الوعي والادراك ومعان التشابه

459

الوعي يعني الانتباه واليقظة ويكون على بينة بالاسباب والنتائج ، و تصور الشيء وإدراكه ومعرفته والإحاطة به بعد حدوثة وكلمة تعبر عن حالة عقلية يكون فيها العقل بحالة إدراك وعلى تواصل مباشر مع محيطه الخارجي عن طريق منافذ الوعي عند الانسان نفسه ،والوعي كذلك محصلة الأفكار والمعلومات التي تدور في رأس الإنسان وفي عقله والتي تتأثر بها قراراته، فالأيدولوجيات مثلاً نشأت عن وعي معين والتحقق العملي للوعي، هو في احترام الآخر، وتقدير الكبير، والحفاظ على نظافة المدينة، وحب الوطن، وعدم الاعتداء، ومن رمي أعقاب السجائر في شوارع المدن، إلى قتل المختلف، مروراً بضرب احد افراد العائلة وغالباً ما تكون الزوجة والموقف العنصري، كل هذه الأنماط من السلوك وغيرها ليست سوى التعبير العملي لأشكال الوعي الفردي والجماعي.

لكلمة الوعي دلالات ومعان واستخدامات لغوية وشرعية واصطلاحية متعددة؛ إلا أنها بشكل عام تفيد بأن الوعي في مستواه الفردي إنما يعني : حالة نسبية من الرشد واليقظة الذهنية والكياسة ، تجمع بين وظائف كل من العقل والشعور الظاهر والقلب والوجدان والجوارح ويتشكل دون توقف، بمراحل معينة في التاريخ فإن الوعي المعاصر للإنسان الحالي يخضع لشتى أشكال ضخ الوعي من أدوات كثيرة جداً صارت في متناول اليد، عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية. وغيرها والتي لا يمكن التحكم بها والسيطرة عليها ولأن حرية البث على هذه الأدوات متوافرة، فلن نواجه مشكلة ضخ كل أشكال الوعي المتخلف الذي إما أن يستجيب إلى صاحب الوعي المتخلف ليؤكد وعيه ، أو يزيف وعي اخر غير مكتمل وهذا هو وجه الخطورة و الوعي المنحط أخلاقياً، والمتعصب أيديولوجياً، هو شكل من أشكال الغباء العاطفي الذي يتأسس عليه السلوك العنفي. لأن أهم مظهر من مظاهر الغباء العاطفي هو موت الآخر ونفيه، وحدود الوعي البشري مرتبط بعدة جوانب أهمها ربطها بالأحداث التاريخية والتحولات الحضارية التي شهدتها الحضارة البشرية، ففي حين نلاحظ أن بعض المفكرين والفلاسفة ركزوا بشكل كبير على تأثير الجانب الأخلاقي والفني في بناء الوعي بشكل عام، ركز البعض الآخر على الجانب الاقتصادي والاجتماعي و من أجل فهم كيف يتم بناء الوعي وما هي حقيقته، يُنظّر ديكارت إلى فلسفة الشك التي من شأنها أن تعيد الإنسان إلى نقطة الصفر ليعمل قدراته العقلية مجددًا وليستخلص النتيجة الأكثر صحة بما يتناسب مع التغيرات التي ظهرت في عصر ما، بحيث لا تتوقف مرحلة التفكير عند مسلمات يمكن اختبارها والتأكد منها من خلال التطور العلمي الذي تشهده الحضارة البشرية بشكل مستمر، وعن طريق الشك يمكن أن نصل لليقين الذي يساعد الذات على أن تفهم واقعها بشكل أفضل كما يرها .

وإلادراك يتزايد ويتناقص بقدر تفاوت قدرات الناس، وأول أطوار الإدراك التمييز وهو مراتب؛ وفيه يدرك أموراً زائدة على الإحساس، لم تكن حصلت له من قبل، ثم يترقى إلى طور يدرك به الواجب والجائز، والمستحيل والممكن، وأن حكم الشيء حكم مثله، والضدان لا يجتمعان، والنقيضان إذا صدق أحدهما كذب الآخر، ونحو ذلك من أوائل الضروريات.
والادراك هو البصيرة وآلة البصر، والعبد إذا أناب بقلبه إلى ربه؛ أبصر مواقع الآيات عن بصر ونظر ورؤية معانيه، ثم يبصر القلب الحق بقواه الإدراكية، كما في قوله تعالى: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ﴾ [الأنعام: 104]، والرشد وعبار عن تمثل حقيقة الشيء عند المدرِك؛ يشاهد بها ما به يدرك، فهو عبارة عن كمال حاصل في النفس؛ يحدث منه مزيد كشف على ما يحصل في النفس من الشيء المعلوم من جهة التعقل بالبرهان أو الخبر، وهذا الكمال الزائد على ما حصل في النفس بكل واحدة من الحواس هو المسمى إدراكاً ،واستعمال القوَّة العقليَّة التي تَعرف بها النَّفسُ الأشياءَ وتميِّزها، وربما لا يرتبط بواقعة معينة وانما ما يمكن ان يحدث بعدها مثلا، وهو اوسع من الفهم واحدى العمليات العقلية التي تتم من خلال اكتساب معين للمنبهات المختلفة التي يتم الانتباه بها بالطرق التالية : بصرياً ، صوتياً ، كيميائياً ، ولمساً ، لما يدور من نقاش و من أحداث، وهطذا تكونت عند مؤسسي الأيدولوجيات المعينة فكرة تمخضت في النهاية عن طرح أيدولوجية قد تكون الى حد ما متكاملة شاملة،

والإدراك والوعي لا ينفصلان البتة، فالوعي هو الإدراك الصحيح لما يدور حول الإنسان من وقائع وأحداث، فكلما كان الإدراك صحيحاً وفي محله قريباً من الواقع كلما كان الإنسان أقرب ما يكون في قراراته إلى الصحة وكلما كان إدراكه منقوصاً تشوبه شوائب وتؤثر عليه المؤثرات المختلفة كلما أدى ذلك في نهاية المطاف غلى أن يكون وعيه أيضاً زائفاً غير مدرك للواقع بعيداً عما يدور حوله، وكأنه يعيش في كوكب آخر وفي عالم افتراضي، هو أنشأه من محض خياله وعاش فيه وحده وسيموت فيه وحده قطعاً. وعبر عن محل الإدراك الكثير، منهم أبو حامد الغزالي “باللطيفة الروحانية و التي لا يعلم بحقيقتها أحد غيره تعالى، وهي جزء من عالم الغيب، دورها تلقي العلوم وحفظها والنظر فيها للاستنباط منها، فإذا تتبعنا آيات القرآن وجدنا أن المحل الذي وصف بالإدراك ونسبت له عمليات إدراكية هو (القلب) “ووفق هذا المعنى فإن القلب في نظر القرآن أداة من أدواة المعرفة، حيث يعتمد على مخاطبة العقل في معظم رسالاته .ويقول الكريم في كتابه ﴿ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا العَالِمُونَ ﴾ [العنكبوت:43]، وأولوا الأبصار نيصيبهم الاعتبار ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ ﴾ [الحشر2:
عبد الخالق الفلاح

المصدر