الإمام المخضرم.. ما يشّور

345

الإمام المخضرم.. ما يشّور

عبد الرضا حمد جاسم

وهو يعرف معاناتي من آلام الظهر.. استقبلني ’’مبتشراً’’ فَرِحاً قائلاً.. عندي من يخلصك من آلام الظهر ونهائياً.. قلت له تعرفني لا أتناول المهدات.. وأعالج الآلام بالرياضة اليومية والتغذية.. قال نعم ولكن عرفت من أصدقاء عن وجود رجل كبير(شيخ) يعالج آلام الظهر والحسد والمفاصل وآلام الرأس وكل شيء من أمراض نفسيه وعصبيه وغيرها (والله مبارك بأيده).. ضحكت.. قال أعرف أنك لا تؤمن بذلك ولكن جرب.. وهو يقوم بذلك لوجه الله.. أعطني عنوانه .. فأعطاني العنوان وقال يجب أن تحصل على موعد بواسطة الهاتف وأعطاني رقم هاتفه (الموبايل) وقال عندما تتصل ويأتيك الجواب قل للمتكلم أنني أريد الشفاء على يدي سيدي ومولاي دون أن تذكر أسمك أو تسأل إي سؤال عندها سيحدد لك الموعد وعليك الحضور متطهراً وفي الموعد تماماً

اتصلت في نفس الليلة ولم احصل على جواب لأن الخط مشغول ..حاولت عدة مرات لكن دون جدوى.. فتوقعت أن الخط عليه اتصالات كثيرة فقررت أن أتصل في اليوم التالي ومع صلاة الفجر حيث عادتي أن استيقظ قبل الشروق لأقوم بصلاتي اليومية وهي الرياضة ومراقبة الطبيعة والاستمتاع بغناء الطيور وموسيقى الحفيف وكنت أفكر إن هذا الشيخ الأمام يصْبح باكراً ذاكراً ملهمه ويتعبد بمحرابه ويستقي بركاته التي تؤهله لمثل ما يشفي به العامة معتمداً على ما قاله صديقي بأنه يقيم الليل ويوصله بالنهار

اتصلت مع الضياء الأول فكان لي ما أردت حيث أستحسن المتكلم على الطرف الثاني ذلك قائلاً (الله يتقبل) لأنه توقع حسب ما اعتقدت أنني مبكراً للصلاة

قال الموعد يوم الجمعة (إي بعد يومين) الساعة الرابعة وخمسة عشر دقيقه بعد الظهر.. فقلت له شاكراً سأكون في اللحظة.. قاطعني قائلاً .. اسمع التعليمات وطبقها بحذافيرها وهي:

الحضور بالثانية وأن تكون مغتسل ومتطهر وأن لا تجلب معك أي شيء مثل حقيبة او كتاب او أكل أو أي شيء يحمل في اليد وأن تطرق الباب ثمانية مرات وهذا مهم ..كررها ثمانية مرات وعندما تفتح لك الباب تخلع نعليك قبل أن تدخل وتقف منتصباً تنتظر التعليمات.. قلت له حاضر

العنوان الذي أعطاني إياه صاحبي هو في مدينه تبعد من حيث أسكن ثلاثين كيلو متر وإنا اعرفها ولكن لا اعرف دروبها .. ففي بعد ظهر الجمعة أخذت سيارتي وأدخلت العنوان على جهاز أل(توم توم) وانطلقت مبكراً عند الواحدة بعد الظهر لأستكشف المكان ولأراقب من يأتي وأتأكد وأطمئن ولأسجل بعض الملاحظات عما يجري قد أستفيد منها عند المناقشة أو الكتابة.. وصلت المكان قبل ساعتين ونصف تقريباً أركنت السيارة في أقرب موقف (بارك) ووقفت قريب من المكان وبعيد عن الأعين لأنني توقعت أن للإمام عيون بشريه أو الكترونية

المكان هو عماره سكنيه لا تستطيع معرفة أو تشخيص من يدخل للإمام أو من يدخل سكنه لكن هناك حركه قد تفسر أنها طبيعية في عماره سكنيه يقطنها الأجانب.. لكن لفت نظري خروج مجموعتين كل واحده مكونه من أمراه ورجل الأولى أمراه محجبة ورجل يتعكز وهو في أواسط العمر يرتدي الباس المغربي (صايه أم الكبوس) والثانية شابه غير متحجبة أنيقة تعين رجل كفيف أكبر من عمرها ملامحه غير عربيه وكانوا ’’مبتشرين’’ من خلال حركاتهم وإيماءاتهم إلى السماء وما رددوا من عبارة (إن شاء الله) و(خير أن شاء الله) والله كريم وغيرها سمعتها عندما تجاوزوني

حلت لحظة الامتحان وأقترب الموعد وإنا أشعر إنني ذاهب إلى شيء مجهول.. تزايدت ضربات القلب وتلملمت في الخيال صور كثيرة شعرت بها مرعبه قد تكون لغيري ولكن أنا أشعر بها.. أنها تحتاج إلى شيء من.. شجاعة .. دقه.. صبر .. تهور.. قسوة متبادلة.. تمسك بمبادئ.. ثقة بالنفس.. ولو انه ليس امتحان صعب فقد تجاوزت الكثير من المصاعب سابقاً.. حسمت أمري بأن الموقف يحتاج إلى هدوء.. شعرت انه المطلوب .. هو من يحدد المسارات المقبلة

هل أنا أمام امتحان مجبر عليه؟ أم أنا من أختار ذلك؟!! وهل هذا الصعلوك الإمام على غيري سيكون عليّ أيضا؟ هل فقدت البوصلة؟ وأنا القادم لمثل هكذا موقف لدحضه

تقدمت من باب العمارة ومعي العنوان ولكن لأتأكد استفسرت من صِبيه عند الباب فقالوا انه مكان الإمام.. وهو قبو في تلك العمارة.. طرقت الباب ثمانية حسب التعليمات ..فتحت إلى ظلام ..خلعت ما أنتعل كما طلب مني ذلك.. فجاء صوت خافت كخفوت الإنارة يأمرني بأن أتقدم ثلاثة خطوات واجثي عل ركبتيَّ وانظر للأرض.. فامتثلت.. شعرت بالقلق وخفقان القلب.. من المجهول وأنا المتّحَسِبْ له ..ولكنها المشاعر الانسانية

لحظات ثقيلة.. فتحت ستاره على ضوء خافت وشبح لرجل لم أتبينه يأمراني بأن أرفع رأسي وأجيب باختصار ودقه وصدق على ما سيأتي من أسئلة

قال.. جئت مكذبا أيها البائس..؟ قلت ليس بهذا الوضوح.. قال ..هل عرفت الوصايا؟ قلت نعم أيها الشيخ الجليل

قال ..من قال لك أني شيخ؟ قلت لم يخبرني أحد ولكن ما يبدو لي أنك شيخ جليل.. قال إنا لست رجل دين أو شيخ قبيلة أو كبير السن لتخاطبني بهذه العبارة (الشيخ الجليل)

قلت أذن من انتم سيدي لأخاطبكم بما يروق لكم.. قال إنا الإمام المخَضْرَمْ أيها البائس.. صدمتني هذه العبارة الجديدة التي ما تركبت في اللغة العربية قبل هذه اللحظة

هزتني هذه العبارة بعنف ومعها كلمة البائس التي تعودت على أن إقرائها في ردود البعض على ما أكتب.. تمالكت نفسي لأنه بغير ذلك الهزيمة وأنا هنا لا لأنهزم وإنما لأقاوم على اقل تقدير

قال.. أجب بوضوح واختصار.. أسمك؟.. عمرك؟.. دينك؟.. . عملك؟.. المرض الذي تعاني منه وفترة المرض؟ أجبت بوضوح ولكن جوابي عن الدين لم يعجبه حيث قلت أنا مسجل مسلم ولكن لم أمارس منه الممارسات اليومية التعبدية.. فقال أنت مسلم على دين ابويك.. قلت نعم.. قال كيف تتجرأ وتقول ما قلت وأنت هنا .. قلت أنها الحقيقة وأنت أردت الحقيقة .. وانت رجل من سؤالك عن الدين يعني انك تستقبل حتى غير المتدينين وغير المسلمين وانت لست رجل دين كما قلت.. فقال انا الإمام المخضرم .. فأجبته نعم ولكن أتسمح أن أتكلم.. قال هات ما عندك

قلت.. أنا اعرف أن هناك الإمام المنتظر وإمام مسجد وإمام طريقه وأئمة المذاهب وإمام الأزهر ولكن لم اسمع بالإمام المخضرم!!ثم أن هناك المخضرَم والمخضرِم.. من وصفك بذلك وأي الاثنين أنت؟

قال إنا من وصف نفسه.. وما اعنيه من كل أوصاف وتعاريف المخضرم هو من عاش بين عهدين عشت الشرف والعفة والنقاء والحب والعمل والصدق والإيثار.. ودفعت ثمن غالي في ذلك الطريق الجميل واليوم أعيش زمن العهر والنصب والاحتيال والغش والسرقة والكذب والخداع والخيانة.. لذلك أنا مخضرم وأريد أن أقول لهؤلاء أني لكم أيها السراق سرقتم حلمي وأحلام الكثيرين واليوم أنا بدينكم سأسرق أو سأثأر لما ضاع أنا أخبث منكم إذا رغبت أو رغبتم.. تدارك ما قال ليقول إنا لا اقصد هؤلاء الفقراء ولكني سأستخدمهم كما استخدموهم

قال اسمع أيها البائس وصمت.. إذن أنا بائس من صاحبي هذا الجديد الذي اقدر اليوم مسعاه وأتحزب له نوعما ولو في ذلك مجال للنقاش.. وأتفهم مقدار الحزن الذي يحمل.. والجرح العميق في مشاعره.. حيرني هذا الإمام.. فقلت لأستخدم الهجوم بعد أن فضح نفسه وعادة دقات قلبي إلى طبيعتها وشعرت أنه مثلي مجروح ويريد أن يعوض ولا أقول ينتقم قلت أيها الجليل المبجل الإمام المخضرم أرشدني ..قال لاتزال تستهزئ ..انتبه ..انا أشرف منك لأنني تكلمت بصراحة معك لسببين الأول انني من سمح لك بهذا التمادي والثاني أنا أقوى منك ومنهم الآن.. لو حاولت تكذيبي أو التقليل من شأني أو الإساءة لي أو التشكيك ستجد من ينهرُك ويحاربك ويكَّفرك ويحلل دمك ويستبيح ما تملك وما تحب.. جئت متأخر أيها البائس

اعتذرت وحاولت أن أرطب الموضوع .. قال لا تحاول الآن ولكن جرب أن تسيء لي أو تشكك بما سمعته من الآخرين عني.. فأنا عندهم الشافي والرازق والمعافى والمنقذ بإذن الله وستلقم حجراً إن تطاولت وقلت الحقيقة عما دار بيني وبينك

ستُتَهم بالإلحاد والكفر وستستباح حرماتك فلا تعتبر نفسك أذكى وأنبه من الآخرين وفكر بواقعيه لأن التشكيك الآن بما أقوم به يعرضك للهلاك ..هذا ليس تهديد ولكنه تحذير وتنبيه من شخص يحترم ما تؤمن به ولكنك مشغول (بالتجمد وعدم معرفة من أين تأكل كتف عدوك الذي نهش لحمك وقيمك وعرضك ومبادئك) وأنت تطبق ما عفي عليه الزمن رغم أن من وضعه أمرك بأن تتطور وتتقدم وتستنتج ولا تحجّم نفسك وقومك بالباليات ف محمد أنجز ومات أن كان يتوافق مع يومك أو لا وماركس أنتج وأبدع وقدم أن كان يتوافق مع هذا الزمان أم لا وهو أكيد كما أبن أبي طالب قال مهتدياً به لا تعلموا أولادكم على.. .. وترك لك ولكم أن تفكروا.. او من عمر الكادح الأول في الإسلام إلى اشتراكي الإسلام علي إلى روكفلر الإسلام ….. إلى المفسدين الذين ألغوا صلة الأرض بالسماء وهم على حق آل أميه والعباسيين

أنا إمام هذا العصر الذي يستخدم نفس الأساليب التي ضحكوا بها على البسطاء ممن تصرفوا معي بعداوة سابقاً وأنا وهم لو ناقشنا وحللنا ودققنا سنجد أن المبادئ التي تنادي بالعدالة و الاشتراكية والحرية هي امتداد بإبداع لما حاول محمد القيام به.. . ومن حارب محمد من أتباعه أكثر ممن حاربوه من أعدائه فثورة محمد قبل ألف وأربعمائة عام الجزء الكبير منها في تعاليم المحّدثين بعد إلف وثلاثمائة عام

له في ذلك تصور معين يخصه لكنه أثار إعجابي وانتباهي لأنه يشعر بالألم ولأنه يتحسس الواقع ولأنه يربط بدقه بين القيم

قلت له ..سيدي أنك تقلقني وتتحداني.. وأنا انسحب ولن أتكلم عما دار بيننا.. ضحك باستهزاء وقال أنت وما تتوقع أنك تملك من تأثير وما تتصور أنك حصلت عليه تحسب أنه ينفعك.. سيكون وبال عليك لو فتحت فمك مشككاً بما عرفه العامة عني وقد يكفرك البعض..

قلت أيها الواثق المتميز من أين اتيت بهذه المكانة التي تتحدى بها .. قال أيها البائس الغبي ..أ خذتها من الأولين ..لم تسأل نفسك وأنت الغبي القادم لتسفيهي من أين أتى أصحاب المذاهب باتباعهم المندفعين حد الموت في سبيلهم وهم لم يعيشوا وقتهم ولم يتعلموا على أيديهم ولم يعرفوا عن خلفياتهم ..الامام الفلاني و الفلاني أحسن مني أو يملكون من عقل أفضل مما أملك

أنت بائس وغبي وضيق الأفق لأنك أتيت لتسفيهي وتركت أئمة الكذب والنفاق والتكفير

أخذتك الحميه لتنتصر لهؤلاء مني ولم تاخُدكَ الحمية لتنتصر لتاريخ كامل أريد له أن يمحى.. تريد أن تسفهني ولا تتجرأ على تسفيه السفهاء الذين أوصلوا هؤلاء البسطاء الطيبين إلى ما هم عليه اليوم تريد أن تكذبني ولم تفكر أن تكذب أولئك المنافقين الذين أخذوا عن محمد كما يدعون ويكّفرون من يحترم محمد ويشكك بهم ..أنت غبي ..أنت صبي.. لا تعرف من أين تبدأ ومعك الكثيرين الذين يسيئون إلى محمد وهو مثلي أراد أن ينفعهم ويقدم لهم شيء فبدل أن يساعدوه قدسوه

قلت أيها الإمام المخضرم لك ما قلت وأبديت وعلقت ولكن من أين لك شفاء الناس وكسب ودهم وتغيير عقولهم ليثقوا بك

قال يأتي خائفاً.. خانعاً.. ذليلاً.. متوسلاً.. ضعيفاً.. مكسوراً.. فأعطيه ما يسكنه مره بدندنات لا يفهمها ومره بآيات قرانيه لا يعرف منها سوى البسملة والتصديق ومره بماء قد أضيف إليه مهدئات الألم ومره بتدليك بسيط لموضع الألم ومره اطلب منه أن يتكلم بما يريد وبإسهاب ومره بدعاء يرتاح له واطلب منه عند شعوره بالألم أن يختلي مع نفسه ويغمض عينيه ويعيد ترتيل الدعاء بهدوء لينسيه الألم.. الحقيقة هذه الأفعال أثارت انتباهي وفيها بعد نفساني مما دفعني للاستفسار منه عن تحصيله العلمي فقال وهل الانان الفلاني وغيره يحمل شهادة عليا.. هذا الجواب اسكتني.. لأطلب منه البدء بعلاجي فضحك قائلاً.. أنت أغبى من أن تجعلني غبي مثلك فأنت لا ينفع معك ما أقوم به لأنك متحفز لأبطال ما يمكنني منك فاعتذرت مع طلبي الإجابة على سؤالي عن تأكيده على الرقم ثمانية فقال ببساطه انه تسلسلك في الدخول فقبلك كان هنا سبعة مرضى وأنت الثامن

قال أراك تكرر رفع بصرك إلى ما مكتوب فوق رأسي وتبتسم بحياء.. فأنا من تعمد عدم وضع النقاط على كلمة المخضرم لتكون العبارة خاليه من النقاط كما كان القران على زمن محمد وما يضحكك هو كيف أصبح المخضرم محصرم بدون النقاط ليختلف المعنى وهو عندي معنى واحد فمن يدعي حصوله على ’’الخضرمتين’’ هو محصرم

قلت انك تعني تغيير الكثير من المعاني بعد تنقيط القرآن.. أجاب لك ما تستنتج وأنا لي ما أفكر به واهتم..

ثم وَدَعَنْي طارداً لأن هناك من ينتظر

أمرني بالرجوع إلى الوراء مع خفض ألراس بالشكر وانا اخرج مع ترديد الشكر والتبريك بصوت عالي يسمعه الآخرين نفذت ذلك بدقه و(زيادة).. قبل ذلك.. قلت له كم تطلب حق العلاج فقال إنا أفكر بعيد جداً.. حيث الآن العلاج كما أسميته مجاناً ولوجه الله وغداً الخمس والزكاة حيث سيقدمونها وهم خاشعين راكعين وهذا ما فعله السلف(الصالح).

عبد الرضا حمد جاسم

المصدر