بقلم مهدي قاسم
من حيث المبدأ يعتبر غالبية الساسة و المسؤولين المتنفذين الذين تبوءوا مناصب مختلفة ـــ سواء تنفيذية كانت أو تشريعية ـــ يعتبرون فاشلين وفاسدين ، سيما بعد مرور 17 عاما على وجودهم في السلطة أو مواقع النفوذ السياسي المؤثر ، ليتحول بعضهم فيما بعد إلى ” نفايات سياسية ” مستهلكة لا تصلح لأي شيء ما عدا ل للكب في قمامة التاريخ فحسب ، وبالتالي فكان من المفروض لهذه النماذج الساقطة ـــ ضميريا و أخلاقيا و شعبيا ـــ أن تنزوي جانبا ـــ على الأقل ــ مرتدة نحو زاوية النسيان ، لينساهم الشارع العراقي ، و ذلك طالما لا تتوفر ظروف و إمكانية محاسبتهم وملاحقتهم الجنائية في الوقت الحاضر ، بسبب الفساد و تشابك المصالح بين الطبقة السياسية و جهاز القضاء والسلطات الجنائية ، ولكن مع ذلك تّصر على أن تظهر في فضائيات بين أسبوع وآخر ، وهي تتشدق بكل نفاق ورياء عن مظاهر الفساد و سوء الخدمات و الأزمة المالية ، و كأنها من ملائكة أطهار و أبرار !! ، و كأنها ليس لها دورها الأساسي والرئيسي ــ خلال كل هذه السنوات الطويلة ــ في خلق وإيجاد هذه المظاهر السلبية والكارثية من فساد ولصوصية وسوء خدمات و فشل إداري و التي نتجت عنها أزمات و مآس اجتماعية وفواجع وعذابات نفسية التي لا زال يعاني منها الشعب العراقي بكل مرارة و شدة حتى هذه اللحظة ..
لهذا السبب كنتُ مندهشا وغير فاهم الأسباب الدافعة أو الكامنة خلف استضافة فضائيات مرارا وتكرارا لهذه ” النفاية ” السياسية المستهلكة أم تلك ، لتتشدق عن الفساد وسوء الخدمات ، مثيرة استهجان و استهزاء بعض المشاهدين و سخط وغضب واستفزاز بعضهم الآخر ، فسألت أحد معارفي من معدي مثل هذه اللقاءات ” السياسية ” عن أسباب ودوافع الاهتمام بهؤلاء الساسة الفاسدين والفاشلين ، بدلا من تجاهلهم أو إهمالهم و والازدراء بهم احتقارا ؟ ، فقال ــ دون أن أتأكد من صحة كلامه :
ـــ إنهم هم الذين يتصلون بنا و يطلبون مثل هذا اللقاء ، طبعا مع إبداء استعداد لدفع مبلغ معين تحدده إدارة التلفزيون مقابل أن يظهروا في لقاءات كهذه ، كل ذلك بهدف ترويج وتسويق لأنفسهم ، على أمل أن يلعبوا دورا سياسيا جديدا في المستقبل القريب ، مراهنين في ذلك على أن الشارع العراقي ربما يكون قد نساهم ــ سوية مع مظاهر فسادهم وفشلهم ولصوصيتهم ــ وخاصة أن لهم علاقات متشعبة ومتداخلة و ذات طابع ديني و مذهبي و عشائري وقبلي في آن واحد ، و إنهم يعوّلون كثيرا على مثل هذه الخلفية الدينية والمذهبية والعشائرية بغية الصعود السياسي مجددا ، وخاصة أن بعضا كثيرا منهم قد نجح حتى الآن في توظيف مثل هذه العلاقة ولا زالوا في السلطة ومواقع النفوذ منذ 17 عاما ، على الرغم من أن روائح الفساد النتنة تفوح منهم بشدة وعلى بعد بعيد أيضا !..
فقلت مع نفسي مستغربا و مستاء في الوقت ذاته ـ
ــ يا لهؤلاء الأوباش الفاسدين !.. كيف يستغلون جهل و سذاجة وعواطف بعض كثير من الناس بهدف النصب والاحتيال عليهم من أجل العودة إلى السلطة ومواقع النفوذ من جديد لتكريس معاناة الناس و عذاباتهم عبر تكريس مظاهر الفقر والبطالة وسوء الخدمات إلى ما لا نهاية ..