نذالة المقاييس !

عدنان الظاهر
30 أُكتوبر 2020

نذالة المقاييس !
معاداة الساميّة
فرضت أمريكا ترامب مؤخّراً على مملكة البحرين تشريع قانون { معادة الساميّة } الذي يُعاقب بموجبه كل من ينتقد اليهود أو إسرائيل أو يعبّر عن وجهة نظره في سياسات إسرائيل أو يندد بما تصنع بفلسطين والفلسطينيين. جرت قبل فترة في ألمانيا جرجرة الروائي الشهير ” كونتر كراس ” صاحب رواية ” طبل الصفيح ” الذي تم تحويله إلى فلم نال شهرة عالمية لا أملُ أنا نفسي من مشاهدته. لماذا وما سبب تلك الجرجرة والمحاكم ؟ قال الرجل حقيقة يعرفها الجميع وأمريكا قبل الجميع أنَّ لدى إسرائيل ترسانة من الأسلحة الذريّة ! لم يقلْ الرجلُ أكثر من هذا. وضعه اليهود الألمان في خانة المعادين للسامية.
الآن …. يُسب ويُهان نبي هو آخر وخاتم الأنبياء في بعض البلدان [ الدمقراطية ] مثل فرنسا وهولندا علناً وفي صحف يومية متداولة ولا يُقدّمُ فاعلوها للمحاكم بل ويدافع الرؤساء عنهم ( ماكرون الرئيس الفرنسي مثلاً ) بزعم حرية التعبير والصحافة والإعلام ! علماً أنَّ نبي الدين الإسلامي رجل عربي ساميّ الأصل والأرومة كما يعلم الجميع. نبي يُهان … حرية التعبير ، أما نقد بعض سياسات إسرائيل وقتلها للفلسطنيين وغاراتها التدميرية على سوريا ولبنان والعراق واحتلالها للجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية ومعظم أراضي الضفة الغربية الفلسطينية بالإحتلال وتوسيع الإستيطان …. فلا يجوز الكلام عنه وإلاّ فالكلام يُعد تحريضاً ضد السامية ! والكلام عن حيازة إسرائيل للأسلحة الذرية هو تحريض ضد الساميّة !
عن أية دمقراطية وحرية تعبير يجري الحديث في الغرب وأمريكا ؟ عن أية حرية ؟ هذه حريّة تعريص لا حرية تعبير. حتى في أمريكا سخروا من نبيهم المسيح وصوروه في فلم رجلأ منحرفاً جنسياً . كيف ؟ لأنه كان يغسل أقدام حواريه وبعض مريديه حسب نصوص بعض الأناجيل. علماً أنَّ مريم المجدلية كانت تعطّر قدميه وتغسلهما بدموعها حسب نفس المصادر.
قال شاعرٌ قبلنا [ قتلُ امرئٍ في غابةٍ جريمةٌ لا تُغتفرْ / وقتلُ شعبٍ آمنٍ مسألةٌ فيها نظرْ ]. تلكم هي إزدواجية المعايير لدى حكّام البلدان الدمقراطية حيث أباد الأمريكان سكان البلاد الأصليين وقتلوا ودمروا وأحرقوا فيتنام ثم كوريا ودبروا الإنقلابات الدموية وساندوا أبشع أنواع الدكتاتوريات في أمريكا اللأتينية وأسيا وإفريقيا … في الكونغو والعراق وإندونيسيا ومصر ثم في شيللي وأمامنا اليوم أوكرانيا وبيلوروسيا وهناك ما يُحاك ضد فنزويلا وما فعلت أمريكا وحلفاؤها في حلف الناتو وخارج هذا الحلف في ليبيا وسوريا والعراق والأمثلة كثيرة .
الغريب وربما المثير للسخرية أنّ ميخائيل كورباتشوف شرّع قانون { معاداة الساميّة } في الإتحاد السوفياتي السابق رغم علمه بما فعل بعضُ اليهود في الإتحاد السوفياتي من خيانات وقتول بدأتها إمرأة يهودية بإطلاقها النار على فلادمير لينين وإصابته التي أدت فيما بعد إلى وفاته وهو حادث معروف وموثّق. ثم مؤامرة { بريّا } وضلوعه في عملية قتل ستالين ومن ثمَّ تم الحُكم عليه بالإعدام في زمن نيكيتا خروتشوف. ثم ما فعلوا بالتنسيق مع السفارة الأمريكية في موسكو في فترة الستينيات والسبعينات والثمانينيات من أعمال تجسس وتخريب وتسريب معلومات إستخبارية ساهمت ـ من بين عوامل أخرى كثيرة ـ في إسقاط الإتحاد السوفياتي وتفكيك المنظومة الإشتراكية وحلف وارشو الأمر الذي أدّى إلى وصول رجل منحرف مشبوه مدمن على الكحول ليكون على رأس السلطة فيما تبقّى من الإتحاد السوفياتي السابق.
مهزلة ! بل كارثة ! يتكلمون على حرية التعبير لكنهم يجرّمون نقد سياسات نتنياهو في قضم الأراضي الفلسطينية في الضفّة الغربية وضم القدس الشرقية وعرقلة قيام دولة فلسطينبة مستقلة بعاصمة وحدود دولية مُعترف بها برية وبحرية وفضاء إقليمي محدد. يريدون منّا أنْ نكون حسبما قال شاعرٌ ساخراً من مجمل أوضاعنا :
ناموا ولا تستيقظوا
ما فازَ إلاّ النُوَمُ
ناموا ولا تستيقظوا
إنَّ الكلامَ مُحرَّمُ
أجلْ ، الكلام علينا مُحرّم بقوانين تفرضها أمريكا حسب إرادة إسرائيل.
أعودُ للروائي الألماني المعاصر { كونتر كراس } … أنصف يهود بولندا في روايته [ طبل الصفيح ] وكشف محنتهم زمان نازية هتلر وما أحاق بهم لكنَّ ذلك لم يشفع له كلمة الحق التي قالها ـ ويعرفها الجميع ـ أنَّ إسرائيل دولة نووية. إتهموه بمعادة السامية وحمّلوه متاعب كثيرة. هذه هي دمقراطية أمريكا والغرب التي تبيح شتم وسب والسخرية من نبي عربي سامي هو الآخر ولا تمنعها ولا تُدينها بل وتدافع عنها بإسم ( حُريّة التعبير ) ومواقف الرئيس الفرنسي ماكرون اليوم أحسن دليل على نذالة ووضاعة مبدأ حريّة التعبير والتعريص .

المصدر