برشلونة : مصطفى منيغ
متجهِّمٌ صباحها ، كَئْيبٌ ليلها ، خالية ممَّا ألفته حركة أسْعَدَت أيامها ، و أنعشت لأعلى المقاييس اقتصادها ، وأدخلتها في قائمة المدن المحظوظة المتطلِّعة للارتقاء بنمائها ، أكان المجال سياحة أم نهضة لمقامها، كل ذلك تبخَّر بين طلوع الشمس وضحاها، طالما قرَّر المغرب غلق ممرِّ العار الرابط بينه وبينها، الشاهد على رحلات ليل الشؤم ونهار الهموم المضطرين القيام بها، عشرات الألاف من المغاربة من شروق الشمس إلى غروبها ، دون توقف بحتاً عن دخل مادي يواجهون به متطلباتهم الحياتية وأساسياتها ، عن طريق التهريب الذي بقدر ما نجحت فيه أسر خرَّب بيوت أخرى في غياب اهتمام الدولة بالموضوع وعدم المحافظة على اقتصادها ، المُعرَّض لتنافس غير متكافئ و بخاصة في المواد الغذائية وما تلاها ، مع مرور الأعوام حينما غطت الأسواق على امتداد مدن الوطن صغيرها قبل كبيرها ، المواد المصنعة في اسبانيا او المستوردة بواسطة رجال أعمالها من الصين كغيرها ، ممَّا فوَّت على المغرب التوجه لانقاد نفسه من غرق داخل مستنقع كساد صناعته المحلية الوطنية مكتفياً بالتفرُّج على فوضى الكسب غير المشروع الذي طال عدداً يتضاعف باستمرار من المواطنين الذين أُرْغِمُوا على مثل الممارسة المساهمة مساهمة مباشرة في المس بكرامتهم من طرف السلطات الأمنية الإسبانية شرطة بلدية كانت أو حَرَساً مدنياً المسموح لها بالتصدي البشع لكل هؤلاء المغاربة نساءً ورجالاً الوافدين كالسيل لاجتياز الممر الضيِّق (المُشيَّد بأعمدة حديدية المُثبتة فوقها أسلاك متشابكة صلبة كأنَّ الأمر معد لمرور حيوانات مفترسة وليس آدميين بقلوب مفعمة بالخير وعقول لا قوة ولا حول لها) وذلك بالتنكيل والضرب والسب القَذر وما هو أفظع نترفع عن ذكره حياء من وصف مضامينه البشعة ، ولِمَا كل هذا؟؟؟ ، لإنعاش “سبتة” بمئات الملايين من الدراهم المغربية المستقرة في مخازنها التجارية وخزاناتها الرسمية ، من الاثنين إلى الجمعة ، من كل أسبوع ، من كل شهر ، لعشرات السنين ، تتحوَّلُ خلالها لِما أصبحت تتمتَّع به من ازدهار وََظَّفَتْهُ للنهوض بمستوى مواطنيها المعيشي ، ممَّا جذب المزيد من إسبان منطقة “أندلسيا” للإستقرار داخل محيطها ، البالغ مساحته 19 كيلومتر لا أقل ولا أكثر.
لم يقتصر الأمر على هذا الحد بل تخطاه لما هو أسوأ حينما يتعلق الشأن بأربعة آلاف امرأة من مختلف الأعمار يلتحقن بنفس المدينة المحتلة لبيع لحومهن لذئاب إسبان تفترس منها ما تشاء مقابل مبالغ لا تصل قيمتها لقطرة عرق منسابة من جباههن المصبوغة تكون بمساحيق جُرأةِ بائعات شرف أصلهن بتلك الوسيلة المشينة ، وعند المساء يعدن من حيث أتين متطفلات على مدن مرتيل والفنيدق والمضيق وتطوان، دافعهن الأوحد الحصول على المال مهما كانت الطريقة .
مدن في الشمال ، بمثل عاهة التهريب اكتوت بانحلال عادات العيش الكريم الذي رفع من أخلاقيات مجتمعها ما كان يُضرب به المثل ، لكن سياسات رسمية (سايرت تلك المرحلة) انخرطت في عدم الاكتراث لإنتاج عقلية منفتحة على توجه يجعل الاعتماد على التصرف الذاتي خارج القانون أمرا عاديا ما لم يتعرض صاحبه لكمين تتمكن من جرائه مصلحة الجمارك من الاستيلاء الكلي على مكتسبات مجهوده وتسليمه للمحاكمة المنتهية بحبسه . قد يبدو الأمر متناقضا ، لكنها الدولة مفروض أن تعلن بين الحين والآخر عن وجودها ، ومع ذلك استمر التهريب المكسب الأهم لمن لا مكسب له ، واتجهت بعض المجالس البلدية المنتخبة من إعداد أسواق مخصَّصة دكاكينها لتسويق السلع المهربة من سبتة المحتلة بؤرة مصيبة المصائب ، كما حصل في مدينة القصر الكبير ، الذي تحوَّل فيها سوق الحبوب بالجملة (المُشيَّد من طرف اسبانيا أيام اختلالها للمدينة) إلى سوق مكدَّس الجوانب بما جعلته المواد المهربة على مختلف أنواعها مزار مواطني مدن الجوار ومنها “العرائش” و “سوق أربعاء الغرب ” وأبعد منها “القنيطرة” ، بل أُُطلِق على نفس السوق اسم “سبتة” ليصبح بقدرة قادر محصن من مصلحة الجمارك ، وبالتالي غير مباح لمراقبي الأسعار التابعين للسلطة التنفيذية المحلية ويرأسها الباشا ، أو الإقليمية تحت مسؤولية العامل (المحافظ) .
الآف القصص دُوِّنت في مذكرة تلك المنطقة انطلاقا من باب سبتة لغاية عاصمة المملكة “الرباط” لا زال البعض من اصحابها على قيد الحياة ، شخصيا تعرفت عليهم حفاة يتنقلون محمَّلين بأثقال لا تُطاق يركضون بها بين منحدرات ومنعرجات تربط سبتة بالفنيدق تنأى عن عيون الجمارك خاصة، وقد تحوَّلوا لأصحاب أملاك عقارية في تطوان وطنجة وأرصدة بنكية تضعهم قي مكانة الأعيان المهمين ، وتيك أقدار تمنح لمن تشاء ما تشاء لحكمة تنأى عن تفسير المنطق البشري المتعود أصلاً على خطوط قويمة مستقيمة تقطعها اجتهادا طبيعيا ممزوجا براحة الضمير وسلاسة استيعاب دروس العلم وصولا لتحمُّل المسؤولية المستحقة بالثوابت المسايرة لطموح مشروع تقوده ارادة قوية نقية .
الآن “سبتة” وحيدة منعزلة تذرف عيون مواطنيها الإسبان بدل الدموع دم الندم ، وقد قارنت بين الأمس واليوم ، حيث البوم عشَّش على طول وعرض ذاك الممر السيّئ السمعة وعمَّر الصمت أركانه المصبوغة بأنين ألم عشرات الضحايا من أبناء المغرب المغلوبين على أمرهم كانوا في تلك المرحلة البئيسة ، ولمَّا انتابها اليأس من مراجعة المغرب قراره بفتح الممر من جهته ، التجأت لأفعال وتصرفات لا يكن وضعها إلا في خانة ضعاف العقل ، فما كانت محاولتها جر عداء الاتحاد الأوربي صوب المغرب إلا دليلا عن إغفال ما يجمع الاتحاد بالمملكة المغربية من أواصر الاحترام المتبادل والتعاون المثمر في مجالات ذات الاهتمام المشترك وقد علم مسئولو تلك المدينة المغربية المحتلة بمنح بنك الاستثمار الأوربي مؤخراً مساعدة مالية تُقدر (في دفعتها الأولى) ب 100مليون أورو توضع رهن اشارة تجهيز وزارة الصحة المغربية بما تحتاج من معدات طبية لمواجهة وباء كيوبيد – 19 . (وللمقال صلة)
الصورة: مصطفى منيغ في المدينة المغربية المحتلة “سبتة”
مصطفى منيغ
سفير السلام العالمي
مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي في سيدني-استراليا
[email protected]