انسحاب منظم للقوات الامريكية وتأثير حلفاء ايران ومواليها بالعراق في الحوار الامريكي

552

د.كرار حيدر الموسوي

منذ تكليفه برئاسة الحكومة العراقية في 9 أبريل/ نيسان الماضي، أبدت الولايات المتحدة، أكثر من مرة، استعدادها للعمل مع رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي، ومساعدة بغداد في الحرب ضد تنظيم “داعش” الإرهابي، وتقديم مساعدات لتجنب انهيار اقتصادي، جراء جائحة كورونا وتراجع أسعار النفط، الذي يشكل أكثر من 92 بالمئة من إيرادات خزينتها.

بعد أسابيع من نيل حكومة رئيس الوزراء “التوافقي” الكاظمي ثقة مجلس النواب، في 7 مايو/ أيار الماضي، عُقدت عبر تقنية الاتصال المرئي، في 11 يونيو/ حزيران الجاري، جولة مناقشات في إطار الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق.

هذه الجولة عُقدت في أجواء من التوترات الأمريكية ـ الإيرانية، بعد اغتيال قائد “فيلق القدس” الإيراني قاسم سليماني، في غارة أمريكية قرب مطار بغداد الدولي مطلع هذا العام، ومواصلة القوات الحليفة لإيران هجماتها على المنشآت والقوات الأمريكية، وأحدثها هجوم صاروخي على محيط السفارة الأمريكية بالمنطقة الخضراء في بغداد، قبل يوم واحد من جولات الحوار.

وناقشت جلسات الحوار الاستراتيجي بين وفدي الولايات المتحدة والعراق علاقات الصداقة والتعاون القائمة بين البلدين بموجب اتفاق “الإطار الاستراتيجي” المبرم عام 2008.

اشتملت المناقشات على شؤون الأمن ومكافحة الإرهاب والاقتصاد وقضايا سياسية وقضايا أخرى لتأكيد استمرار علاقات البلدين وفق المبادئ المتفق عليها في اتفاق “الإطار الاستراتيجي”، وإعادة تأكيد الولايات المتحدة احترامها لسيادة العراق وسلامة أراضيه والقرارات ذات الصلة من السلطتين التشريعية والتنفيذية بالعراق.

وجاءت تلك المناقشات في أجواء تشكيل حكومة الكاظمي، والتحديات الاقتصادية التي يواجهها العراق، جراء جائحة كورونا وتراجع أسعار النفط في السوق العالمية، وحاجة بغداد الملحة إلى مساعدات أمريكية لدعم جهود الإصلاح السياسي والاقتصادي والجهود الإنسانية، والعمل على استعادة الاستقرار وإعادة إعمار ما خربته الحرب على “داعش”، ومسائل أخرى.

وركزت جلسات الحوار الاستراتيجي على إلزام الحكومة العراقية بحماية قوات التحالف الدولي لمحاربة “داعش”، بقيادة الولايات المتحدة، والمنشآت العسكرية التي تستضيفها.

وأفصحت تصريحات لمسؤولين أمريكيين وعراقيين، عن أولويات الحوار الاستراتيجي، وهي التعاون الأمني المشترك في تبادل المعلومات، والحرب على الإرهاب، وتبديد المخاوف الأمريكية من استمرار تهديدات القوات الحليفة لإيران في العراق.

ومن أولويات الحوار أيضا، الأزمة الاقتصادية التي يعانيها العراق، والدفع باتجاه الخروج الآمن من تداعياتها، وتعزيز قدرات قطاع الطاقة للاستغناء عن إمدادات الكهرباء والغاز من إيران، التي تخضع لعقوبات أمريكية.

وتباينت مواقف الكتل السياسية العراقية الممثلة للمكون الشيعي بين تيارين، أحدهما معارض لأي محادثات لا تفضي إلى انسحاب كامل للقوات الأمريكية من العراق.

وتمثل هذا التيار كتلة “الفتح” برئاسة هادي العامري، الحليف الأوثق لإيران، و”ائتلاف سائرون” برئاسة مقتدى الصدر، إضافة إلى “ائتلاف دولة القانون” برئاسة نوري المالكي، رئيس الوزراء الأسبق (2006 ـ 2014)، الذي وقع اتفاق “الإطار الاستراتيجي” مع واشنطن، وهو الأساس المعتمد في الجولات الراهنة من الحوار الاستراتيجي.

أما التيار الثاني فهو ممثل بـ”ائتلاف النصر” برئاسة حيدر العبادي، رئيس الوزراء الأسبق (2014 ـ 2018)، و”تيار الحكمة” برئاسة عمار الحكيم، وقوى شيعية أخرى، وهي ترى ضرورة إجراء مثل هذه الحوارات المباشرة مع واشنطن، وتشجيع الكاظمي على الانفتاح بشكل أوسع على تطوير علاقات العراق مع الولايات المتحدة.

ورغم عدم المشاركة، بشكل يعكس “المحاصصة السياسية” لممثلين عن الكتل السُنّية والكردية في جلسات الحوار الاستراتيجي، فإن موقف العرب السُنة والأكراد واضح وصريح في تأييدهم لإقامة علاقات مع الولايات المتحدة وتطويرها.

من المهم الإشارة إلى أن موقف المرجع الشيعي المُعتبر لدى جميع الشيعة في العراق علي السيستاني، ظل معترضا على إخراج القوات الأمريكية في المرحلة التي تسبق إجراء الانتخابات التشريعية “المبكرة”، وتشكيل حكومة بديلة عن حكومة الكاظمي “الانتقالية“.

وأعلن الكاظمي، في 11 يونيو الجاري، أن الحوار الاستراتيجي مع الولايات المتحدة لا يتعارض مع إرادة السيستاني، ولا مجلس النواب، ولا احتياجات العراق الراهنة.

ولا تبدي القوات الحليفة لإيران أي اعتراضات بشأن الحوار مع الولايات المتحدة إذا التزم الوفد العراقي المفاوض بتضمين المباحثات جدولا زمنيا لانسحاب جميع القوات الأجنبية من العراق، في تراجع صريح عن موقفها السابق بالانسحاب الفوري.

من المؤكد أن القوى السياسية الشيعية الحليفة لإيران معنية أكثر من غيرها بإخراج كامل القوات الأجنبية من العراق، والأمريكية تحديدا، باعتبارها تشكل انتهاكا للسيادة العراقية، كما أنها “قد” تشكل تهديدا جديا لإيران ونفوذها في العراق والمنطقة.

وفي جلسات الحوار الاستراتيجي الأخيرة، دفعت تلك القوى باتجاه تشجيع الوفد العراقي على مناقشة جدولة الانسحاب الأمريكي من العراق، بناءً على قرار مجلس النواب، الذي طالب حكومة رئيس الوزراء، حينها، عادل عبد المهدي، بعقد حوارات مع الإدارة الأمريكية لوضع ترتيبات لانسحاب القوات الأمريكية وجميع القوات الأجنبية، وفق جدول زمني يتفق عليه الطرفان.

ووفقا لبيان أمريكي ـ عراقي مشترك، فإن جلسات النقاش تمخضت عن اتفاق بين وفدي البلدين على مواصلة الولايات المتحدة التخفيض الجزئي لعدد قواتها في العراق، خلال الأشهر القادمة، وتركيز جهود القوات المتبقية على ما يتعلق بالمصالح الأمنية المشتركة.

وذلك مع الإقرار بعدم رغبة واشنطن بالحصول على قواعد دائمة أو وجود عسكري دائم في العراق، انسجاما مع اتفاق 2008، الذي ينص على التعاون الأمني، بما يخدم حاجة كل من البلدين، مع ضرورة التزام الحكومة العراقية بحماية العسكريين التابعين للتحالف الدولي والمنشآت العسكرية، التي يشغلونها، على أن تناقش مجمل القضايا بشكل معمّق في واشنطن، خلال يوليو/ تموز القادم.

وتواصل المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران شنّ هجمات صاروخية على مرافق عسكرية أمريكية، أحدثها إطلاق صواريخ على قاعدة التاجي شمال بغداد، أثناء عقد جلسات الحوار الاستراتيجي.

ومنذ اندلاع الحركة الاحتجاجية في 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، وبهدف إرغامها على الانسحاب الكلي من العراق، تعرضت قوات التحالف الدولي وقواعد ومعسكرات وشركات أمريكية لأكثر من 40 هجوما.

وأسفرت هذه الهجمات عن مقتل موظف أمريكي وجندي بريطاني، من دون أن تتخذ الحكومة العراقية أي إجراءات ضد تلك المجموعات المهاجمة، سواء في عهد رئيس الوزراء المستقيل عادل عبد المهدي (2018 ـ 2019) أو الحالي الكاظمي، الذي وعد بتشكيل لجنة تحقيق.

وتشدد واشنطن على أن ما يتعلق بمستقبل فصائل الحشد الشعبي والمجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران هو شأن عراقي داخلي، وأنها لا تنوي تحويل العراق إلى ساحة حرب مباشرة أو بالوكالة لتصفية حساباتها مع إيران.

كما تشدد واشنطن على تشجيع حكومة الكاظمي، لإعادة هيكلة فصائل الحشد الشعبي وضمّها إلى المؤسسة الأمنية، باعتبارها أجنحة عسكرية لتيارات وكتل سياسية حليفة لإيران.

ومن المحتمل أن تعمل الولايات المتحدة مع الحكومة العراقية على تعزيز قدرات القوات الأمنية في وزارتي الدفاع والداخلية، بما يجعلها القوة الأمنية الرئيسية، بهدف إضعاف نفوذ فصائل الحشد الشعبي والقوات الأخرى الحليفة لإيران، مع حقيقة عدم قدرة حكومة الكاظمي على تفكيكها، باعتبارها قوة موازية للقوات الأمنية تمثل قوة الأمر الواقع.

مع انتهاء الجولة الأولى من الحوار الاستراتيجي، بدا واضحا أن الولايات المتحدة والعراق تجاوزا انعكاسات ما يتعلق بالخلافات الأمريكية ـ الإيرانية والتوترات في المنطقة على العلاقات بينهما، بالتركيز على القضايا الثنائية.

وهذا ما تسعى إليه واشنطن، التي تطمح إلى أن تركز الحكومة العراقية على الإصلاحات الاقتصادية والسياسية ومحاربة الفساد، الذي يقود بالنتيجة إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي بالحد من النفوذ الإيراني في العراق، وتقويض قدرات القوات الحليفة لطهران و”داعش” على تهديد الأمن والاستقرار.

وتدرك الحكومة العراقية والقادة العسكريون العراقيون، حاجة البلاد إلى بقاء ما يكفي من القوات الأمريكية لفترة زمنية محددة في قاعدتي أربيل وعين الأسد، لضمان منع التهديدات المحتملة من “داعش”، أو السماح له بإعادة بناء قدراته القتالية.

وكذلك لمنع القوات الحليفة لطهران من زيادة النفوذ الإيراني في المنطقة، انطلاقا من العراق، وضرورة وقوف بغداد على الحياد في التوترات بين واشنطن وطهران، وعدم السماح بتحويل الأراضي العراقية إلى ساحة صراع بينهما، يكون العراق هو الخاسر فيها.

المصدر