لماذا يتسابق الحكام العرب الارتماء في احضان الصهيونية
لقد صدق صاحب مقولة يأمة ضحكت من جهلها الامم. بعد هذا الانهيار المروع الذي يتسابق فيه حكام الدول العربية لارضاء عدو تاريخي غدر بالانبياء ولا يزال ينتهك حرمات العرب والمسلمين. انصياع هؤلاء الحكام لا يتعلق فقط بالتنازل والخضوع لاسرائيل في المجال الإقتصادي والعسكري والاستراتيجي. إنما اظهر الشك في أصولهم العربية الإسلامية وأكد الخلل الكبير في وطنيتهم وعلاقتهم بشعبهم. يظهر بانهم مضطرين للنفاق أمام شعبهم لان حقدهم على العرب والمسلمين لا يرتقي إليه الشك ابدا. ارتضوا لانفسهم التخلي عن دين ارتضاه الله للناس اجمعين.
لقد فتح مشايخ الخليج الطريق أمام مسلسل هزائم منكرة ستختفي على اثرها دول عربية وتتحول أخرى إلى شركات وكيلة لاسرائيل تلهث وراء المشاريع الفضاضة وجمع ثروة السحت الحرام. باتت المخاطر تهدد وجود العرب من قبل اعراب الخليج والمشايخ الذين تعودوا على الحياة الدنيئة الرذيلة الفاسدة.
لقد كانت الجامعة الإسلامية منذ فجر نور الاسلام قوية نوعا ما وموحدة للامة وجامعة لشملها “كنتم خير امة أخرجت للناس تامرون بالمعروف وتنهون عن المنكر”. ثم تحولت الامة إلى المسار القومي العربي الذي فشل في الصمود أمام التحديات منذ بدايته. ثم فرض المسار العشائري الطائفي المناطقي نفسه بفعل المستعمرين حيث قسم المقسم وفتت المفتت. تحول بعض العرب الذين في قلوبهم مرض يتامى بعد أن ضيعوا كرامتهم وباتوا يستنجدون بهذه القوة أو تلك لمدارات مصالحهم الانانية. قبل هؤلاء العرب أن يكونوا لعبة مسيرة بيد غيرهم فاصبحوا يحيكوا الحيل والغدر والمكر بعضهم للبعض الاخر ليفوزوا برضى هذا المستعمر أو ذاك. لقد عزل الفكر الاسلامي الحقيقي المتوازن عن التعليم وافرغ من محتواه. ثم عزل وسجن وقتل الاتقياء الانقياء العدول المتشبثين بهويتهم. باتت اكثرية المجتمع العربي لا تبالي بصعود وقيادة الرويبضات الجهلة لمصالح الامة.
لقد انحرفت الكثير من الحركات الإسلامية الوطنية العربية عن الصراط المستقيم. فالاتجاهات الإسلامية الفقهية اليوم شوهتها المصالح المادية وضغوطات سلاطين الظلال. لقد شابتها ايضا الكثير من مثالب الجاهلية الأولى.
الحليم اليوم حيران ولا يدري أي مرض من الأمراض العضال يعالج وكيف. فالعالم العربي الاسلامي منقسم على نفسه وكل فريق يكفر الفريق الاخر ويتهمه باشنع الاوصاف. لكن ومن الواضح ان الفريق الأشد فتكا للاسلام والمسلمين هم حكام ومشايخ الخليج الذين كان لهم السبق بخيانة الاوطان. فمنذ نهاية القرن التاسع عشر كانوا لعبة طيعة بيد بريطانيا ثم تحول ولائهم الى أمريكا. ثم فرضت عليهم الاخيرة القبول بهيمنة التمدد الصهيوني على بلدانهم. لقد سمح اعراب الخليج من تحقيق حلم اسرائيل الكبرى للشروع في تأسيس دولتهم من النيل إلى الفرات. كما ان انحراف بعض المذاهب الإسلامية من الوهابية والسلفية والصوفية والشيعة الذين انسخلوا عن الاسلام وادخلوا فيه من الخزعبلات والتراهات الكثير ثم عطلوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واطاعوا السلطان الجائر أو تحالفوا مع الامريكان أو الروس ضد المسلمين. هناك ايضا الاحزاب الإسلامية التي تبرر كل الخطايا والاثام لمصلحة حزبها دون ورع وخوف من الله. انها احزاب اعتبرت نفسها كممثل وحيد يدافع عن مصلحة الاسلام والمسلمين. لانها تعتبر نخبها مختارة وينبغي من عموم المسلمين ان يبايعونهم. هناك بعض اليساريين والليبرالين الذين كان المجتمع يتمنى من وراءهم الخير بعد انحراف الإسلاميين. لكنهم وقعوا أيضا ضحية حب المال والسلطة وخانوا الاوطان وتسابقوا لخدمة أمريكا واسرائيل. لكن الاسوء من هذا وذاك ما يسمون أنفسهم بالجهادين كداعش والقاعدة واخوانهما فقد وفروا الغطاء الشرعي لامريكا وروسيا واسرائيل من الدخول للمنطقة.
لا يدري العرب المخلصون العدول ومحبيهم من اي وجوه قبيحة يتخلصون وكيف السبيل. فقد سرقوا الاوطان ونصبوا أنفسهم كقادة وأئمة لشعوب أغلبهم وافدة ولا يملكون جنسية. هل من الممكن اصلاح ما افسده الدهر من اولياء الأمور الذين تولوا الصهيونية العالمية.
الامور أصبحت وامست واضحة فالداء معروف منذ عقود طويلة كما ان الدواء ليس بمجهول. لكن الشعوب العربية تعبت من النضال والجهاد فتركت مسؤولياتها لتعيش في الذل والهوان من قبل المستعمرين الجدد ووكلائهم. هناك الكثير من الحلول المطروحة لكن أي حل بحاجة إلى تضحيات طويلة. فالحل الثوري قد نجح في التغيير وسبق ان قامت به شعوب كثيرة كفرنسا والجزائر وفيتنام وروسيا وإيران وأمريكا والصين. اما الحلول الاصلاحية فقد نجح بعضها وقامت بها شعوب عربية كثيرة أثناء فترة الربيع العربي عام 2011.
أن أي شعب يريد الكرامة والعزة والاستقلال الحقيقي والاحتفاظ بهويته يجب عليه أن يضحي ويراقب قادته دون كلل أو ملل. من المعلوم وبعد التجارب الكثيرة يمكن القول بإن تضحية الشعوب العربية المادية والبشرية ستكون اقل تكلفة بكثير مما تضحي به اليوم وغدا من خسائر فادحة اضافة الى المذلة والمهانة والعبودية. كما ان اسرائيل وأمريكا لن تستطيع الحفاظ على عروش عملاءها ووكلاءها من السقوط مثلما لن تدعمهم اقتصاديا كما يتوهمون. فمن المعروف أن أمريكا واسرائيل لا يعطون مساعدات لاحد بالمجان. اما الوعود المعسولة فتتعلق بالتصدق باموال واراضي العرب بالقوة والاكراه ومنحها للغير. فتطبيع المغرب مع اسرائيل لم يكلف أمريكا سوى الاعتراف بارض عربية الصحراء إلى أرض عربية المغرب. ولم يكلف تطبيع السودان مع اسرائيل سوى التلويح بشط اسم السودان من قائمة الارهاب الذي لا يكلفها شئ. اما مشيخات ومملكات الخليج فيكفيهم التلويح بالخطر الايراني المزعوم. ان أمر مشيخات الخليج عجيب فهم يحترمون مذليهم من الصهاينة الذين يحتلون اراضي أشقاءهم ويعيثون في المنطقة فسادا وارهابا واغتيالا. في الوقت الذي تحذر امريكا المنطقة من خطر ايران الوهمي.
ان العالم اجمع يعلم ان من احتل واغتصب فلسطين ثم القدس وسيناء والجولان والضفة الغربية هم الصهاينة. أنهم هم الخطر الحقيقي والارهاب الممارس على الأرض منذ عام 1948. هذا العدو الذي يسانده أمريكا وروسيا واوربا والصين توسع في عنجهيته بسرعة نحو سوريا والاردن ومصر ودول الخليج والسودان والمغرب والقائمة مفتوحة وفي توسع. الغريب في حكام الخليج المطبعين انهم يحترمون ويقدسون ويركعون لمن يحتقرهم ويذلهم وياخذ ثرواتهم غصبا عليهم كاسرائيل وامريكا. في حين يتفرعنون ويظلمون ويحتقرون أي صوت عربي اسلامي مخلص يعترض نهجهم الخياني.
الدكتور نصيف الجبوري