نحرق الغاز.. نستورد الغاز!

سالم مشكور

من يدخل الأجواء العراقية من الحدود الجنوبية ليلاً تلفت نظره عشرات الشعل النارية التي تكاد تنير أجواء المنطقة. إنه الغاز المصاحب الخارج مع النفط المستخرج والذي يحرق في الهواء. من جانب آخر يواجه العراق تزايداً في حدة أزمة الكهرباء، والسبب هواحتمال تراجع كميات الغاز الإيراني المستورد بسبب عدم تسديد أثمانه. وقبل أن نتساءل عن موقف ايران علينا أن نسأل: لماذا نحرق الغاز ونستورد أقل منه من الخارج؟. حسب تقرير صادر عن البنك الدولي، في تموز الماضي، فإن العراق يحتل المركز الثاني عالمياً وللسنة الرابعة، بين أعلى الدول التي تحرق الغاز ليذهب هباءً، وقد بلغت كمية الغاز المحروقة والمهدورة عام 2019 ما مجموعه 17.73 مليار متر مكعب مسجلة زيادة ملحوظة عن السنوات الماضية، بسبب زيادة استخراج النفط. وكالة الطاقة الدولية تقول في بياناتها أن الغاز العراقي المهدور بإمكانه تزويد ما لا يقل عن ثلاثة ملايين منزل عراقي بالطاقة الكهربائية، من خلال انتاج المحطات التي تعمل بالغاز المستورد حاليا، والذي تتجاوز قيمته ومعه الكهرباء المستوردة، مبلغ الخمسة مليارات دولار سنويا. منذ العام 2003 سمعنا الكثير عن مشاريع استثمار الغاز المصاحب، وبعد أكثر من سبعة عشر عاما نقف اليوم أمام تفاقم جديد لأزمة الكهرباء بسبب احتمال توقف الغاز المستورد، فما الذي عملته الحكومات السابقة ومن كان يعرقل هذا المشروع؟. من جانب آخر فان واشنطن تواصل ضغوطها على العراق لوقف استيراد الغاز والوقود والكهرباء من ايران في إطار سياسة الضغط والمحاصرة التي اتبعتها إدارة ترامب ضد طهران لكنّ البدائل التي تطرحها هي الاستيراد من السعودية أو دول جارة أخرى بدل أن تساعد العراق في استثمار غازه المهدور. المشكلة ليست وليدة هذا الشهر بل أن ضغوط واشنطن عمرها لا يقل عن أربع سنوات، ولو سعت الى مساعدة حقيقية للعراق، عبر شركاتها العملاقة، في بناء مشاريع استثمار الغاز المصاحب، لكان الانتاج بدأ وأصبح العراق مكتفياً ذاتيا بدل إنفاق خمسة مليارات دولار سنوياً، ولكانت الكهرباء في حال أفضل. كثيرة هي الـ “لو” التي نقولها بشأن ما تمنينا إنجازه ولم ينجز، بفعل قصورٍ وفسادٍ وعدم حزمٍ من جانب حكومات تحولت الوزارات في ظلها الى مصادر تمويل للطوائف السياسية، بدل بناء البلد.المصدر