كبريت المشراق ثالث احتياطي في العالم بين إهمال الدولة العراقية وسطو السراق

الباخثة شذى خليل*
تعدد ثروات العراق وموارده الطبيعية، بشكل يفوق الخيال، ولا نستغرب من المعاناة لأكثر من 35% من أبناء الشعب الفقر والعوز والبطالة، بسبب ضعف الدولة وافتقارها لرؤية إستراتيجية اقتصادية لاستثمار الموارد الطبيعية، وسيطرة المليشيات والأحزاب والولاءات الخارجية، والسرقات والعصابات، هي المتحكمة بمقدرات وموارد البلد.

كبريت المشراق يأتي كأحد الموارد الطبيعية التي أهملت، منذ عام 2003، وتعد أكبر حقول الكبريت الرسوبي، حيث يقدر الاحتياطي العالمي بـ600 مليون طن، ويعد الأكبر في العالم، وتقدر احتياطاتها بقرابة 360 مليون طن.

من المعروف ان النفط أهم موارد العراق الطبيعية؛ إلا أن هذه الحقيقة غير مكتملة، إذ يضم البلد أكبر احتياطي عالمي من الكبريت الرسوبي في حقول المشراق جنوبي مدينة الموصل (شمالي البلاد)، والذي تقدر وزارة الصناعة العراقية احتياطاته بحوالي ثلثي الكبريت الموجود على الكرة الأرضية.

يعد منجم كبريت المشراق جنوبي الموصل من أكبر مناجم الكبريت الطبيعي في العالم، تأسست الشركة العامة لكبريت المشراق التابعة لوزارة الصناعة العراقية عام 1969، في زمن الرئيس العراقي احمد حسن البكر، وبدأ إنتاج الكبريت من خلال عقد استثماري مباشر مع إحدى الشركات البولونية في 28 ديسمبر/كانون الأول عام 1971، وهو اليوم الذي اعتبر بعد ذلك عيد المناجم العراقية، واستمرت الشركة البولونية بالعمل حتى عام 1990.

تضم الشركة العامة لكبريت المشراق عدة خطوط إنتاجية، ومنها مصانع إنتاج مادة الشب (كبريتات الألمونيوم المائية) المستخدمة في تصفية المياه، إن هذا المصنع أعيد تأهليه بعد استعادة القوات العراقية السيطرة على محافظة نينوى منتصف عام 2017، حيث ينتج المصنع 80 ألف طن من الشب سنويا، ويفوق بمواصفاته ما تستورده الدولة.

ويوجد الكبريت في العراق بنوعين الرسوبي منجمي ونفطي (يفصل في مصافي النفط)، الكبريت الرسوبي المنجمي هو ترسبات تراكمت عبر ملايين السنين، ويختلف عن الكبريت المنتج المصاحب لعمليات استخراج النفط والغاز، حيث ان الأول يضم العديد من المواد العضوية، وبالتالي يدخل في صناعات الأسمدة الفوسفاتية وحامض الكبريتيك والبارود والأدوية، كما يعد مبيدا نشطا للحشرات والآفات الزراعية.

وفي السياق كان للشركة مصنعا ينتج الكبريت الزراعي بمواصفات عالية الجودة، والذي يستخدم في القضاء على الآفات الزراعية، ويكون على شكل مسحوق (باودر) يعمل الفلاحون من خلاله على حماية محاصيلهم.

و تعد منطقة المشراق في جنوبي الموصل مركزا لتواجد الكبريت المنجمي، حيث تقع الرواسب الكبريتية وتمتد لمسافة 8كم وبعرض 3،5كم على عمق 80-300م وسمك الطبقات الكبريتية ما بين 20-50م ويبلغ احتياطي الكبريت في تلك المنطقة (600) مليون طنا و يعد اعلى خزين عالمي يضاف لها 40مليون طن في منطقة الفتحة في منطقة (بيجي) ، ويتصف كبريت المشراق بلونه الاصفر الفاتح بنسبة نقاوة99 بالمئة، و بحاجة إلى عمليات تطوير وتحسين.

وحسب المختصين، ان كبريت المشراق يتكون من 3 حقول، أثبتت التحريات الجيولوجية وجود احتياطيات كبيرة من ترسبات الكبريت الحر في حقول المشراق / محافظة نينوى
كبريت مشراق (حقل اللزاكة) يقع على الجهة اليمنى من نهر دجلة جنوبي مدينة الموصل بمسافة (15) كم، يبلغ الاحتياطي في حقل اللزاكة (23.5) مليون طن، بعد استخراج الكبريت الحر يتم استخدامه مع الاسمدة الفوسفاتية للأغراض الزراعية وانتاج حامض الكبريتيك وصناعات اخرى .

كبريت مشراق (2) يقع هذا الحقل جنوب شرقي مدينة الموصل/ محافظة نينوى بمسافة (45) كم وعلى الجهة اليسرى من نهر دجلة ويبلغ الاحتياطي (65.8) مليون طن.
ويتم استخدامه مع الاسمدة الفوسفاتية للأغراض الزراعية وانتاج حامض الكبريتيك وصناعات اخرى او للتصدير.

كبريت مشراق (3) يقع حقل مشراق (3) جنوب شرقي مدينة الموصل بمسافة (45) كم وعلى الجهة اليسرى من نهر دجلة حيث يفصل نهر الزاب الاعلى بين حقلي مشراق (2) و (3) ويبلغ الاحتياطي (224) مليون طن.

هو استخراج الكبريت الحر واستخدامه مع الاسمدة الفوسفاتية للأغراض الزراعية وانتاج حامض الكبريتيك وصناعات اخرى او للتصدير، وتتنوع استخداماته ما بين الصناعات الدوائية والبارود والأسمدة والمبيدات وتعفير الحبوب الزراعية.

يؤكد الخبراء الاقتصاديون أن هناك تعمدا من الحكومات المتتالية بعدم استثمار حقول كبريت المشراق، وأن الدولة العراقية، ومنذ عام 2003 تفتقر لرؤية إستراتيجية اقتصادية تعكف على استثمار الموارد الطبيعية الهائلة على غرار استثمار النفط والغاز.

وان سوء الأوضاع الأمنية والفساد والمليشيات المسلحة وضعف الدولة، وتلكؤ الاستثمارات والتنمية، فضلا عن غياب الصناعات التحويلية، جعلت الاستفادة من هذه الثروة لا تتناسب مع حجمها واهميتها.

الأمر الذي يستوجب تطوير وزارة الصناعة خططا فعالة لإعادة العمل بهذه الحقول وتصدير المنتج للعالم، خاصة أن ثروة العراق من الكبريت الرسوبي تعد الأكبر عالميا.

فضلا عن الطريقة البدائية التي كانت مستخدمة في الاستخراج، لو استثمر في الطرق الحديثة لاستخراجه، فإنه سيحقق عائدا ماديا كبيرا لموازنة الدولة العراقية .

يؤكد المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي الدكتور مظهر محمد صالح، على نقطة مهمة ان القيود المفروضة على الصناعات الاستخراجية العراقية، بموجب عقوبات عام 1990 الاقتصادية، مسؤولية الإهمال في استخراج مادة الكبريت، ما أدى إلى دخول الشركة العامة لكبريت المشراق التابعة لوزارة الصناعة والمعادن العراقية، “في قائمة التعطل والنسيان هذا سبب اخر يشجع العصابات على السرقة.

ويذكر أن حقول كبريت المشراق تعرضت لـ3 حرائق، كان أشدها عام 2003 عقب الغزو الأميركي للبلاد، ثم في عام 2016 عندما أحرق مقاتلو تنظيم داعش الإرهابي فضلات الكبريت في محاولة لعرقلة تقدم القوات الأمنية، وفي صيف 2019 امتدت ألسنة اللهب الناتجة عن حرائق حقول القمح والشعير لتصل إلى حقول الكبريت، ما تسبب بتلوث بيئي كبير.

هي مشكلات معقدة تواجهها الثروات الطبيعية في البلاد ومن ضمنها الكبريت، فما بين الفساد وسوء الأوضاع الأمنية وغياب التخطيط والإجراءات البطيئة، تظل ثروات العراق بين الهدر والسرقة.

رغم تحرر محافظة نينوى (شمالي العراق) وعاصمتها المحلية الموصل من سيطرة تنظيم داعش الإرهابي، الذي موّل نفسه من حقول وآبار النفط الموجودة في المحافظة، إلا أن سرقة الخام ما زالت مستمرة ولكن عبر شبكات تهريب لها علاقات مع فصائل مسلحة في المليشيات، وجهات أخرى في الإقليم ، بدلا من داعش، واصبح مصدر تمويل للمليشيات المتعددة الولاءات الخارجية.

في الختام ان الدولة رغم تعدد الثروات الا ان الفساد والمليشيات تسيطر على مقدرات البلد ، وضعف إدارة الدولة وافتقارها لرؤية إستراتيجية اقتصادية لاستثمار الموارد الطبيعية الهائلة غير النفط والغاز، ويبقى الاقتصاد العراقي والمواطن العراقي الخاسر الوحيد في بلد يفتقد الى الشرفاء والوطنيين.

وحدة الدراسات الاستراتيجية

Original Article