أسوشيتدبرس: ثلاثة أرباع نفقات الحكومة تذهب للرواتب

377

ترجمة/ حامد احمد

منذ فترة طويلة والموظف الحكومي قصي عبد، ينتابه الرعب عندما يتأخر مرتبه الشهري وانتظاره لأيام تحولت الى اسابيع، ويتأخر بذلك موعد تسديده لبدل الايجار وفواتير أخرى ايضا. اعتاد عبد الذي يعمل موظفا في وزارة الصحة ان يقتطع نصف راتبه تقريبا لتسديد بدل الايجار البالغ 450,000 دينار شهريا ويخشى انه اذا تأخر بتسديد الايجار لمرتين ان يطلب مالك الدار اخلاء البيت. وقال عبد “هذه التأخيرات تؤثر على امكانيتي في لاستمرار على قيد الحياة”.

تكافح الحكومة من اجل تسديد رواتب العدد الهائل لموظفي القطاع العام وسط ازمة سيولة مالية غبر مسبوقة ناتجة عن هبوط اسعار النفط . رواتب شهر أيلول تأخرت لفترة أسابيع، ورواتب شهر تشرين الاول الحالي لم تٌسدّد بعد حيث تحاول الحكومة الاقتراض مرة اخرى من احتياطي العملة العراقية. الازمة زادت من مخاوف عدم الاستقرار. الحكومة بينت رؤيتها لتنفيذ اجراءات قاسية لتحسين اقتصاد العراق من خلال “ورقة بيضاء” عُرضت الاسبوع الماضي لاعضاء برلمان واحزاب سياسية، وبينما تلوح الانتخابات المبكرة في الافق، فان مستشاري رئيس الوزراء يخشون من انه ليست هناك ارادة سياسية بتنفيذ هذه الورقة بشكل كامل. سجاد جياد، باحث عراقي، يقول “نحن نطلب من نفس الناس الذين نحتج ضدهم وننتقدهم لكي يصلحوا النظام”. دعوة الورقة البيضاء الى اجراء استقطاعات برواتب الموظفين واصلاح تمويل الدولة من شأنها ان تقوض نظام المحسوبية الذي تستخدمه النخب السياسية لتعزيز نفوذها.

الجزء الاكبر من نظام المحسوبية هو ان تسلم منصبا وظيفيا في الدولة مقابل دعم، تسبب هذا النهج بمضاعفة اعداد موظفي الدولة ثلاثة اضعاف اعداد الموظفين لعام 2004، والحكومة تسدد الآن رواتب بنسبة 400% أعلى مما كانت تسدد قبل 15 عاما، ما يقارب من ثلاثة ارباع نفقات الدولة لعام 2020 تذهب الى تغطية اجور القطاع العام، وهذا يعتبر تجفيفا هائلا لسيولة نقدية متضائلة. ويقول محمد الدراجي، عضو اللجنة المالية في البرلمان، “الوضع الان خطر جدا”. احد المسؤولين الحكوميين قال ان الاحزاب السياسية تنكر فكرة ضرورة اجراء تغيير واصلاح، معتقدين بان اسعار النفط سترتفع ويقولون “وضعنا سيتحسن مرة اخرى”. وقال المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه “لن يتحسن وضعنا والنظام غير مستدام وانه عاجلا ام آجلا سينفجر”. وكان ناشطون عراقيون قد دعوا لتظاهرات بعد مرور عام منذ انطلاق احتجاجات واسعة ضد الحكومة نزل فيها آلاف الناس للشوارع مطالبين باصلاحات ووضع حد للطبقة السياسية الفاسدة. كمال جبار، أحد اعضاء حركة تشرين الديمقراطية والتي تشكلت خلال الاحتجاجات العام الماضي، يقول “بقدر ما يتعلق الامر بمطالبنا، فانه لم يحصل هناك أي تغيير بالنسبة لنا.. الورقة البيضاء هي مزحة”. ابو علي، تاجر في سوق الشورجة وسط بغداد، يخشى ما تدخره الاشهر القادمة من احداث. الدولة هي المصدر الرئيس لتوظيف العراقيين، والموظفون هم من يحركون سوق التجار والاسواق بمشترياتهم.

يقول ابو علي “التأخير بتسديد الرواتب اثر على حركة السوق بشكل مباشر واذا استمرت هذه التأخيرات فان عملنا التجاري ووضعنا الاقتصادي سينهار”. بالنسبة لوزير المالية وما يدعون له بالورقة البيضاء فان القطاع العام المترهل هو اول ما مدرج ضمن خط الاصلاح. وقال وزير المالية علي علاوي في لقاء اجري مؤخرا مع الاسوشييتدبرس: “نحن نأمل من موظفي القطاع العام والجانب البيروقراطي ان يقرون بالحاجة الى التغيير”.

ويلفت علاوي الى ان “الانتاجية المتدنية لموظفي القطاع العام هي اساس المشكلة”، مؤكدا بقوله “لقد انتهينا بانتاجية واطئة، وقطاع عام مكلف جدا لايستحق ما يدفع له. بشكل أو بآخر فان هذه المشكلة لا بد وان يتم حلها إما بتخفيض الاعداد، وهذا امر صعب سياسيا، او تخفيض الرواتب، او زيادة معدل الانتاجية”. لتلبية التزامات تسديد رواتب شهرا بشهر كان من المحتم على الحكومة ان تقترض داخليا من احتياطياتها من العملة الصعبة. وأثار طلب آخر أُرسل للبرلمان لقرض ثان بقيمة 35 مليار دولار انتقادا من برلمانيين. هيثم الجبوري، رئيس اللجنة المالية البرلمانية، قال في حديث متلفز انه “اذا كانت خطة الحكومة الوحيدة لحل المشكلة هي بالاقتراض، فانه مستعد ان يجلب صاحب محل من منطقة الباب الشرقي ليقوم بواجب وزير المالية . موافقة البرلمان على الاقتراض واصلاحات الورقة البيضاء هما أمران حيويان بالنسبة للحكومة لتجنب ازمة اقتصادية على نطاق واسع. ولكن هذه الخطوة ستثبت صعوبتها مع قرب انتخابات مبكرة من المزمع اقامتها في حزيران القادم، حيث ان احزابا تريد توزيع وظائف للحفاظ على اصوات الناخبين.

وقال الباحث جياد “أيهم يقرر المضي قدما ويدعم الاصلاحات سيخسر أولا، وسيضطرون ايضا لاقناع لاعبين سياسيين آخرين الذين سيخسرون بدورهم. من الصعب اقناع الاطراف بهذه الاصلاحات”.

مستشارون للكاظمي اقروا على نحو شخصي بالتحديات من خلال وجود هذا النظام الذي انتج مثل هكذا سوء ادارة وفساد ليكونوا هم المنقذين انفسهم. أحد المسؤولين استذكر ملاحظة قالها وزير المالية عند لقاء كبار اعضاء اللجنة الموكلة لها متابعة هذه الازمة: نظر وزير المالية الى الغرفة حيث يجتمع المسؤولون المعنيون بايقاف سقوط البلاد نحو هاوية الافلاس وقال لهم “لا يمكنني ان اصدق ان هذا الشيء قد حصل على مدى عشر سنوات ولم يقم اي احد منكم بأي اجراء لايقافه”. وكان هناك صمت ولم ينطق احد بكلمة.

المصدر