الانكماش التضخمي

279

رزاق عداي كل الازمات التي مر بها النظام الرأسمالي بعد الازمة الكبرى في عام 1929، والتي سميت بأزمة الكساد الكبير (بطالة كبيرة، شحة الطلب على السلع )، كانت ازمات نقدية ( تضخماً او ركوداً)، بصيغة واحدة منهما فقط، الا ازمة 1972 التي كانت نقدية بامتياز جمعت بين الظاهرتين في آن واحد، وسميت بـ (الانكماش التضخمي )، والتي لم يتعرض لها النظام الرأسمالي من قبل، فكانت تلمح الى ازمة معقدة، تتمثل بـ ( ارتفاع الاسعار، مع انكماش في الطلب )، لذلك راح بعض اقتصاديي الاكاديمية السوفيتية، آنذاك يلوحون مستبشرين الى أن الرأسمالية بدأت تلفظ انفاسها الاخيرة، فالازمة محكمة، ومسدودة الطرفين، لولا أن برز احد اقتصاديي جامعة شيكاغو، (ملتون فريدمان الحائز لاحقا على جائزة نوبل في الاقتصاد 1976 )، واجرى انزياحاً للكثير من المفاهيم المعمول بها في الاقتصاد الرأسمالي، العقدة الاولى التي توجهت اليها علاجات فريدمان هي النقد ( العملة )، فبدل الفهم السابق له باعتباره الاناء الخازن للقيمة الاقتصادية فقط،( سلعة او خدمة )، فقد اعتبره كاحد عناصر الانتاج قائماً بذاته، بحكم النشاط المستقل له في مجال المضاربات والبورصة، وحدد القيمة الاساسية للسلعة او الخدمة، و هو ما يضاف من انتاج او عملة اجنبية، وحددت الاجور والرواتب على هذا الاساس او المعيار، لقد كان الهدف الاول لفريدمان هو أن يتطابق السعر الرسمي للعملة مع السعر المتداول في السوق، كل الازمات التي تعرض لها الاقتصاد العراقي منذ فترة بعيدة هي ازمات نقدية صرفة، وهذا ناجم عن ان الاقتصاد العراقي هو اقتصاد ريعي احادي، يكاد يكون مصفر الانتاج صناعيا وزراعيا، فالاقتصاد يحركه النقد المتأتي من العائد النفطي بنسبة عالية جدا، والبنك المركزي هو الذي يتحكم بسعر العملة الاجنبية للنشاط التجاري بسعر رسمي ثابت، وهناك مصارف اهلية وسيطة تتعامل معه عن طريق نافذة تسمى مزاد العملة، تعمل على احداث فجوة او عدم تناغم بين السعر الرسمي للعملة الاجنبية وسعرها في السوق، المؤسسة الرسمية متمثلة بوزارة المالية تحاول أن تحقق توازناً بين السعر الحقيقي للعملة المحلية مقابل الدولار عن طريق ورقة اصلاحية لازمة كبيرة في الاقتصاد العراقي، بضمنها اجراء عملية جراحية للدينار العراقي بتخفيضه، وهذا الاجراء قد يدخل الاقتصاد العراقي في حالة تشبه ما تعرض له الاقتصاد الرأسمالي في ازمته القديمة التي سميت، بالانكماش التضخمي.المصدر