إدارة التنوع الثقافي والأمن المجتمعي

235

إدارة التنوع الثقافي والأمن المجتمعي
د. ماجد احمد الزاملي
يستوجب على الدول المتعددة الثقافات أن تنظر إلى التعدد الثقافي بنظرة أكثر ايجابية إذ يُمكِنَها الاستفادة منه في خلق الإبداع وإيجاد بدائل وخيارات متنوعة تمكنها من حل مختلف المشاكل والاضطرابات الإدارية, كما هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية. ونجاح إدارة التعدد الثقافي في الدول المتعددة الثقافات يستوجب إعطاء فرصة للأقليات والنساء ، وتفعيل مهارة الاتصال بين مجموعات الموظفين المختلفة ثقافياً ، والقضاء على كل أشكال التمييز.و تعد الإدارة الفعّالة للموارد البشرية داخل الدولة يزيد من خلق الفرص والاستفادة من كل الطاقات والإمكانيات والمواهب ، من خلال مختلف البرامج التدريبية القائمة على التعدد الثقافي. عمليات التبادل العديدة التي تجري في يومنا والاتصال بين الثقافات المختلفة التي عليها أن تتعايش في نفس الرقعة الجغرافية، وهذا هو التنوع الثقافي. ويعتبر جسر الهوة بين الثقافات وسيلة ضرورية لتعزيز السلام والاستقرار. ومن بين الصور والأشكال المختلفة للتعدد، اكتسبت التعدد الاثني وأيضا التعدد العرقي، أهمية خاصة على الصعيدين العملي والأكاديمي في ظل ما طرحته الصراعات الاثنية والعرقية التي شهدتها مجتمعات مختلفة على امتداد دول العالم من تحديات لأنماط إدارة التنوعات وما ينجم عنها من صراعات في هذه المجتمعات. والتعدد الثقافي والإثني داخل المجتمع لا يعتبر مشكلة في حد ذاته، بل انه يتيح فرصاً لإثراء المجتمع اذا وُجِدت ادارة فعّالة له، حيث ان التعدد يتقبل ويتعامل مع وجود دوائر الانتماءات المختلفة وتزيد من تماسك هذا الفسيفساء في “كل” قومي وتَحوُل دون شرذمته التعددية تعني إعطاء حيزا للآخر (السياسي والطائفي) بداخل الدائرة القومية وتعني أن تحل قيم التقبُّل والاحترام المتبادل محل قيم التعصب من جهة ونهج الموقف الأحادي الذي يفرض على الجميع من جهة أخرى. الدولة نتاج مجتمع، اي المجتمع ينتج دولة، تقضي ضرورة إنتاج مجتمع وطني مبني على جملة من قيم المساواة والتكافؤ والعدالة والحرية، وفقا لمبادئ المواطنة والديمقراطية والتعددية والسلم والتنمية، فهذه القيم والمبادئ هي الأسس القادرة على إنتاج مجتمع موحد وفعال. فإن تحقيق الإستقرار المجتمعي ودعم روح التعايش للمجتمع على تنوع وتعدد مكوناته، يتطلب أكثر من مجرد السعي لتأمين الحريات المدنية والسياسية عبر أدوات ديمقراطية الأغلبية والسياسات الإجتماعية والإقتصادية المنصفة؛ لأن المطلوب سياسات ثقافية لا لبس فيها لضمان الإعتراف بالتنوع الثقافي، الذي يقتضي إدماج الإعتراف الثقافي ضمن استراتيجيات بناء ديمقراطيات شاملة للجميع، تبنى فيها سياسات تشاركية شاملة لكافة المواطنين عبر مختلف التنظيمات والأحزاب وفعاليات المجتمع المدني على أساس من المساواة وعدم التمييز، وتتخذ في إطارها سياسات تمنح لثقافة المجموعات المهمشة والمقصية ,وصيغ الإعتراف والإتساع، بشكل يمكن أفرادها من رؤية ثقافاتهم في رموز الدولة ومؤسساتها، ما يعني بصورة أخرى وجوب إحداث تغيير في طريقة السياسة القائمة، حتى تتماشى مع متطلبات ومطالب المجتمع المتنوع ثقافياً، وبما يتيح القدرة على مسايرة ومعايشة مختلف التناقضات داخل هذا المجتمع، دونما المساس باستقراره وتجانسه.
برز مـفهو م الأمن الإنساني كإطار حيـوي وعـملي للتصدي لإنتهاكات حقوق الإنسان بطريـقة متسـقة، شاملة واستباقـية؛ مـن خلال زيـادة فرص التـعاون والشـراكة بيـن حكومات الــدول، والـمنظمات الدولـية الإقليمية، للـمجتمع الـمدني والجهات الفاعلة على مستوى المجتمعات الـمحلية. وتكمن قوة تطبيقه أساسا في كونه يشكل إطار سياسي ثنائي، يعتمد على ركيزتين أساسيتين معززتين لبعضهما البعض هما: الحماية والتمكين. كما يوفر تطبيقه بهذه الصيغة نـهجا شامال يـجمع بين معايير وعمليات ومـؤسسات تنـدرج مـن القمة إلى القاعدة؛ تشمل إنشاء آليات للإنذار الـمبكر . وتظهر الدولة هنا كأهم فاعل في تنفيذ هذه الإستراتيجية؛ كونها الـمسؤول الأول عن تحقيق الحماية لمواطنيها، ما يفرض بالتالي مسؤولية مؤسساتها وهياكل حكمها في إرساء أسس هذه الحماية للأفراد والجماعات داخلها. وإن شكلت الدولة عنصر ا فاعلاً فيما يتعلق بتحقيق الأمن وفق منظوره الـمجتمعي، فإن فعاليتها تقوى أكثر إن طالت حركية التعاون مـختلف الفواعل تـحت الوطنية، التي يبرز في مقدمتها الـمجتمع الـمدني كأهم فاعل مـحلي قادر على إحداث التغيـير الإجتماعي، السـياسي والثقافي القائم لإدارة الإختلافات الـمبادرة، قبـول الحوار، وضمن أُطر ديـمقراطية وشفافة؛ لتحقيق التوازن المجتمعي، وتلافي المشكلات قبل حدوثها. والركيزة الأساسية التي لا يمكن أن يشيد في غيابها الحكم الديمقراطي متعدد الثقافات، هي وجود أرضية قانونية معيارية داخل الدول المتنوعة الهويات، تكون قادرة على التوفيق بين ضرورة الوحدة والتجانس الوطني وواقع التنوع الثقافي، والتحديد الأمثل لوضع الأقليات ودور التنوع في الدولة والمجتمع. كما يكون هدفها التحقيق الفعلي لفكرة المجتمع الديمقراطي التعددي، الذي يتمتع فيه كافة الناس بحقوقهم الفردية والجماعية في ظل ظروف وشروط انتفاع متساوية، بما يضمن احترام “كرامة الإنتماء الثقافي”. لكن الخطوة الأولى في تحقيق ذلك، تبدأ في التمكن من وضع دستور ديمقراطي توافقي يشمل كافة الأطياف المكَّونة للدولة؛ طالما أن تحقيق ذلك يحمل دلالة وأهمية كبيرة في تعزيز الوحدة أو الخلاف؛ فالتحصين الدستوري للحقوق والنصوص المتعلقة بها تحظى بأهمية خاصة لدى الناس، كونها تمس مباشرة شعورهم بالأمن والإنتماء والحماية والرضى، أو شعورهم بالقهر والظلم واللا أمن، ما يجعل النصوص الخاصة بحقوق الأقليات على وجه التحديد تشكل مصدرا للفخر والوحدة الوطنية، أو مصدراً للشقاق والخلاف داخل الدولة.
أن تحقيق التماسك القومي والإندماج الوطني لا يستوجب فرض هوية منفردة وشجب التنوع الثقافي والولاءات الفرعية للأفراد والجماعات داخل الدولة؛ بقدر ما يتطلب التخطيط لوضع إستراتيجيات ناجحة لبناء دول اندماجية تستطيع على نحو بناء الإتساع للتنوع الثقافي، وقادرة على تقديم حلول فعّالة من حيث ضمانها الأهداف الأطول أمداً للإسقرار السياسي والتآلف المجتمعي. وبالتالي، فإن تحقيق الإستقرار المجتمعي ودعم روح التعايش للمجتمع على تنوع وتعدد مكوناته، يتطلب أكثر من مجرد السعي لتأمين الحريات المدنية والسياسية عبر أدوات ديمقراطية الأغلبية والسياسات الإجتماعية والإقتصادية المنصفة؛ لأن المطلوب سياسات ثقافية لا لبس فيها لضمان الإعتراف بالتنوع الثقافي، الذي يقتضي إدماج الإعتراف الثقافي ضمن استراتيجيات بناء ديمقراطيات شاملة للجميع، تبنى فيها سياسات تشاركية شاملة لكافة المواطنين عبر مختلف التنظيمات والأحزاب وفعاليات المجتمع المدني على أساس من المساواة وعدم التمييز، وتتخذ في إطارها سياسات تمنح لثقافة المجموعات المهمشة والمقصاة صيغ الإعتراف والإتساع، بشكل يمكن أفرادها من رؤية ثقافاتهم في رموز الدولة ومؤسساتها، ما يعني بصورة أخرى وجوب إحداث تغيير في الطريقة السياسية القائمة، حتى تتماشى مع متطلبات ومطالب المجتمع المتنوع ثقافياً، وبما يتيح القدرة على مسايرة ومعايشة مختلف التناقضات داخل هذا المجتمع، دونما المساس باستقراره وتجانسه. أن الدول مطالبة بالنظر بطريقة عملية لدور آلية العمل الإيجابي باعتباره رد فعل قائم على حقوق الإنسان تجاه أشكال التمييز وعدم المساواة والحرمان، بتسليطها الضوء على حدود الإطار القانوني لمعالجة التمييز الهيكلي والمؤسسي القائم في عديد الدول ، وتسليط الضوء كذلك على الحاجة إلى زيادة تمكين تلك القطاعات الضعيفة في المجتمع من التمتع الفعال بنفس الحقوق،والمشاركة في المؤسسات المجتمعية نفسها كأعضاء كاملي العضوية في المجتمع الواحد . إن النجاح في إرساء أسس متينة للأمن المجتمعي يتطلب أوال وقبل كل شيء إيلاء بالغ الإهتمام للوضع الضعيف والمهمش الذي تعاني منه جماعات ثقافية عدة في العديد من الدول المتنوعة الثقافات، وتسليط الضوء على جوانب جديدة من التهديدات التي تستهدف الإضرار بالجانب القيمي للإنسان، وهو ذلك الجانب المرتبط بــ”الهوية”، من خلال التركيز على المظالم الثقافية والحرمان الثقافي المتعدد الأوجه والمتشابك المصادر والذي يعاني منه ملايين الناس حول العالم، بدلاً من النظر للتنوع الثقافي باعتباره تهديداً للأمن المجتمعي وبالتالي، فالإنتهاكات التي تطال الهويات؛ من قبيل الإستبعاد الذاتي، غبن الهويات، الإذلال الجماعي، الكراهية ، الإستبعاد الثقافي التفاضلي… هي التي بات ينظر إليها اليوم بأنها عوامل حاسمة في انتشار العنف والصراعات والإرهاب والفقر المدقع، مع إفضائها بصور ة جوهرية إلى استمرارية شعور الجماعات الثقافية بالتهديد والخشية من تلاشي خصوصياتها، ونفي قدراتها على العيش بحرية في عملية مستمرة مدى الحياة من تعريف الذات، ما يؤدي في الأخير إلى إضعاف وحدة المجتمعات وتماسكها واستقرارها المجتمعي من هنا، فإن تقديم الإطار الأمثل لأهم طبيعة الأمن المجتمعي في المجتمعات المتنوعة ثقافياً، وفهم سيرورة بناء التهديدات التي تعترض ضمان استمراره، وكذلك طرق وأساليب تقويته وحمايته يمر عبر التركيز على ضرورة تكريس الحق في التنوع الثقافي للناس أفرادا وجماعات؛ بدءا بضمان استمرار التمتع الاعلي بالحقوق الجماعية وبالأخص حقوق الأقليات، وتمكينها من حقها في الهوية الثقافية، مرورا بتعزيز الحكم في سبيل قلب الأوضاع المكرّسة لعدم المساواة في المكانة الثقافية، وتعزيز التعايش والسلم الديمقراطي داخل الدول المتنوعة ثقافيا.

المصدر