إن الفساد ظاهرة موجودة و عرفتها البشرية على مر الأزمنة وهي مشكلة جادة ، يعرّف معجم أوكسفورد الإنجليزي الفساد بأنه «انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة»، والفساد في معاجم اللغة هو في (فسد) ضد صَلُحَ (والفساد) لغة البطلان، فيقال فسد الشيء أي بطُلَ واضمحل، ويأتي التعبير على معانٍ عدة بحسب موقعه، ولا شك أن تشخيص المرض أسهل من وصف الدواء، وهو ما يؤدي، في جزء منه، إلى شحّ المعرفة بشأن الأبعاد الفعلية للفساد، كما أنه يعكس مدى استعصاء المشكلة. فَوباء الرشوة المعاصر، على سبيل المثال، محصلة العولمة، وأي شيء سيعوق تدفق تلك الأموال سيؤدي أيضا إلى الحد من نشاطات الفاعلين وألافراد النافذين ذلك في تحديث التشريعات وتغليظ العقوبات لردع كل من تسول له نفسه في ممارسة أي شكل أو مظهر من مظاهر الفساد في الدولة والمجتمع، وبالتأكيد فإن إنجاز قانون مكافحة الفساد والكسب غير المشروع ليس بالضرورة أن يكون كافيًا لوقف نهب المال العام واستغلال الوظائف على نحو كبير، فثمة قوانين كثيرة لا تجد احترامًا ولا تملك هيبة ولا تطبق بشكل عادل وخاصة اذا ما كان التنفيذ بيد نفس الفئة الفاسدة، وماذا سيكون موقف المواطن ليتأكد أن القانون موضع التنفيذ، مما قد يعمل على الخلط في الحدود بين المصلحة العامة والخاصة، وبخلاف التطبيق الفاعل للتشريعات سيتخلى المواطن عن احترامه للمؤسسات التشريعية والقضائية والتنفيذية.
وقد كان الفساد العامل الأساسي في انهيار وسقوط أغلب الحضارات والإمبراطوريات والأنظمة ومحرك للثورات والانتفاضات قديما وحديثا، كما تفنن مرتكبوه في كيفية زيادة ثرواتهم بصورة غير مشروعة ولم تعد الوظيفة العامة لديهم أداة لخدمة المجتمع، وإنما أصبحت سلعة يتاجرون بها ويستثمرون سلطاتها لتحقيق أغراضهم الشخصية ومصالحهم الخاصة بل ومصالح أقاربهم وأصدقائهم وتزايدت هذه الظاهرة وكذا الاهتمام بها بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، واكثر الحركات والتظاهرات الحالية ترفع من مكافحة الفساد شعارا لها” وهي ظاهرة لا تعترف بالحدود الزمنية كما رأينا ولا بالحدود المكانية، حيث وجودها لا يقتصر على مجتمع ما أو دولة دون أخرى، فلا يوجد على وجه البسيطة ذلك المجتمع الفاضل الذي يخلو من الفساد و المفسدين، فهو متفشي في الدول المتقدمة والدول النامية، وان كان استشراؤه في هذه الأخيرة أكثر وتأثيره أخطر. والفساد الإداري هو أخطر أنواع الفساد على الإطلاق، لأنه يصيب الإدارة بالشلل ويجعلها غير قادرة على النهوض بالمهام المطلوبة منها. ولا تقتصر على المال انما يشمل المحسوبيات الحزبية والعشائرية والجهوية والدينية وتنطوي على سلوك غير قانوني تيهدف الى تحقيق اهداف خاصة لمن يمارسها و إساءة استخدام المنصب او الموارد لغايات التي يراها، وأنواعه: الفساد الصغير والفساد الكبير، حيث يمكن أن يتحول الفساد الصغير الى فساد كبير في حال عدم الكشف عنه ومعالجته، تظهر أسباب انتشارها يرتبط بعضها ببعض من خلال سلاسل معقدة من التشابك والترابط في الواسطة والعلاقات التي توصل شخصاً ما لوظيفة عامة ،وعدم وجود بيانات موثوقة لقياس مدى انتشار الفساد لاخفائها من قبل الفاعلين ، وهو ما يحول دون أي إجراء قانوني ضد المتورطين وعدم تعاون المؤسسات مع التحقيقات في تقديم الادلة ، بمَن فيهم شركات كبرى لا تتورع عن قبول الرشى إن طُلبت منها ودأبت على دفع الرشى مقابل العقود، والموافقات، وإجراءات أخرى كانت ترغب بتنفيذه.
قد تتعدد أسباب الفساد إلى ثلاث مجموعات؛ وهي أسباب فردية وتنظيمية وبيئية، و نجد أن ضعف أداء الجهات الرقابية يحتل المركز الأول بين أسباب أسهمت في انتشار الفساد المالي والإداري في القطاع الحكومي. وضعف أداء الجهات الرقابية ينتمي إلى الأسباب التنظيمية، هنا يبرز السؤال المهم لماذا يضعف الأداء الرقابي؟! هل هو الخوف من التبليغ أم المعرفة بعدم الجدوى من التبليغ؟! على الرغم من الحملات الكبيرة ضد الفاسدين من الخطوط الأمامية للقيادة العليا التي تنوه عنها الحكومة العراقية ولكن لم تقم بكشفها ولم تحاسب الا القلة من الطبقات الوسطى وما دون بدل ان تمسك بذيول الحيتان الكبار التي طالما وقفت لتخاطب المواطنيين بمكافحة الفساد ولكن ومع الاسف كما يقول عنهم سبحانه وتعالى في القران الكريم ” وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ”.سورة البقرة 204 الى 207.
ولعل احتلال القوات الأمريكية للبلاد في عام 2003 واسقاط النظام البعثي بقيادة الطاغية صدام حسين، وإسقاط النظام السياسي، ثم تفكيك معظم مفاصل الدولة العراقية، ومن ثم إعادة تشكيلها وفق رؤية الاحتلال الامريكي وإدارة “الحاكم الأمريكي المدني للعراق”، بول بريمر ،أدى إلى تحوّل الفساد من ظاهرة يُمكن محاربتها والسيطرة عليها، إلى نظام محمي بقوانين وتشريعات، أو ممارسة يوميّة محميّة من قبل قيادات فوقية و تحوّل النظام السياسي نحو اقتصاد سوق تقوده ألاحزاب السياسية واصبح صور للفساد المحمي بإطار قانوني يتضمن نطاقاً أوسع من الأنشطة الاقتصادية المختلفة، ما جعل ثروات البلاد نهباً لذوي النفوذ والسيطرة داخل العراق وخارجه. و وانعدام التنافس على القليل المتوفر، والى تراجع المستوى الثقافي والمعرفي بشكل عام ويتطلب تفعيل دور العبادة والجامعات والمدارس والقنوات المسموعة والمرئية والصحف والمجلات المكتوبة والإلكترونية، في محاربة الفساد وخطورته على المجتمع، وبيان القصص والعبر عبر التاريخ حول الأقوام والشعوب السابقة وما ترتب عليهم بسبب الفساد، وارتباط ذلك في عقيدتنا السمحة التي تحارب هذه الظاهرة وتجرمها و ان ضمان الشفافية بما لا يدع مجالاً للشك في تطبيق القوانين الصارمة في حق المخالفين، واعتماد نظام عقوبات رادعة وتوضيح تناسب كل نوع من أنواع الفساد، حتى يتم الحد من ظهوره مره ثانية، بحيث تكون معلنة في وسائل الإعلام ومتاحة للجميع من الامور المهمة لمكافحة الفساد،
عبد الخالق الفلاح – باحث واعلامي