاء اغتيالها بعد أيام من قتل ابن مدينتها، الناشط المدني تحسين أسامة الشحماني، الذي اغتيل يوم 14 آب.

وعلى صفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، تعرّف رهام عن نفسها بأنها طالبة دكتوراه في كلية التربية البدنية وعلوم الرياضة، ومحاضرة في جامعة البصرة، صاحبة نادي رياضي، ومختصة بتدريب اللياقة، وباحثة في علم التغذية، ومعدة ومقدمة برنامج على راديو الرشيد FM.

وكانت قد بدأت مؤخرا دروس تدريب رياضة عبر الإنترنت، محققة واحدا من أحلامها، كما كتبت.

وتعرفت نور على رهام عام 2016، وكانت نور قد تخرجت من كلية الإعلام في البصرة، في حين كانت رهام تدرس الماجستير. استضافتها مرة في أحد برامجها، ثم توطدت صداقتهما بسبب ارتياد نور للنادي الرياضي الذي كانت تعمل فيه رهام.

تقول نور: “كانت رهام عنصرا مهما في مجتمعنا. هي امرأة تحتسب لنساء البصرة.. كانت مميزة، وصاحبة اختصاص، كان ناديها أشبه بالتجمع النسوي؛ فبعد كل تمرين كانت تشجع الفتيات والنساء على الدراسة، والاهتمام بالشكل والجمال. وكانت تقول من الطبيعي أن تكون المرأة عاملة ومتعلمة وأم.. ليس الهدف فقط الزواج من رجل يصرف علينا”.

وتقول إنها كانت “ملتزمة” وحريصة على سمعة النادي الذي تمكنت مؤخرا من تأسيسه، لذا ركبت كاميرات مراقبة كي تتشجع النساء على الاستمرار بارتياد النادي، وكانت أسعارها بسيطة لتشجع نساء أكثر على لعب الرياضة.

تضيف نور: “حتى بعد ابتعادها عن المظاهرات، بقيت اسما بارزا لأنها نشيطة، ومؤثرة.. زرعت في عقول الفتيات أن المرأة عنصر مهم في المجتمع.. وطبعا ينتقل هذا التفكير للبيوت. الوعي، وعي المرأة هو ما أخافهم من رهام”.

في مقابلة أجرتها قبل شهرين مع “منصة فيض الإعلامية”، تقول رهام إنها بدأت العمل كمدربة لياقة بدنية عام 2013، وفي العام ذاته عملت مع مجلس محافظة البصرة. وتقول إنها كانت تهدف لتغيير العادات السلوكية الخاطئة في مجال التغذية والصحة، ودفع النساء لممارسة الرياضة والحركة.

وتتذكر كيف حثّت النساء على المشي الحر في شوارع المدينة عام 2015، وعلى عدم الخوف من المجهول ومن ردة فعل المجتمع بسبب محاولتهن ممارسة رياضة المشي.

ترى نور أن أكثر ما أثر على رهام هو أنها شجعت النساء على التظاهر قبل سنوات في مدينة البصرة، التي يغلب عليها الطابع العشائري، فصار ينظر إليها على أنها ضد العادات والتقاليد، وفقا لنور. “هذا التفكير لم يكن موجودا قبل الغزو عام 2003 .. البصرة كانت مدينة جميلة”.

وتداول مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي فيديوهات قديمة تظهر فيها رهام تقود مظاهرات في البصرة وتهتف وسط الحشود.

وفي أحد الفيديوهات التي يقال إنها تعود لعام 2018، تظهر وهي تطالب بحقوق أهل البصرة الأساسية في الكهرباء وماء الشرب النظيف. “لو نحنا شباب ونسوان البصرة ما وقفنا لنفسنا والله نروح بالحضيض.. يقولون مشاغبين؟ تعمدت أسوي بث مباشر لأظهر أن المتظاهرين ما دمروا شي.. نحنا طلعنا باحترام”.

وبعد اغتيال رهام، تداول عراقيون تقريرا قديما لوكالة مهر الإيرانية يعود تاريخه لأيلول 2018، تظهر فيه صور عدة ناشطين عراقيين، من بينهم رهام، إلى جانب صورة القنصل الأمريكي، مع عنوان: “دور القنصلية الأمريكية في البصرة في تحريك الشارع العراقي”.

اليوم، تخشى نور على عائلة رهام من الناس “الذين غالبا ما يلومون العائلة وينسون حالة العزاء. يحاسبون الأهل لأنهم سمحوا لابنتهم أن تعيش حياة طبيعية.. تقود سيارة اشترتها بالتقسيط، وتفتتح ناديا رياضيا لم تهنأ به بعد، وتشارك في مظاهرات بسبب انعدام فرص العمل للشباب والشابات في مدينتها”.

مع بداية الاحتجاجات في مختلف أنحاء العراق، مطلع شهر تشرين الأول 2019، بدأت سلسلة اغتيالات لشخصيات حاولت تصحيح مسار السلطة؛ إذ اغتيل الناشطان حسين عادل المدني وزوجته سارة في بيتهما في البصرة.

ودائما ما يخشى من المظاهرات في البصرة، لما للمدينة من خصوصية بسبب محاذاتها لإيران، ولأنها المنفذ المائي الأول في العراق، ولأنها تحوي أكبر الحقول النفطية.

وتلا عملية اغتيال الزوجين تلك عمليات قتل وطعن واختطاف للمتظاهرين من قبل رجال مجهولين.

يوم 5 كانون الأول الماضي اختطف المصور الصحفي زيد الخفاجي، ثم أعلن عن عودته، في حين فقد أثر زهراء علي، 19 عاما، ثم عثر على جثتها. ويوم 7 كانون الأول، قتل المصور أحمد مهنا في ساحة التحرير.

كما قيل أن بعض العراقيين نجا من الاغتيال مثل إيهاب جواد الوزني، والناشط الطبيب مهند الكعبي، في حين قتل فاهم الطائي يوم 8 كانون الأول. وبعدها بأيام اغتيل الناشط علي اللامي (49 عاما).

ومؤخرا عادت حوادث الاغتيالات، إذ فجع العراقيون بخبر اغتال الخبير في شؤون الأمن والجماعات المسلحة، هشام الهاشمي، أمام منزله في حي زيونة ببغداد يوم 6 تموز 2020.

وعلى خلفية الاغتيالات الأخيرة الأسبوع الماضي ومحاولات الاغتيال، أقال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، قائد شرطة البصرة وعددا من القيادات الأمنية. وجرت العادة على ألا تفضي مثل هكذا عمليات اغتيال إلى تسمية مرتكبي الجرائم أو محاسبتهم.

المصدر