مع مرور الايام والسنين نرى مصداق هذا الحديث الشريف (رغم ضعفه) يترجم واقع الحال. فالعرب في تراجع مذهل على جميع الاصعدة الثقافية والعسكرية والاستراتيجية والعلمية. الأمر لا يخص الحكام فقط إنما الشعوب أيضا. هذا الحال الماساوي يذكرنا بمثل عربي معروف لشخص أراد أن يشتري سمكة من احد الباعة المتخصصين. فلما مسكها المشتري راى البائع أنه يشم رائحة السمكة من الذيل. تعجب البائع من هذا الصنيع فقال للمشتري أن كنت تريد معرفة فساد السمكة فعليك أن تشم الرائحة من جهة الرأس. فقال له المشتري انني أعلم بأن السمكة فاسدة من الرأس منذ فترة طويلة. لكنني أريد أن اتاكد هل وصل فسادها ونتانتها الى الذيل.
هكذا كان ولا يزال وضع عامة العرب كحال السمكة سابقة الذكر. اذ أن الفساد المستشري أو الحيادية السلبية المهملة للفساد وصل إلى الاغلبية الشعبية. سواء اؤلئك الذين اصبحوا ذيول أو اذناب للمحتل الأمريكي والايراني. أو الذين يخافون من قول الحق وارتكنوا إلى الراحة والدعة وبقوا يتفرجون على غرق بلدانهم دون ان يحركوا ساكنا.
لقد حذرت ايتين قرانيتين من سورة الاعراف من شان اغلبية الشعب الساكت عن الظلم بأن مصيره مجهول وقد يذوق العذاب البئيس. اذ قسم القران الكريم الناس إلى ثلاثة فرق. فرقة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتتحمل مسؤلياتها فسينجيها الله في الدنيا والاخرة. وفرقة فاسدة مفسدة لا تبالي بأحد ولا تسمع اية نصيحة فلها عذاب اليم في الدارين. وفرقة محايدة اهملت مسؤليتها وتخاف وترتجف من قول الحق وتركت الحبل على غاربه للظالمين. فلا ببالي بها الله ولا قيمة لها وهي أقرب الى العذاب. فقال تعالى ‘واذ قالت امة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون. فلما نسوا ما ذكروا به انجينا الذين ينهون عن السوء واخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون”.
الغريب والعجيب في الامر أن شعوبنا ترى التراجع الخطير والتاخر السريع لتخريب بلدانهم المادي فيما يتعلق بالبنى التحتية والعمرانية وميادين الزراعة والصناعة وتوفير الخدمات.. كما ان هناك ضرورة لبناء الاسس العقائدية وذلك تفعيل مبادىء الاسلام الأساسية في العدالة وتقديس العمل والاخلاص فيه والتسامح ومساعدة الغير وفرض الامر بالمعروف ومحاسبة الامرين بالمنكر الخ. نحن اليوم امام طريقين لا ثالث لهما فاما التقدم واعادة الحياة لمجتمعنا بتفعيل المباديء الاخلاقية الإسلامية والانسانية أو ترك الأمور على ما هي عليه والتي ستقود دولنا ومجتمعنا إلى الضياع ومزيد من العبودية. بل الخروج من الجغرافيا كما خرجنا من التاريخ.
نخشى أن يكون حالنا كحال قوم شعيب اذ قال الله تعالى له يا شعيب اني مهلك مائة الف من قومك. 40 الف من الأشرار و 60 من الاخيار. تعجب نبي الله شعيب فقال يارب عرفنا أن الأشرار اهلكتهم بذنوبهم فما ذنب الاخيار. قال له أنهم كانوا لا يامرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر. إن التفريط بهذه الفريضة الإسلامية لها عواقب وخيمة على تماسك المجتمع واشاعة الظلم في اوساطه. كما تترك ايضا الحاكم الجائر وزبانيته دون حساب ومراقبة وتاطير.
لعل افضل مثال يفسر حالنا اليوم حديث السفينة لرسول الله (ص) “مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا”. فهل سينتظر العرب غرقهم وحكامهم معا طالما لم يتحملوا مسؤلياتهم. ام ينجوا وصلحائهم معا اذا اعتمدوا على الله وعلى أنفسهم لترسيخ هويتهم الحضارية. ان غدا لناظره قريب؟
الدكتور نصيف الجبوري