محللون: زيارة الرئيس الفرنسي حركت ملف ملاحقة حيتان الفساد

ترجمة / حامد احمد

اقدم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، على تشكيل لجنة خاصة تركز اهتمامها على الفساد وتحقق بالقضايا الكبرى المتعلقة به، واعطى توجيهات بمنحها صلاحيات استثنائية، وبهذا فانه يعد نفسه لشن حملة على حيتان الفساد في البلاد .

وعند النظر في قائمة أعضاء اللجنة الجديدة والامعان في التخويلات الامنية التي سَيتم بموجبها تنفيذ مهام ملاحقة واعتقال الاطراف المُدانة، سيتولد انطباع لدى المرء من انه هناك نية حقيقية لملاحقة ومتابعة اسماء قد يتضح بانها من شخصيات الصف الامامي .

اختار الكاظمي الفريق والخبير الحقوقي، احمد طه هاشم، الذي خدم سابقا كمسؤول رفيع المستوى في وزارة الداخلية، ليكون رئيسا لهذه اللجنة. ولأجل اسناد هاشم، عين الكاظمي مسؤولا رفيع المستوى في جهاز المخابرات، واعطى مسؤولية تنفيذ أوامر القاء القبض لجهاز مكافحة الارهاب الذي يترأسه الفريق عبد الوهاب الساعدي الذي كسب شهرة خلال الحرب ضد داعش. عزز رئيس الوزراء الكاظمي اللجنة بممثلين عن اجهزة امنية واستطلاعية اخرى، وأرفد مكاتبها ودوائرها بعدد كبير من المنتسبين . الامر التنفيذي الذي وقعه الكاظمي يُعطي اللجنة التحقيقية الخاصة الحق باستدعاء أي عراقي للادلاء بافادته، ما عدا الذين هم متهمين اصلا كمتورطين رئيسين في قضايا تقع ضمن السلطة القضائية لهذه اللجنة، هؤلاء يتولى القضاء أمرهم. واستنادا لتفسيرات من خبراء قانونيين، فان اللجنة الجديدة بامكانها استدعاء جميع رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان السابقين بالاضافة الى جميع الوزراء والمسؤولين والمنتسبين والتجار ورجال الاعمال الذين لم يتم اتهامهم رسميا بقضية فساد.

وبامكان اللجنة ايضا اعادة فتح ملفات قضايا سابقة تم تعليقها واستدعاء متهمين سابقين والتحقيق معهم، الذين أما تمت تبرئتهم أو ادانتهم أو ما يزالون قيد المحاكمة، شريطة ان تصدر أوامر قضائية لفعل ذلك، لكي لا يحصل تداخل في عمليات التحقيق .

أصداء تشكيل هذه اللجنة، وخصوصا تشكيلة اعضائها، قد اثارت ردود افعال حماسية على مواقع التواصل الاجتماعي، وكثير من المعلقين ونشطاء الانترنيت اعلنوا مبتهجين ان الحرب الحقيقية على حيتان الفساد قد بدأت .

احسان الشمري، خبير العلوم السياسية من جامعة بغداد، يعتقد ان “تفويض جهاز المخابرات لتنفيذ قرارات متعلقة بقضايا فساد هو مؤشر لمواجهة مسلحة قادمة مع قادة ومافيات الفساد.” مراقبون يضعون هذا التطور ضمن اطار دعوة دول اقليمية وعالمية العراق للوقوف بوجه الفصائل المسلحة ووضع حد لهيمنتهم على مقدرات البلاد السياسية والاقتصادية والامنية.

المحلل السياسي أحمد الأبيض يقول ان ساعة الصفر يبدو بانها اقتربت جدا في العراق، مشيرا الى العلاقة بين هذه التطورات وزيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للعراق .

وقال الابيض انه يمكن الفهم من زيارة الرئيس الفرنسي على انه “يلعب دور الوسيط لنقل التحذير الاخير للفصائل المسلحة.”

واضاف بقوله “الاختبار الصعب الحقيقي لجدية الكاظمي بخصوص فرض السلطة وهيبة الدولة قد بدأ الآن .” مع ذلك فان الشكوك في فرص نجاح حملة الكاظمي ضد حيتان ومافيات الفساد ما تزال قائمة، خصوصا ما يتعلق بالحصانة السياسية التي يتمتع بها هؤلاء الافراد، وكذلك العلاقات المقربة لأكثرهم مع طهران والتي من شأنها ان تربك الوضع من خلال الايعاز لفصائل مسلحة بالتحرك .

هذا ما يدعو كثير من المراقبين الى الإبقاء على شكوكهم ازاء نجاعة وكفاءة اي حملة قانونية لجلب حيتان الفساد للقضاء طالما هناك شكوك تحوم حول ارادة واستعداد القوات المسلحة العراقية للدخول بمواجهة مباشرة مع فصائل مسلحة تحمي هؤلاء الفاسدين. الاشهر القليلة القادمة ستفصح بكل تأكيد عن اختبار حقيقي فيما اذا تكون هذه الحملة مضمونة.

منذ أن تسلم مصطفى الكاظمي منصبه رئيسا للحكومة، في ايار الماضي، وهو يحاول، على ما يبدو، إنقاذ البلاد من “إرث” ثقيل خلفه سلفه عادل عبد المهدي، الذي منح الجماعات المسلحة مطلق الحرية للسيطرة على العراق سياسيا وأمنيا واقتصاديا، وفق ما يرى مراقبون.

خلال الأشهر الماضية اتخذ الكاظمي مجموعة من الإجراءات للسيطرة على السلاح المنفلت، وانهاء الفساد الذي ينخر في جميع مؤسسات الدولة ويساهم في تضخيم الموارد المالية للأحزاب السياسية والميليشيات.

ويوم السبت، أطلقت الحكومة العراقية عمليات تفتيش واسعة للبحث عن السلاح والمطلوبين في بغداد والبصرة، بعد تزايد عمليات الاغتيال التي طالت ناشطين في الاحتجاجات الشعبية.

وقال الباحث في سياسات الشرق الأدنى بمعهد واشنطن وهاب بلال إن “الكاظمي يعمل بجد من أجل انهاء نفوذ الجماعات المسلحة، وكان هذا واضحا من خلال الهجوم على مقر كتائب حزب الله، رغم أنها لم تأت بنتائج إيجابية على الصعيد الداخلي العراقي”.

واضاف في حديث لموقع (الحرة) أنه “بعد هذه الحادثة، توصل الكاظمي إلى حقيقة أن المواجهة المباشرة مع الميليشيات ليست الطريقة الأمثل، وبدلا عن ذلك أخذ يعتمد طريقة تجفيف مصادر تمويل هذه الجماعات. فبدل أن يحاربها، أعلن عن حملة لمحاربة الفساد والسيطرة على المنافذ الحدودية”. وتابع أن “قطع التمويل بدل المواجهة العسكرية كان خطوة ذكية من الكاظمي”. واوضح بلال وهاب: “يجب أن ننتظر ما سيقدم عليه الكاظمي. ما زال من المبكر الحديث عن نجاح الخطوات الأخيرة من عدمه”، مرجحا أن “تحاول الميليشيات تقويض هذه الخطوات بطرقها الخاصة”. واشار الى أن “مبادرات (الكاظمي) الجديدة، جزء منها مرتبط بمحاولات فرض نفسه كرئيس وزراء جديد وإلغاء إرث عادل عبد المهدي، ومن جانب آخر هو يحاول إرضاء المحتجين، الذين لولاهم لما وصل للحكم”. ويختتم وهاب بالقول: “أيضا جزء من هذه الخطوات مرتبط بزيارته للولايات المتحدة والدعم السياسي الذي حصل عليه من واشنطن”. وأظهرت الأحزاب والفصائل مدعومة من إيران عداء متواصلا للكاظمي، حتى قبل توليه رئاسة الحكومة، حيث تتهمه بالميل لصالح المحور الأميركي والتورط في مقتل الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب قائد الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس. ورأى مراقبون أنه بدون مواجهة الفصائل المسلحة فإن أي جهود للإصلاح السياسي والمالي في العراق ستكون جزئية، لكنهم اضافوا أن ملاحقة المسلحين بشكل علني قد يعرض البلد للخطر ويعرقل قدرة الحكومة على إجراء أي إصلاح. وقال المحلل السياسي رعد هاشم إن “شبح قرارات وتوجهات عبد المهدي لا تزال هي السائدة في الوسط الأمني والسياسي”، مضيفا أن “الكاظمي يعمل على تقليص هذه السطوة والنفوذ من خلال خطوات لجس نبض الشارع واكتشاف ردة فعل الميليشيات الموالية لطهران”.

يصف هاشم لـ(الحرة) ما يقوم به الكاظمي بأنها “مراحل تمهيدية، فهو لديه النية للتقدم وليس كسلفه الذي سقط في أحضان إيران ووفر للميليشيات الدعم الكامل”.

ويلفت إلى أن رئيس الحكومة “يعمل بخطوات بطيئة صحيحة، لكنها فعالة بعض الشيء”.

عن موقع أراب ويكلي AW الإخباري، وموقع الحرة

المصدر