العوامل التي فجرت انتفاضة الشبيبة والشعب العراقي عام 2019

313

د. كاظم حبيب
العوامل التي فجرت انتفاضة الشبيبة والشعب العراقي عام 2019
تشير جمهرة من الكتاب والسياسيين العراقيين والعراقيات إلى انتفاضة تشرين الأول/أكتوبر 2019 باعتبارها عملاً عفوياً من عناصر وجماعات مستقلة لا علاقة لها بالأحزاب والكتل السياسية القائمة المعارضة لسياسات الحكم القائم، وبعض آخر من الباحثين يرى اللوحة بصورة أخرى، أي أن الانتفاضة تعبر في واقع الحال عن عمل سياسي واجتماعي واقتصادي وأمني واع ٍ لعناصر وجماعات شبابية مستقلة وأخرى عاملة في منظمات مجتمع مدني أو حزبية ذات استقلالية فكرية، عناصر كلها رافضة لسياسات الدولة بسلطاتها الثلاث ذات النهج الطائفي المحاصصي والفاسدة. فقد جاء في مقال للكاتب نبيل صالح قوله:
“بعد حملات على مواقع التواصل الاجتماعي قادها ناشطون مدنيون للتظاهر ضد الظلم المستمر الذي يقاسيه الشعب منذ أكثر من 16 عاما، خرجت في بغداد ومدن الجنوب صباح الثلاثاء، الأول من تشرين الحالي، احتجاجات عفوية مناهضة للنسخة الجديدة من حكومة الفساد والنفاق. عبر فيها المتظاهرون عن رفضهم لواقع الاستمرار بالعيش في فقر مدقع بلا خدمات أساسية وفرص عمل في بلد يصدر ملايين البراميل من النفط الخام شهرياً. ويتباهى قادة الكتل السياسية والإعلام الرسمي – المتواطئ – فيه بتوقيع عقود شراكة واستثمار مع دول وشركات كبرى غير آبهين بديون العراق المتراكمة ولا بالشعب الذين فشلوا كمن سبقوهم في توفير أبسط الخدمات ومقومات العيش له.”.1
والسؤال المشروع والمطلوب الإجابة عنه هو: هل كانت هذه الانتفاضة الباسلة عفوية حقاً، أم أنها جاءت نتيجة تراكمات لمجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، الداخلية منها والخارجية؟
ليس هناك، من حيث الرؤية الفلسفية، أي عمل عفوي دون أن يحمل في طياته شيء من الوعي، إنه الانعكاس والتعبير عن واقع فعلي قائم. ومع ذلك فالانتفاضة التشرينية لم تكن عملاً عفوياً بالفهم الذي يطرحه بعض الكتاب والسياسيين بأي حال والذي يرفض دور وتأثير التراكم الاحتجاجي المدني السابق، بل هي نتاج سنوات عصيبة من النضال الباسل والتضحيات الجسيمة تتوجت بولادة عسيرة ولكنها مظفرة للانتفاضة الشبابية. فمنذ السنوات الأولى لإسقاط الدكتاتورية، وبشكل خاص أعوام 2009 و2010 و2011 و2014/2015 و2018، وأخيراً 2019 واستمرارها في 2020، نشطت في العراق حركات احتجاجية مدنية كثيرة وإضرابات واعتصامات ومطالبات من عدد متزايد من بنات وأبناء الشعب ومن اتجاهات فكرية وسياسية واجتماعية متنوعة بأهداف مهنية وسياسية كثيرة، سواء أكان المشاركون فيها من موظفي دوائر ومؤسسات الدولة، أم من أصحاب المهن وقطاع الدولة الاقتصادي، أم من طلبة المدارس والمعاهد والكليات والجامعات، أم من جمهرة كبيرة من الكتاب والمثقفين وأعضاء في منظمات مجتمع مدني يجمعهم ما حل بالمواطن العراقي والمواطنة العراقية من دوس على كرامته الشخصية وامتهان لحريته وحقوق الأساسية ونقص شديد في الخدمات الأساسية التي يحتاجها ومنها الكهرباء، الذي كان سبباً لكثرة من الاحتجاجات العادلة والمروعة في طول البلاد وعرضها. عبَّر الأستاذ الدكتور فارس نظمي عن هذه الحقيقة في مقال له تحت عنوان “ثورة تشرين والصحة النفسية السياسية في العراق: تعافي المجتمع واعتلال” السلطة” جاء فيه: “يمكن القول بثقة: إن فئات أساسية في المجتمع العراقي ما عاد بإمكانها بعد الحراك الثوري في تشرين الأول 2019 أن تعيش- سيكولوجياً- بالوعي السابق والمسلمات السابقة نفسها. فبدلاً عن “قدسيات” متهالكة، بزغت قدسية الكرامة الفردية الممتزجة بكبرياء الهوية الجامعة. وبدلاً عن “شرعية” الاثنيات السياسية القطيعية برزت شرعية المواطن الفرد والوطن المشترك. ويمكن التوكيد أيضاً أن ما يبرز اليوم في الحياة العامة من أعراضٍ نفسية إيجابية، بات يؤشر لصحوة فريدة في الصحة النفسية السياسية للمحتجين بدرجة أساسية وللمنتظرين في بيوتهم بدرجة أقل.”.2 وبنفس المنحى والوجهة كتبت هيام علي المرهج تقول:
“ولكن التجاهل المستمر لمطالبهم والقسوة المفرطة تجاه طلبة الدراسات العليا والاستهانة بشريحة شبابية كبيرة مهمشة وغاضبة أشعلت الروح الوطنية والإنسانية والغضب المتراكم لتبدأ انتفاضة تشرين من هذه النقطة والتي توجت كل الحركات الاحتجاجية السابقة في عراق ما بعد 2003 عن طريق سلميتها وخطابها الاحتجاجي المختلف الوعي الوطني والتكافل الاجتماعي والمسيرات الطالبية، لتصبح تشرين ايقونة وطنية عراقية نفضت الغبار عن مفهوم العدالة والمساواة والهوية الوطنية وكل هذه المفاهيم التي اندرجت تحت مظلة المفهوم الشامل وهو (الوطن) لتكتسب قدرة واسعة على تحريك الشعب نحو استعادة فكرة الدولة التي افرغت من محتواها خلال السنوات الماضية، لتعيد اليها معانيها الحقيقية القائمة على مبدأ (مجتمع يضم الجميع) ليكون مصدراً بذاته لفكرة الهوية.”3
ولكن في ادعاء العفوية في نهوض شبيبة العراق ذات الوعي المتقدم يضمر شيئاً آخر غير الرؤية الموضوعية لما جرى ويجري في العراق ويهمل حقيقة النضال المديد للحركة الاحتجاجية على سوء حال الجماهير الواسعة والحركة المطلبية التي رافقت السنوات المنصرمة ودور بعض القوى والأحزاب الوطنية والديمقراطية، ومنها قوى التيار الديمقراطي واليسار العراقي. وقد كان الدكتور صالح حسن ياسر واضحاً في طرح عدم براءة هذا الادعاء بعفوية الانتفاضة، إذ كتب في نص موسع له بصواب ما يلي:
“بمقابل ما انجز من جهود على صعيد تجذير الحركة الاحتجاجية واتساع قاعدتها وتعاظم تأثيرها فأنه ومنذ انطلاقتها عاد مجددا، وتحت ذرائع مختلفة، السجال الذي ُ لم يخب يوما عن ”ضرورة“ ابعاد الأحزاب السياسية عن الحركة الاحتجاجية (من دون تمييز ومن دون تحديد ملموس لتلك الأحزاب ومن المقصود منها) .. والهدف واضح: خلط الأوراق، وهذه ”الضرورة“ غير بريئة. فلا يجوز التعميم في ظروف الغليان، لأن ذلك يحمل دلالات عدة ويستوجب التوقف. فإشكالية العفوية/ الوعي في الحركة الاحتجاجية والانتفاضات الشعبية ليست جديدة وليست قضية ثانوية بل تقع في صلب النضال من اجل تطوير وتجذير الحركة الاحتجاجية والحراك المجتمعي عموما، ولا يجوز التقليل من اهميتها تحت اية ذريعة كانت.”.4 لقد قدمت الحركة الاحتجاجية المدنية على امتداد السنوات المنصرمة تضحيات كثيرة ومارست ضغطاً مستمراً على نظام الحكم الطائفي الفاسد وساهمت بفعالية كبيرة في تنضيج وعي نسبة مهمةة من شبيبة العراق من خلال تظاهراتها وتجمعاتها في ساحات العراق، لاسيما بغداد، إضافة على الحركات المستمرة في البصرة والناصرية وبابل وكربلاء والقادسية وميسان وغيرها من محافظات العراق. إن محاولة رمي كل الأحزاب السياسية في سلة واحدة هي إساءة متعمدة وعدم تمييز ضروري بين قوى وأحزاب الإسلام السياسي وبين القوى والأحزاب المدنية والديمقراطية واليسارية، ومنها الحزب الشيوعي العراقي.
ولا بد هنا من الإشارة إلى القوى الديمقراطية العراقية الموجودة ضمن الجاليات العراقية في الشتات العراقي في القيام بعدة مهمات جوهرية ساهمت ولو بجزء بسيط في نشر الوعي والتضامن مع الحركة الاحتجاجية العراقية منذ البدء على امتداد السنوات المنصرمة:
1. تنظيم المظاهرات الاحتجاجية والاعتصامات ونشر البيانات لفضح طبيعة وسياسات وممارسات النظام السياسي الطائفية وفساده الشامل ودوره وميليشياته الطائفية المسلحة
2. إصدار الكراسات والكتب والمقالات بلغات أجنبية أو عربية لفضح النظام والعواقب الوخيمة لاستمرار الطغمة الطائفية الفاسدة في الحكم.
3. تعبئة الرأي العام العراقي في الخارج والرأي العام الدولي والمجتمع الدولي لصالح قضية الشعب وحقوق العادلة والتجاوزات على حقوق الإنسان والكوارث والمآسي التي حلت بالبلاد من جراء وجود وسياسات تلك الطغمة الطائفية الأثنية الظالمة التي تحكم البلاد.
4. اطلاع الرأب العام العالمي والمجتمع الدولي بسلمية وديمقراطية وشرعية وعدالة مطالب الحركات الاحتجاجية، ومن ثم سلمية الانتفاضة الشبابية الجارية كامتداد وتتويج وتصعيد كبير وواعٍ للحركة المدنية الاحتجاجية، في مواجهة العنف المفرط واستخدام الرصاص الحي والمطاطي وخراطيم المياه والهراوات والافتراءات للحكومات المتعاقبة وأجهزتها الأمنية والأحزاب الإسلامية السياسية الحاكمة وميليشياتها الطائفية المسلحة على امتداد الفترة المنصرمة.
5. كما أن التعامل الواعي والمستمر لشبكات التواصل الاجتماعي العديدة بين الجماعات الشبابية في الداخل وبينها وبين الجماعات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني العراقية في الخارج والمدونات والمنصات المتزايدة التي وفرت تبادلاً كثيفاً وسريعاً ومستمراً للمعلومات والأخبار والآراء والفعاليات قد لعبت دورها المميز في التعبئة الشبابية والشعبية من جهة وفي فضح العنف المفرط والقتل العمد لقوى الانتفاضة الشبابية من جانب أجهزة الدولة الأمنية والقمعية والميليشيات الطائفية المسلحة التي تشكل جزءاً أساسياً فاعلا من قوى الدولة العميقة. وكانت على صواب كبير حين أشارت الكاتبة سلام عادل الكيم في مقال لها تحت عنوان “الثورات بين العوامل والأدوات، وتحت عنوان فرعي “صوت لمن لم يكن يُسمع صوته” بما يلي:
” يعتبر الإعلام الوسيلة الأمثل للتواصل بين الأفراد وتشكيل الجماعات. ولكنَّ الانترنت وفّر امكانية المشاركة بطريقة لم تقربها أي وسيلة أخرى. فأصبح كل من لديه بيان أو عرض ما، يمكن ان ينشره ليجعله متاحا على نطاق واسع. حتى أصبح من الصعب تمييز ما يجب ويستحق الانتباه إليه. وسواء كان ذلك ايجابياً أو سلبياً إلا أن وسائل التواصل الاجتماعي منحت صوتًا لمن لم يكن يُسمع صوته من قبل، وهذا ما جعلهم أقوياء.”.5
لقد اقترنت الاحتجاجات المستمرة والمتزايدة عدداً وقاعدة المشاركين فيها مع مرور الوقت بمطالبة المحتجين بعملية إصلاح ومن ثم تغيير جذرية لمجمل العملية السياسية والاقتصادية الجارية في البلاد والتخلص من الطائفية ومحاصصاتها والفساد المستشري.6 وكانت أبرز تلك الاحتجاجات قد تبلورت في المعركة السلمية التي خاضتها القوى المدنية والديمقراطية في عام 2011 في بغداد ومدن عراقية كثيرة أخرى، بالاقتران لما أطلق عليه بـ “الربيع العربي” المؤجل عملياً، في جميع أنحاء العراق احتجاجاً على الأوضاع السيئة التي عمت البلاد. تلك الاحتجاجات والتجمعات الكبيرة في ساحات بغداد وبقية المحافظات التي جوبهت بالعنف والقوة الغاشمة والقتل والاعتقال والتعذيب وتشويه سمعة المحتجين واتهامهم بالبعثية وغيرها من قبل الحاكم المستبد بأمره وأمر أسياده في إيران نوري المالكي. كما تواصلت عمليات الاختطاف والتغييب والاغتيال لأبرز النشطاء المدنيين والديمقراطيين من قبل أجهزة الأمن والميليشيات الطائفية المسلحة. كانت كل الاحتجاجات والإضرابات والاعتصامات والتجمعات والمظاهرات سلمية ودستورية، رغم ذلك تعرضت لعنف السلطة والقوة المفرطة لأجهزة الأمن والشرطة والميليشيات الطائفية المسلحة التابعة للأحزاب الإسلامية السياسية الحاكمة وإيران. يقدم الكاتب زهير الجزائري في كتابه الجديد الموسوم “يوميات الألم والغضب للكاتب زهير الجزائري وصفاً دقيقاً، لوجوده الفعلي ومشاركته في تظاهرات ساحة التحرير، للعنف المفرط الذي مارسه نوري المالكي ضد المتظاهرين السلميين في ساحة التحرير ببغداد حيث كتب ما يلي:
” – في الساحة وابتداءً من تحت النصب، تمدد المتظاهرون وانتشروا قع في محيط الساحة صعودا نحو الجدار الإسمنتي الذي يفصل المتظاهرين عن موقع السلطة في المنطقة الخضراء. الفجوات القليلة الفارغة تمتلئ بالناس. مجموعات أكثر شباباً وتوتراً تتدفق من ساحة الطيران لا ينظرون ألينا ولا يسمعون تحذيراتنا، بل يذهبون مباشرة نحو الحواجز.
– الكتلة البشرية الثانية هي قوات الأمن التي طوقت الساحة من كل الجهات. لم يتغير المشهد هنا، إنما المهمة، ففي كل المداخل المؤدية إلى ُ ٌ الساحة انتشرت قوات َّ عسكرية مدجَّجة بالسلاح وذخيرته، مهمتها حصر جمهور المتظاهرين في مكان محدد هو ساحة التحرير ولوقت محدد هو الثالثة بعد الظهر، والأهم من ذلك الاستعداد لتفريق المتظاهرين بالقوة ٌ إذا ما خرجوا عن السيطرة… سبعة من المداخل الثمانية المؤدية لساحة ٌ التحرير مفتوحة، ومدخل ٌ واحد ٌ على جسر الجمهورية مغلق بجدران إسمنتية بعلو قامتي إنسان. أمام هذه الجدران وخلفها أنساق أفقية من قوات خاصة مدججة بالسلاح وبدروع زجاجية. مهمة هذه القوات منع المتظاهرين من الوصول إلى المنطقة الخضراء المطوقة بدورها بجدران إسمنتية. أي منعهم من الوصول إلى قلعة السلطة. بين المتظاهرين والقوات المسلحة، في الطابق السادس من عمارة مهجورة (المطعم التركي) غرفة عمليات مكونة من رجال أمن وسياسة تراقب الساحة والمتظاهرين من موقع عال يطلُ عليهم ومحصَّن ضدهم… من هنا ترسل التقارير الفورية إلى مركز السلطة في المنطقة الخضراء لاتخاذ القرار وتطبيقه في الميدان بأساليب تتراوح بين تطويق مع ضبط أعصاب، اختراق التظاهرة من الوسط، طائرة هليكوبتر تحلق منخفضة، قنابل دخانية، مدافع مياه، إطلاق نار… هكذا كانت سلسلة الأوامر.”.7 إنها كما يرى القارئ والقارئة معركة فعلية بين متظاهرين مسالمين وعزل، وبين أجهزة أمن وميليشيات مسلحة ومستعدة للمعركة، وهو ما حصل فعلاً وكانت هناك ضحايا بين المتظاهرين.
حين أُسقطت الدكتاتورية ببغداد، لم يكن الشعب العراقي قادراً على استيعاب ما حصل بسبب الوضع المأساوي الذي عاش تحت وطأته طيلة أربعة عقود. وكان قد تعرض لسياسات شوفينية وطائفية مريعة، وبالتالي كان يحلم بالخلاص من كل ذلك ويعيش حياة حرة وكريمة. كان تسليم الحكم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، الدولتان المحتلتان للعراق، للأحزاب الشيعية-الكردية المتحالفة بقيادة الأحزاب الشيعية، قد منح هذه القوى الفرصة، وتحت شعار مظلومية الشيعة والكرد، إلى كسب مواقع قوية في صفوف السكان الشيعة من مختلف الأعمار، ولكن في أوساط الشبيبة الشيعية بشكل خاص، التي تعرضت في ظل حكم البعث إلى التمييز والعسف والاضطهاد والتهجير، كما كانت ترسل إلى مقدمة جبهات القتال في حروب النظام. كما عاد كثير من الأسرى العراقيين الشباب الذين تم غسل أدمغتهم في إيران عبر أجهزة الأمن والحرس الثوري وشيوخ الدين الشيعة، بأفكار وممارسات وطقوس صفوية بعيدة عن الإسلام. لا شك في أن الغالبية العظمى من الشيعة، وبتأثير من المرجعيات الشيعية في النجف أولاً، ودور المال والهدايا التي قدمتها هذه الأحزاب لجمهرة من الناس الشيعة المحتاجين للمساعدة المالية ثانياً، وتحت تأثير الميليشيات الشيعية المسلحة والصراعات بين الأحزاب الشيعية والسنية ودور قوى الإرهاب السنية (القاعدة وبناتها) ثالثا، إضافة إلى أساليب تزوير أخرى ومن ثم ضعف الوعي العام في صفوف كادحي وفقراء الشيعة، قد ساندت وأُقنعت بالوقوف إلى جانب الأحزاب الإسلامية الشيعية على مدى السنوات المنصرمة. لاسيما وأن هذه الأحزاب قد ادعت تبنيها لمبادئ الحسين وصحبه وأنها المدافع عن مصالح وحكم الشيعة الأكثرية في البلاد، وأشغلتهم بالطقوس والممارسات التي تمجد الحسين بصورة خاطئة وغريبة بحيث أصبح الدين والمذهب هنا أفيوناً مخدراً للناس أبعدهم عن وعي أوضاعهم وما يفعله قادة هذه الأحزاب والميليشيات بالبلاد، لاسيما الفساد وشق الصف الوطني وتعميق الصراعات المذهبية …الخ.
كانت الحركات المدنية السلمية تكسب إليها سنة بعد أخرى المزيد من الناس في أوساط المجتمع، لاسيما في الوسط والجنوب وبغداد، وهم في غالبيتهم من الشيعة. ولعب التيار المدني الديمقراطي، رغم صعوبة الأوضاع و”الحفر في الصخر”، كما عبر عنها القيادي في الحزب الشيوعي العراقي والكاتب والمثقف الوظيفي رضا الظاهر، قد تسنى للحركة المدنية الاحتجاجية أن تُنشِط مزيداً من الكادحين المرتبطين بالأحزاب والميليشيات الشيعية إلى المشاركة في التظاهرات والمطالبة بإصلاح الأوضاع الفاسدة التي تعاني منها، لاسيما الجماعة الفقيرة والكادحة المؤيدة لمقتدى الصدر، الذي وجد نفسه ملزماً بتأييد مطالب أنصاره العادلة، بغض النظر عن مدى قناعته الفعلية بها أو تبنيه شكلياً لها. إلا أن ضعف قناعته بها من جهة، وضغط القوى الإسلامية السياسية الأخرى عليه، إضافة إلى ضغوط الحوزة الدينية في قم التي تتلمذ فيها وعلى يد مشايخها وتأثير المرشد الأعلى الإيراني عليه، قد تجلى في تذبذباته المستمرة بين مؤيد للحركة الاحتجاجية ومنفضٍ عنها أو حتى معتدياً عليها، مما تسبب في إلحاق الضرر بها وبفعالياتها. لم يكن هذا الكسب لجمهرة متسعة من السكان الشيعية، لاسيما الشبيبة، دون أن يحصل وعي جديد لها عن واقع البلاد وواقعها المزريين، وعن الغنى والرفاهية التي تحفل بها قيادات وكواد القوى الإسلامية السياسية الحاكمة التي أيدتها طويلاً دون أن تقدم شيئاً يساهم في تغيير الأوضاع الذي تطالب به، بل تتلمس منها إصراراً على إبقاء الأوضاع كما هي والإيغال بالفساد المالي والإداري واستخدام أساليب العنف والردع والتخوين للحركات الاحتجاجية التي تساهم فيها، والتي غالبية المشاركين فيها من أبناء وبنات المذهب الشيعي.
الهوامش
أنظر: نبيل صالح، انتفاضة الفقراء في بلد الشهداء، موقع جدلية، بتاريخ 5 تشرين الأول/أكتوبر 2019.
2 أنظر: فارس نظمي ثورة تشرين والصحة النفسية السياسية في العراق: تعافي المجتمع واعتلال السلطة، جريدة المدى، اراء وأفكار، 16/11/2019.
3 أنظر: التحول الخطابي بعد انتفاضة تشرين، الثقافة الجديدة، العدد 416/417، 2020، بغداد، ص 44.
4 أنظر: د. صالح ياسر، انتفاضة اكتوبر 2019 في سنويتها الأولى – مهر النصر غالٍ تفاؤل الإرادة.. أم تشاؤم العقل!، الثقافة الجديدة، العدد 416/417، 2020تشرين الثاني، بغداد، ص 53.

5 أنظر: سلام عبد الكريم الكيم، الثورات بين العوامل والأدوات، الثقافة الجديدة العدد 416/417/ مصدر سابق، ص 75.
6 أنظر: الاحتجاجات العراقية 2019-20، الموسوعة الحرة. أنظر أيضاً: الاحتجاجات العراقية 2019-2020، موقع الكشاف. أنظر أيضا: مظاهرات العراق: الأمم المتحدة تطالب بوقف أعمال العنف – BBC News … جدّد في 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
7 أنظر: زهير الجزائري، يوميات الألم والغضب، المدى، 2020. مصدر سابق، ص 11).

المصدر