جبار بچاي
16 شهراً بالتمام والكمال مضت على اغلاق مبنى ديوان محافظة واسط، منذ الخامس والعشرين تشرين الأول 2019 وحتى فتحه في الخامس والعشرين من شباط 2021، تلك الفترة الطويلة ظل خلالها المبنى مغلق كلياً ولم تدخله أي جهة سوى حراسه من أفراد الشرطة ضمن قوة حماية المنشآت، كما سمح المتظاهرون لدخول موظفي قسم البستنة لإدامة الحدائق وتنظيمها وسقيها بمعدل مرة في الاسبوع.
المبنى لا تفصله عن ساحة التظاهرات والاحتجاجات سوى بضعة أمتار إلاّ أنه ظل مهاباً أمام المتظاهرين ولم يمسه أي ضرر يذكر على عكس الاعتقاد السائد أن المبنى قد يتعرض للحرق والتخريب، بل العكس فأن الجدران الخارجية للمبنى أصبحت عبارة عن لوحة جميلة باهرة بعد قيام الناشطين من الشباب والفرق التطوعية وطلبة كلية ومعهد الفنون الجميلة برسم لوحات على امتداد الجدار تعكس أهداف ثورة تشرين وترمز الى الشهداء ووحدة العراق ويجسد قسماً منها الجوانب الحضارية والعمرانية في المحافظة والعراق عموماً .
محاولات فشلت
جهود كبيرة بذلتها الحكومة المحلية بجميع أطرافها ومحاولات عديدة جرت من قبل بعض الشيوخ والوجهاء بهدف التأثير على المتظاهرين وقبولهم بفتح المبنى كي يمارس الموظفين فيه أعمالهم وإنجاز المعاملات المتعلقة بالمواطنين لكن كل المحاولات لم يكتب لها النجاح على مدى أكثر من عام أمام إصرار المتظاهرين على إغلاقه والطلب بإقالة الحكومة المحلية ممثلة بالمحافظ ونائبيه في وقت توزعت أقسام ديوان المحافظات في أكثر من عشرة مواقع لمواصلة عمل الموظفين وسط تذمر شديد لاسيما من قبل المراجعين الذين يتطلب الأمر لدى البعض منهم أن يقضي عدة أيام لإنجاز معاملة معينة وهو يدور بين تلك الأقسام المتباعدة بعضها عن البعض الآخر في أغلب المواقع.
استمرت فترة غلق المبنى 487 يوماً بضمنها أيام حظر التجوال الشامل التي فرضتها الحكومة العام الماضي وهذا العام بسبب جائحة كورونا قبل أن يتم افتتاحه من قبل المتظاهرين أنفسهم يوم الخميس الماضي الموافق الخامس والعشرين من شباط 2021 بحضور معاون المحافظ للشؤون الإدارية ، المهندس نبيل شمة وقائد شرطة المحافظة وعدد من مديري الدوائر الخدمية وقادة الأجهزة الأمنية ورافق ذلك القيام بحملة آنية وسريعة لتنظيف المبنى ورفع الاسلاك الشائكة التي كانت تغلق بواباته وشهد في ذات اليوم أول اجتماع يعقد فيه منذ 16 شهراً رأسه المعاون الاداري لمدراء الدوائر وخلية الأزمة .
شروط
قصة فتح المبنى تحمل الكثير من الغموض وأخذت تفسيرات عديدة، فكل طرف يفسر على أهوائه ووفق رغباته أو قناعاته لاسيما إنها جاءت بالتزامن مع إصابة محافظ واسط محمد جميل المياحي بفايروس كورونا مع عدد موظفي مكتبه وحجر نفسه لحين يتماثل للشفاء وفق ما أعلنه بنفسه في بيان عبر حسابه الخاص ونشره الموقع الرسمي لديوان المحافظة.
لكن الحقيقة لها وجه آخر ، فعملية فتح البناية جاءت بتوافق مابين المتظاهرين والحكومة المركزية في بغداد وبين السلطات الأمنية بالمحافظة وهي بذات الوقت تمثل بادرة حسن نية من جميع الأطراف لكن بشروط فرضها المتظاهرون ، الأهم فيها أن لا يدخل المبنى أي من المحافظ ونائبيه في هذه المرحلة ( على حد قول المتظاهرين ) وإقالة الحكومة المحلية إذا ما استقرت الأمور فعلاً ومضت الحياة بشكلها الطبيعي في المحافظة دون أن يكون هناك قطع للشوارع وحرق للإطارات وتعطيل للدوام ومصادمات بين المتظاهرين والقوات الأمنية كما حصل في مرّات عديدة سابقاً واسفرت عن استشهاد عدد من المتظاهرين وحصول إصابات عديدة بينهم وبين أفراد القوات الأمنية .
سلمّنا الأمانة
أحد أبرز ناشطي الاحتجاجات في واسط المكنى أبو شجاع الكناني وهو شقيق الشهيد حسن جبار الكناني، أحد شهداء ثورة تشرين في محافظة واسط الذي استشهد خلال تشرين الأول 2019 هو من فتح البوابة الخارجية للمبنى بحضور معاون المحافظ الإداري وقائد الشرطة ومسؤولين آخرين وسلّم المفتاح الى معاون المحافظ للشؤون الإداري نبيل شمة.
وقال أبو شجاع في حديث أمام عدد من وسائل الإعلام بينها (المدى) التي تواجدت لحظة افتتاح المبنى « بعد أن أغلقنا المحافظة لمدة 16 شهراً احتجاجا على الحكومة المحلية إضافة الى مطالبنا المركزية الأخرى ، ها نحن اليوم نفتح البناية ونسلم المفتاح (الأمانة) الى الاستاذ نبيل شمة ونأمل أن يكون على العهد الذي قطعناه سوية.»
وأضاف أن « فتح البناية مشروط بتولي معاون المحافظ للشؤون الإدارية نبيل شمة إدارة شؤون مدينة الكوت وبصلاحيات واسعة من أجل إنجاز معاملات المواطنين وتنفيذ المشاريع العمرانية والخدمية مع الابقاء على شرطنا الرئيس بإقالة الحكومة المحلية وبخلاف ذلك سنعود مرة ثانية لغلق البناية .»
وكان الناشط وأحد أبرز قادة الاحتجاجات في واسط، أبو شجاع قد تعرض للاعتقال أواخر العام الماضي وفق مذكرة قبض صدرت بحقه بتهمة الدكة العشائرية والتي وصفت من قبل المتظاهرين وأبناء عشيرته أنها تهمة كيدية القصد منها الضغط على المتظاهرين ، وأطلق سراحه بعد موجة احتجاجات غاضبة قادها المتظاهرون أمام قيادة شرطة واسط وأمام محكمة استئناف واسط التي قررت الإفراج عنه .
اتفاق مع الحكومة المركزية
الناشط في تظاهرات واسط ، المحامي سجاد سالم قال أيضاً « ها هم ثوار واسط الذين أغلقوا مبنى ديوان المحافظة في تشرين الأول 2019 يقومون بفتحه والسماح لجميع الموظفين بالدوام وتقديم الخدمات للمراجعين وهذا جاء على خلفية الاتفاق مع الحكومة المركزية.»
وأضاف « وافقنا على فتح مبنى ديوان المحافظة بعد تكليف أحد معاوني المحافظ بإدارة شؤون مدينة الكوت وتوابعها وبصلاحيات واسعة دون أن يكون للحكومة المحلية السابقة أي حضور أو تواجد وبخلاف ذلك سنعيد غلق المبنى من جديد وهذا جوهر الاتفاق مع الحكومة المركزية .» منوهاً الى أن « الاتفاق مع الحكومة المركزية فيه خطوات لاحقة» دون أن يكشف عنها .
موضحاً « لقد اتخذنا تلك الخطوة كبادرة حسن النية ومن أجل المواطن الواسطي الذي كان شريكاً معنا في التظاهرات طوال الأشهر الماضية وسنقدم كل الدعم والإسناد للإدارة الجديدة ولدوائر المحافظة للنهوض بمستوى الأداء بشرط أن لا يكسر الاتفاق لأن في ذلك إعادة للمربع الأول .»
نبيل شمة: أنا مكلف ولست محافظاً
من جانبه قال معاون محافظ واسط نبيل شمة « لقد شهدت مدينة الكوت خطوة إيجابية جبارة أقدم عليها الأخوة المتظاهرين ممن يحملون نفساً وطنياً صادقاً ومحبة لمحافظتهم حين وافقوا على إعادة افتتاح مبنى ديوان المحافظة بعد فترة إغلاق استمرت 16 شهراً.»
وأضاف أن « هذا الإجراء جاء بالتعاون مع المتظاهرين وذوي شهداء التظاهرات وسيضعنا أمام مسؤولية وطنية وتاريخية كبيرة لخدمة أبناء المحافظة ومدينة الكوت على وجه الخصوص وسنعمل جميعاً يدا بيد لتحقيق تطلعات المواطن الواسطي.»
وقال « لم أكلف رسمياً بمهمة محافظ واسط، وأنا لست محافظ لواسط الآن إنما أحمل صفتي الوظيفية معاون المحافظ للشؤون الإدارية لكني كلفت بإدارة مدينة الكوت وتوابعها من الوحدات الإدارية وسوف أحرص على ذلك بالتعاون مع الجميع»
وفيما لم يبينُ شمّة على وجه الدقة الجهة التي كلفته بإدارة ديوان المحافظة ، هل هي من بغداد أم أن التكليف جاء من المحافظ محمد جميل المياحي الذي يتمتع بإجازة طبية لإصابته بكورونا ، أم أن التكليف جاء من المتظاهرين ، أشار الى أن « دوام جميع الأقسام والموظفين سيكون في ديوان المحافظة اعتباراً من يوم الاثنين، الأول من آذار ، وسيرافق ذلك الشروع في حملة خدمية كبرى والعمل على وضع نصب تذكاري في ساحة التظاهرات يعكس صمود وتضحيات المتظاهرين الذين كانوا يحملون حساً وطنياً وحرصاً على خدمة محافظتهم.»
في غضون ذلك يرى مراقبون ومختصون أن تكليف المعاون الإداري نبيل شمة بإدارة شؤون المحافظة من صلاحيات المحافظ محمد جميل المياحي الذي يتمتع بإجازة أصولية ولا يوجد سند قانوني للتكليف لو كان من جهة أخرى .
مؤكدين أن «الإجراء جيد ومناسب في الوقت الحاضر والهدف منه درء الفتنة وإعادة الدوام في المحافظة كي يتمكن الموظفون من أداء واجباتهم من خلال تقديم الخدمات للمراجعين إضافة الى المضي بالأعمال والمشاريع التي تشهدها المحافظة».