كان الخريف قد مد جناحيه على أطراف مخيم شاريا للنازحين شمالي دهوك وبدأت موجات الرياح الباردة تضرب اطراف المخيم، يوم قرر النازح الايزيدي من سنجار فارس بابير (28 عاما) انهاء سنوات غربته الست في اقليم كردستان والعودة الى قريته التي تركها حين زحف تنظيم داعش في صيف 2014 على المنطقة وارتكب فيها ابادات جماعية.
حلم العودة الى “تل بنات” القرية التي ولد فيها، ظل يلاحق بابير طوال السنوات الأربع التي اعقبت تحرير المنطقة لكن الأمن الهش في ظل صراع القوى السياسية المسلحة وغياب الخدمات وتعطل عملية الاعمار وعدم توفر فرص عمل، كانت تمنعه مثل معظم النازحين من العودة، قبل ان يبعث اتفاق سنجار الموقع بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم بارقة أمل بحل قريب في المنطقة المتنازع عليها والتي يعيش فيها الايزيديون الى جانب الكرد والعرب والتركمان.
وتضمن اتفاق سنجار، الذي وقع في التاسع من تشرين الاول/ اكتوبر 2020 وبعد أشهر من المحادثات التفصيلية المعقدة، سلسلة خطوات لتطبيع الاوضاع في القضاء بدءا بتعزيز الأمن واعادة الاستقرار، وانتهاءً باطلاق عمليات الاعمار وتحريك عجلة الاقتصاد.
ويقول دلير علي، وهو ناشط ترك المدينة كباقي المواطنين عند دخول داعش اليها “هذا طريق طويل ومحفوف بالألغام، لكن جزءاً ليس صغيراً من أهالي سنجار قرروا المضي فيه والعودة الى قراهم، رغم ان كل مصادر الخطر ماتزال ماثلة”.
ويضيف “لم يعد الكثيرون يتحملون العيش هنا في المخيمات.. هذه انشئت لتستقبل النازحين لأشهر، لكن ها هم سيدخلون عامهم السابع بعيدا عن مدينتهم وقراهم”.
ويستطرد علي، وهو يعرض لقطات فيديو قديمة لوالده الذي توفي، كان يردد فيها: “هي بضعة أشهر وسنعود الى مدينتنا”.
يتوقف لبرهة ثم يتابع “نخشى ان تتحول هذه المخيمات المؤقتة الى مدن دائمية، فرغم اتفاق سنجار فان كل بواعث القلق ماتزال ماثلة فالقوى المسلحة لم تغادر المنطقة وان اغلقت بعض مقراتها وسط المدينة، والحساسيات بين المكونات ماتزال قائمة ولم تبذل جهود لبناء مصالحات وتقريب المكونات”.
وينص اتفاق سنجار، على حصر التواجد الأمني والاداري في القضاء التابع لمحافظة نينوى، بالقوات الرسمية في بغداد واربيل وبشكل خاص الجيش والشرطة الاتحادية وجهاز المخابرات والامن الوطني، والتركيز على إبعاد الفصائل الايزيدية المقربة من حزب العمال الكردستاني والتي تمتعت بنفوذ كبير منذ استعادة المنطقة.
وجاء الاتفاق بعد ست سنوات من اجتياح داعش لسنجار وبعد أكثر من ثلاث سنوات على اعادة تحرير القضاء من قبل قوات البيشمركة المدعومة من قوات التحالف وفصائل ايزيدية وكردية مختلفة فضلا عن فصائل الحشد الشعبي والجيش العراقي.
ويقول الناشط علي “تأخر الاتفاق كثيرا، خلالها قضى غالبية اهالي سنجار من ايزيديين ومسلمين حياتهم بين مخيمات النزوح في دهوك وجبل سنجار، وعاشوا الفقر والعوز والخوف في ظل تدخلات خارجية وداخلية ما بين مجموعات موالية لحزب العمال الكردستاني واخرى تتبع قوات الحشد الشعبي والبيشمركة والجيش وحتى استهدافات الأتراك”. ويرى متابعون لملف سنجار الشائك، ان الاتفاق الذي يقضي بخروج الفصائل المسلحة من سنجار او على الأقل ابعادها من مركز المدينة، يشكل خارطة طريق ستراتيجية لعودة النازحين بشكل آمن الى مناطقهم.
ويقول الناشط “اليوم قررنا انهاء سنوات غربتنا والعودة الى سنجار.. يحزنني ان أترك جيراني في المخيم وأهالي دهوك الذين قدموا كل شيء لنا، لكني سعيد بانهاء حياة النزوح”.
يضيف: “ساطوي ست سنوات من العيش هنا، فأرضنا هناك ومستقبلنا، لا يمكن ان تظل سنجار خاوية من أهلها أبدا حينها سيكونون (داعش) قد حققوا هدفهم”. ويبدي بابير تفاؤله بالمستقبل: “قدوم القوات الامنية العراقية وبدء اخلاء بعض مقرات الفصائل المسلحة من المدينة، خلق جوا من الطمأنينة”.
ويكشف بابير عن عودة 500 عائلة الى قريته وقرى مجاورة لها جنوب قضاء سنجار، مستدركا “لكن هؤلاء يحتاجون الى توفير الخدمات الأساسية لهم والى حملات اعمار لبيوتهم المدمرة لتمكين العائدين من البقاء وتشجيع الآخرين على العودة”.
لكن الناشط سعد حمو، الذي لم يغادر سنجار وبقي في جبلها بعد الابادة، يرى ان الاتفاقية “لن تغير الكثير على ارض الواقع وان تحقيق تحول يفتح باب عودة النازحين، يحتاج الى وقت طويل”. ويذكر حمو ان عدد العوائل العائدة الى سنجار في العام 2020 بلغ 24326 عائلة ايزيدية و6450 عائلة عربية، وهم بمجملهم يواجهون العديد من المعوقات اهمها قلة الخدمات بما فيها الصحية وانعدام الكهرباء في معظم القرى والمجمعات السكنية في جنوب القضاء، الى جانب عدم وجود مدارس في العديد من القرى.
بدوره، يؤكد خبير التنوع في العراق سعد سلوم، في دراسة أنجزها لمنظمة الهجرة الدولية، عن عودة النازحين الى مناطق الاقليات المتنازع عليها، ان الاوضاع معقدة في سنجار لعدة أسباب أبرزها الصراع الداخلي بين القوى السياسية والمسلحة هناك، والصراع الاقليمي بين تركيا وايران حول المنطقة لأهميتها فمن يسيطر عليها يتحكم فعليا بالمثلث الحدودي العراقي التركي السوري.
ويوضح سلوم، ان استقرار المنطقة ليس مهما للايزيديين فقط ولضمان عودة مستدامة للنازحين من مخيمات اقليم كردستان، بل هو مهم لمساهمته في استقرار المنطقة اقليمياً، مشيرا الى ان اتفاقية سنجار مهمة “لأنها تسعى لتوحيد المرجعيات الامنية المتعددة في سنجار والتي قد تهدد المنطقة في ضوء الصراعات الداخلية والإقليمية”.
وينقل سلوم رؤية الايزيديين لأهمية أن يكون الملف الأمني بيدهم، وان لا يسلم لأي قوة أخرى يمكن ان توظف القضية الايزيدية لأهداف سياسية، وان هذا سيمنع تكرار الإبادة الجماعية التي حصلت في 2014، مبينا أن “الحماية الذاتية هي شكل من أشكال الادارة الذاتية التي تضمن إدارة فعالة في هذه المنطقة بغية تطويرها وتنميتها لتصبح مثالا للبناء بعد ان كانت مهدمة”.
ويقول ان هذا الأمر سيؤدي إلى تعزيز فكرة بناء سلام مستدام في سنجار وكبح هيمنة تيارات سياسية كبيرة على القرار الايزيدي واحتواء التدخلات التركية الإيرانية أو ترجمتها الى عامل ايجابي بدل ان تكون عاملا سلبيا، وتحقيق العدالة الانتقالية بعد الابادة، مع دعم وإصلاح قطاعات التعليم والزراعة والصحة.
• عن مؤسسة نيريج للصحافة الاستقصائية