بغداد/ تميم الحسن
حتى نهاية العام الماضي كانت كركوك على مشارف اعلان اتفاق تاريخي بين المكونات لانهاء ملفات عالقة منذ عقود، لكن الاستعدادات للانتخابات أعادت الاوضاع الى المربع الاول، بحسب بعض المسؤولين في المحافظة.
وعاد الكرد والتركمان في كركوك للشكوى من الادارة العربية للمحافظة، والسيطرة على الاموال والمناصب، بينما ينفي العرب تلك المزاعم، ويعتبرونها ضمن الحرب الدائرة منذ سنوات للسيطرة على منصب المحافظ.
وتتهم بعض الاطراف في كركوك المحافظ بانه انفق نحو 45 مليار دينار على “اكلات شعبية” من اموال المحافظة، ما دفع مؤخرا بعض نواب كركوك، الى الدعوة لايقاف صرف الموازنة للمحافظة بسبب “الفساد”، في اغرب طلب يشهده البرلمان منذ سنوات.
وبدأ الكرد والعرب فعليا عقد لقاءات ثنائية في الاشهر الاخيرة من العام الماضي، على امل ان يلتحق التركمان الى صف التفاهمات، التي تدور حول الاتفاق على نسبة لتوزيع المناصب الإدارية والعسكرية في كركوك، واعادة اكثـر من 3 ملايين متر مربع من الأراضي صادرها نظام صدام من “غير العرب”.
ودخلت الازمة في كركوك بنفق مظلم بعد اعادة الانتشار التي نفذتها حكومة حيدر العبادي السابقة، ردًا على الاستفتاء الذي نظمه إقليم كردستان في ايلول 2017، وشاركت فيه كركوك، حيث اجبر قوات البيشمركة على العودة الى حدود ما قبل عام 2003 أو ما يعرف بـ”الخط الازرق” وهو خط عرض 36.
احتكار السلطة
ويقول نجاة حسين، القيادي التركماني في كركوك لـ(المدى) ان العبادي “سلم السلطة في كركوك الى العرب وهم بدورهم لم يعودوا يسمعون او يتشاورون مع اي جهة اخرى، واحتكروا الاموال والوظائف”.
وكلف حيدر العبادي، في تشرين الاول 2017، راكان الجبوري، وهو نائب محافظ حينها، بادارة كركوك كأول محافظ عربي يدير المحافظة بعد 2003، حيث يؤكد الكرد انه بسبب اكتساحهم للانتخابات في كل دورة لانتخابات مجالس المحافظات، يكون المحافظ من حصتهم.
وينقسم التركمان في كركوك الى فريقين، حيث ينوي الفريق الذي ينتمي اليه نجاة حسين، الطلب من المسؤولين في بغداد “اقالة الجبوري” من منصبه وتعيين بديل عنه.
وكان فريق آخر يمثله النائب التركماني ارشد الصالحي، قد التقى في وقت سابق رئيس الجمهورية برهم صالح، عقب لقاءات منفصلة مع العرب والكرد، وحمل معه جملة مطالبات.
وينتظر الفريق الثاني مرور شهر على زيارة الصالحي الى بغداد التي جرت اواخر العام الماضي، ليقدم هو بدوره قائمة طلبات ابزرها تسمية نائب رئيس جمهورية من التركمان، واعادة الاراضي التي صادرها نظام صدام.
الأراضي المغتصبة
ويشترك التركمان والكرد في مشكلة وجود اكثر من مليون و200 الف دونم (مايعادل اكثر من 3 ملايين متر مربع) من “الأراضي الزراعية تم الاستيلاء عليها من قبل نظام صدام ولم تتم إعادتها”.
وبحسب أوامر من النظام السابق فانه تم منع كل سكان كركوك “من غير العرب” من الحصول على حق تملك كل الاراضي، فيما تقول مصادر سياسية لـ(المدى) في المحافظة انه “في عام 2007 اصدر القضاء قرارا بالغاء القرار السابق لكن الذين استولوا على الارض لم يتركوها، ثم عادوا مجددا وبقوة بعد ازمة الاستفتاء”. ووفق نجاة حسين، القيادي التركماني في كركوك ان “60% من تلك الاراضي تعود الى التركمان” والبقية الى الكرد.
لكن العرب في كركوك، يؤكدون انهم يسعون على الرغم من “عقدة الاراضي” الى حل هذه المسائل عبر الطرق العشائرية. ويضيف رعد العاصي، عضو المجلس العربي في كركوك وهو تجمع سياسي يدعم المحافظ، في اتصال مع (المدى) ان “العرب مصممين على حل كل المشاكل مع الكرد والتركمان ومنها الاراضي، لكن هناك من يحاول تخريب اوضاع كركوك بسبب اطماع بمنصب المحافظ.
تبديد الأموال
وتتهم اطراف سياسية في كركوك المحافظ راكان الجبوري، بانه انفق “45 مليار دينار” من موازنة 2019 على “اكل الكباب والتشريب” تحت بند النثريات في المحافظة.
ويواجه الجبوري، كما هائلا من القضايا المرفوعة ضده بسبب شبهات فساد، بحسب مصادر مطلعة في كركوك تحدثت لـ(المدى)، واكدت انه هناك “تدخلات سياسية لاغلاقها”.
وفاز الجبوري في الانتخابات التشريعية عن كركوك في 2018، لكنه ظل رافضا الذهاب الى المنصب على غرار ما فعله محافظ البصرة اسعد العيداني من ضمن 6 محافظين آخرين فازوا في الانتخابات.
وبحسب التسريبات ان راكان الجبوري متهم بهدر مبلغ اكثر من تريليون و400 مليون دينار، حيث افرجت عنه محكمة نزاهة كركوك مؤخرا، بكفالة، فيما يواجه اتهامات في محاكم اخرى.
في تلك الاثناء قال هدايت طاهر، نائب رئيس تنظيمات الاتحاد الوطني الكردستاني في كركوك، ان “الاتفاق بين العرب والكرد والتركمان كان قد وصل الى مراحل متطورة، حول الاراضي وتوزيع المناصب، لكن الدعاية الانتخابية خرّبت كل شيء”.
ويتهم الكرد في كركوك، المحافظ بانه يريد استخدام مخصصات موازنة 2021 للدعاية المبكرة في الانتخابات، وذلك بمنع ممثلي المحافظة في البرلمان من المشاركة في ادارة الاموال.
ويضيف طاهر: “هناك فرق كبير بين الخدمات المقدمة للمناطق العربية والكردية والتركمانية”، مشيرا الى ان كل الاموال تصرف “للعباسية، والحويجة والرياض” وهي مناطق عربية.
إيقاف الموازنة
وكان عضو مجلس النواب عن محافظة كركوك، ريبوار طه، قد طالب البرلمان بعدم صرف مستحقات المحافظة في موازنة 2021، بسبب “الادارة الفاشلة والفاسدة” في كركوك.
وقال طه في مداخلة له خلال جلسة مجلس النواب: “أطالب البرلمان بعدم تخصيص أي مستحقات مالية لمحافظة كركوك”، لافتاً إلى أن ذلك بسبب الإدارة “الفاشلة والفاسدة وغير العادلة ولأنها تفرق بين المكونات والمناطق بما يخص المشاريع الخدمية”.
ويقول القيادي الكردي في كركوك، ان “تلك المخاوف اجلت تحديد حصة كركوك في الموازنة”، مشيرا الى ان هناك “حوارات لتحديد النسبة”.
بالمقابل نفى رعد العاصي، عضو المجلس العربي في المحافظة ان يكون المحافظ قد “اعطى الاموال الى المناطق العربية”، داعيا الجميع الى زيارة كركوك ومشاهدة “تساوي المشاريع في كل المدن”.
واضاف العاصي: “الاموال التي اعطيت للحويجة وغيرها هي ضمن تعويضات المناطق المحررة والتي لا يملك المحافظ صلاحية التحكم بها”.