موصليون يرفضون بيع ركام البيوت إلى غرباء وينتظرون تعويضات الحكومة

يمر بدران بكري كل ثلاثة ايام من أمام محلة الميدان، وسط الموصل القديمة، فيجد رأس الزقاق الذي كان يسكنه منذ عقود مغلقا بالانقاض.

ذاع صيت المدينة القديمة، الواقعة في الساحل الأيمن للموصل حين قام تنظيم داعش في حزيران 2017 بتفجير منارة الحدباء وجامع النوري الكبير (ما زالا مدمَّرين حتى اللحظة) في وقت كان فيه الجيش يقترب من فرض طوق محكم على تلك المنطقة لتحريرها.

وفي تموز من نفس العام انتهت القوات العراقية من عقدة المدينة القديمة، لكنّ نسبة الدمار وصلت في بعض الأحياء إلى 100%، فيما لا تزال الحكومة محتارة في مصير تلك البقعة التي بدت وكأنها تعرضت لزلزال مدمِّر.

وسوَّت الحرب ضد داعش التي استمرت 9 اشهر في نينوى، 35 ألف منزل في المحافظة، بينها 15 ألف في المدينة القديمة فقط.

ويقول بكري لـ(المدى) انه بعد الحرب تحول للسكن في الضفة الاخرى من نهر دجلة (ساحل الموصل الايسر) “لكن بيتي ما زال في الصوب الثاني وازوره في الاسبوع مرتين او ثلاثة رغم انه مدمر”.

استخدم الجيش في الاشهر الاخيرة من تحرير الموصل، مقذوفات ثقيلة لحسم المعركة، حيث كانت حكومة حيدر العبادي حينها في مأزق امام العالم.

وكانت القذائف التي سقطت على المدينة القديمة (تقدر بالآلاف)، تزن الواحدة منها أكثر من 200 كيلوغرام.

واستطاع داعش ان يؤخر عملية تحرير الجانب الايمن من الموصل لـ3 اشهر، بعدما منع نحو 100 الف نسمة من الخروج من المدينة القديمة.

ثم اخذ التنظيم بعد ذلك يفخخ المنازل في وسط الموصل، ضمن سياسة الارض المحروقة تمهيدا لهروبه من المدينة.

وقبل اقل من عام قال خبراء في الامم المتحدة، إن نحو 70% من الألغام والعبوات المتفجرة، التي زرعها تنظيم داعش في الموصل، ما تزال تحت الأنقاض.

ووضع داعش شحنات ناسفة في المنازل أو على مسافات منتظمة في “أحزمة” يصل طولها إلى 10 كيلومترات، بحيث تزرع شحنة ناسفة كل مترين.

وتحتوي كل شحنة على ما بين 10 و20 كيلوغرام من المتفجرات بدائية الصنع.

وتقدر مصادر في الموصل لـ(المدى)، ان 10 احياء ضمن محيط يصل الى اكثر من 8 كم مربع في المدينة القديمة ما زالت مدمرة بالكامل، وقد تضم تحتها جثثا ايضا.

ينتظر بدران بكري، وهو متقاعد واغلب راتبه يذهب لسداد نفقات بيت مستأجر، بانه “ينتظر تعويضات من الحكومة او حتى رفع الركام من بداية الزقاق الذي يقع فيه منزله القديم لاعادة ترميمه”.

وقدرت الامم المتحدة حجم الانقاض التي سقطت في الموصل بنحو 7 ملايين طن، وهو ما يعادل 3 اضعاف حجم هرم الجيزة الاكبر في مصر.

ويقول مسؤولون في الموصل ان عملية اخلاء الانقاض تحتاج الى اموال هائلة.

وكانت 100 مليار دينار قد اعطيت بعد تحرير الموصل لرفع الانقاض، واغلبها كان “اعمالا على الورق”، بحسب المسؤولين.

وسلمت تلك المبالغ حينها الى المحافظ السابق نوفل العاكوب، الذي تسربت معلومات العام الماضي، عن اعتقاله بعد إدانته باختلاس 64 مليون دولار من أموال الإعمار ومساعدات النازحين في نينوى.

بالمقابل يؤكد محافظ نينوى الحالي، نجم الجبوري، ان المبالغ المخصصة لإعادة تأهيل ما دمرته الحرب في المحافظة تفوق تكاليفها الحصة السنوية من الموازنة بأكثر من 30 ضعفاً.

واضاف الجبوري في تصريحات سابقة ان “الخبراء قدروا حجم الضرر بـ 15 مليار دولار كحد أدنى، لكن ميزانية نينوى تصل في أحسن الأحوال إلى نصف مليار أو يزيد قليلاً”. وبسبب الازمة المالية لم تستطع الحكومة تعويض سكان نينوى، حيث وصلت معاملات التعويض لاكثر من 100 معاملة، بينما ماتم النظر به هو 2500 معاملة فقط.

وفي الاساس فان مبالغ التعويضات، في حال تم صرفها، فستكون بنحو ربع قيمة المنزل او المكان التي تعرض للضرر، وهو قد يشجع اصحاب تلك الدور لقبول عروض البيع.

وقبل نحو عامين، بدأ مستثمرون ايرانيون واتراك بشراء الأراضي والبيوت المدمّرة في المدينة القديمة.

وتوقف ترويج المعاملات في التسجيل العقاري منذ مدة، وتعتمد عمليات البيع والشراء على قرارات قضائية، وهو أمر تصعب من خلاله معرفة هوية المشترين.

وبحسب المصادر أن عمليات البيع تجري عبر وسطاء (دلالين) من الموصل، وتكون الصفقة بالشكل الآتي: الأرض التي يبلغ سعرها 200 مليون تباع بـ10 ملايين او أقل.

وفي 2019 كان قد عرض محافظ نينوى السابق منصور المرعيد، أثناء تجواله في المنطقة القديمة، أن يبيع السكان منازلهم وأراضيهم لغرض الاستثمار.

وتسبّب الكلام، الذي بثّ على قناة تلفزيونية محلية حينها، بإثارة غضب الناشطين، وأطلقوا حملات للمقاطعة ورفض بيع “تراث الموصل”.

لكن المرعيد الذي كان مقربا من الحشد الشعبي، عاد بعد ذلك وأصدر توضيحاً نفى فيه تقديم ذلك العرض.

وقال المرعيد الذي اقيل بعد 6 اشهر من انتخابه كمحافظ لنينوى إن هناك “مقترحات” من عدة جهات لتغيير شكل المناطق المحاذية لنهر دجلة التي تدمرت بالكامل إثر العمليات العسكرية.

الى ذلك يقول حسين حاجم، قائممقام الموصل السباق ان “بيوت المدينة القديمة هي طابو صرف واهل الموصل متمسكون باملاكهم”.

ويؤكد بدران بكري ذلك الكلام ويقول: “اقبل ان تبقى داري مدمرة على ان اجد غريبا يسكن فيها”.

المصدر