فرصة بايدن لإنهاء الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني

عمل فني لسام بن مئير
لقد أتيحت لي مؤخرًا فرصة لإطلاع مجموعة من الدبلوماسيين والصحفيين الأوروبيين على مجموعة متنوعة من النزاعات ، مع التركيز على الشرق الأوسط. وخلال الأسئلة والأجوبة ، سئلت عن أي من صراعات المنطقة يجب على بايدن معالجتها أولاً. لقد قلت دون تردد : الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ، ليس فقط لأنه مضى عليه أكثر من سبعة عقود ، ولكن لأنه وضع مستعصٍ ومتفجر ومزعزع للإستقرار بشكل متزايد ، يتردد صداه في جميع أنحاء الشرق الأوسط ، والعديد من القوى الإقليمية تستغله لخدمة مصالحها الوطنية الخاصة، الأمر الذي يساهم للأسف في استمراره .

من المتوقع أن يدعم بايدن حلّ الدولتين نظرًا لموقفه السابق بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ، هذا على الرغم من أن عددًا متزايدًا من الإسرائيليين والفلسطينيين لم يعودوا يعتقدون أن مثل هذه النتيجة لا تزال قابلة للحياة. أنا لا أتفق مع هذا الإعتقاد: لن يتنازل الفلسطينيون أبدًا عن حقهم في إقامة دولة مستقلة خاصة بهم ، وحلّ الدولة الواحدة ، الذي يتم طرحه كبديل ، لن يقبله الإسرائيليون أبدًا ، لأن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى التنازل عن الهوية القومية اليهودية للدولة وتقويض طبيعتها الديمقراطية.

ونظرا ً للتشتت ما بين السكان الإسرائيليين والفلسطينيين ، سيتعين على الدولتين المستقلتين ، مع ذلك ، أن تتعاونا بشكل كامل في العديد من المجالات ، لا سيما في مجالات الأمن والتنمية الإقتصادية. وسيؤدي ذلك إلى إنشاء إطار عمل كونفدرالي الذي سيكون النتيجة النهائية بعد عدة سنوات من السلام والمصالحة.

ولكي ينجح بايدن حيث فشل أسلافه، يجب عليه إصلاح الضرر الجسيم الذي ألحقه ترامب بعملية السلام برمتها واستعادة ثقة الفلسطينيين في مفاوضات جديدة يمكن أن تؤدي في الواقع إلى حل دائم. ولهذه الغاية ، يجب أن يتخذ تدابير محددة قبل بدء المحادثات وأن يضع قواعد الإشتراك التي يجب أن يوافق عليها الطرفان بالكامل لإظهار التزامهما بالتوصل إلى اتفاق.

التدابير الأولية:
إعادة بعثة منظمة التحرير الفلسطينية إلى العاصمة واشنطن: يجب على بايدن السماح للسلطة الفلسطينية بإعادة بعثتها في العاصمة. من شأن ذلك أن يفتح على الفور قناة اتصال تعتبر أساسية في تطوير الحوار بين الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية وإزالة بعض العقبات الأولية قبل استئناف المفاوضات.

استئناف المساعدات المالية: من الضروري أن يعيد بايدن المساعدة المالية التي كان الفلسطينيون يتلقونها من الولايات المتحدة. السلطة الفلسطينية تعاني من ضائقة مالية وهي في حاجة ماسة إلى المساعدة. ويجب مراقبة المساعدات المقدمة للتأكد من أن الأموال تنفق على برامج ومشاريع محددة.

منع ضم الأراضي: ينبغي على إدارة بايدن إبلاغ الحكومة الإسرائيلية بأنها ستعارض أي ضم إضافي للأراضي الفلسطينية. ومع ذلك ، ستبقي على السفارة الأمريكية في القدس وستواصل الإعتراف بالقدس عاصمة لها ، تاركة وضعها النهائي قيد التفاوض

تجميد التوسع الإستيطاني: نظرًا للجدل الشديد حول المستوطنات وتأثيرها النفسي والعملي السلبي على الفلسطينيين ، ينبغي على بايدن الإصرار على أن تفرض إسرائيل تجميدًا مؤقتًا لتوسيع المستوطنات. يجب أن تتصدر هذه القضية جدول أعمال المفاوضات للسماح بتوسيع لاحق لمستوطنات محددة في سياق تبادل الأراضي.

دعوة حماس للمشاركة: ينبغي على إدارة بايدن دعوة حماس للمشاركة في المفاوضات بشكل مشترك مع السلطة الفلسطينية أو بشكل منفصل ، بشرط نبذ العنف والإعتراف بحق إسرائيل في الوجود. إذا رفضت حماس ذلك ، يجب أن يتركوا وشأنهم وأن يستمروا في تحمل عبء الحصار.

تعيين وسطاء محترفين وغير متحيزين: على عكس مبعوثي ترامب الذين دعموا المستوطنات علانية ولم يولوا اهتمامًا يُذكر لتطلعات الفلسطينيين ، يجب أن يكون مبعوثو بايدن معروفين بنزاهتهم ومهنيتهم وفهمهم لتعقيدات الصراع وأن يكونوا ملتزمين بحل الدولتين.

دعوة مراقبين عرب وأوروبيين: إن الدول العربية والإتحاد الأوروبي مكلفان للغاية بحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. سيكون المسؤولون السعوديون والألمان مراقبين مثاليين يمكنهم تقديم مساعدة كبيرة بصفتهم الفريدة كقوى عربية وأوروبية رائدة.

قواعد الإشتراك
تأسيس اللعبة النهائية: لن تنجح أي مفاوضات ما لم تتفق الأطراف المعنية على طبيعة النتيجة المرجوة. فبالنسبة للفلسطينيين ، هي إقامة دولة فلسطينية مستقلة ، وبالنسبة للإسرائيليين فهي الحفاظ على أمن واستقلال دولة يهودية ديمقراطية. وقبل الشروع في مفاوضات جديدة ، ينبغي على إدارة بايدن الإصرار على أن يلتزم كلا الجانبين بشكل لا لبس فيه بنتيجة الدولتين.

الإعتراف بالعقبات التاريخية والنفسية: لم يول الجانبان سوى القليل من الإهتمام في الماضي لضرورة فهم التجارب التاريخية لبعضهما البعض – الهولوكوست للإسرائيليين والنكبة (الكارثة) للفلسطينيين – والتي يستخدمونها لاشعوريّا ً كدروع واقية. إن الإعتراف بالتجارب المرّة التي مرّ بها كل طرف من شأنه أن يساعد في تخفيف العوائق النفسية التي لا تزال تغذي عدم الثقة والكراهية المتبادلة.

إنهاء روح القسوة والعداء الشعبي: لا يمكن إجراء أي مفاوضات بحسن نية في جو من القسوة والعداء الشعبي المتبادل ، كما كان الحال في جميع محادثات السلام السابقة. جزء لا يتجزأ من أي عملية تفاوض هو بناء الثقة ، وهذه لا يمكن إقامتها في جوّ من تنديد كلّ طرف بالطرف الآخرعلنًا. يجب على قادة كلا الجانبين إنهاء التصريحات اللاذعة حيث لن يثق جمهورهم في المفاوضات في ظل هذا الجو.

نبذ العنف ومنعه: يجب على كلا الجانبين الإلتزام ليس فقط بنبذ العنف ولكن ببذل كل ما في وسعهما لمنع أعمال العنف ضد بعضهما البعض. من المؤكد أنه ليس هناك ما يعرقل المفاوضات أكثر من عمل عنيف طائش. ولتحقيق هذه الغاية ، يحتاج الطرفان إلى التعاون الكامل في جميع المسائل الأمنية وإرسال رسالة واضحة ، خاصة إلى المتطرفين من كلا الجانبين ، مفادها أنه لن يتم التسامح مع العنف وسيعاني الجناة من عواقب وخيمة.

عدم ربط القضايا المتفق عليها ببعضها البعض: ما سيكون ضروريًا في المحادثات المستقبلية هو الالتزام بـ الحفاظ على أي اتفاق يتم التوصل إليه بشأن قضية معينة مع فصله عن جميع القضايا الأخرى ، وعدم إخضاعه لإعادة التفاوض في حالة توقف المحادثات أو انهيارها . هذا من شأنه أن يمنع استئناف المفاوضات من نقطة الصفر ويسمح ببناء “البلوكات” التي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى اتفاق. تمّ في هذا الصدد التحدث عن خمس قضايا حاسمة – المستوطنات والقدس واللاجئين الفلسطينيين والأمن القومي والحدود – وأعيد طرحها مرة أخرى في المفاوضات السابقة. ينبغي على فريق بايدن تحديد أي قاسم مشترك حول هذه القضايا لمنع إعادة التفاوض على عناصر معينة اتفق عليها الطرفان بالفعل.

تأسيس عملية مصالحة: يجب أن تكون عملية التفاوض مصحوبة في نفس الوقت بعملية مصالحة. يجب على كلا الجانبين الشروع في عمليات تواصل واسعة النطاق بين الشعبين للتخفيف تدريجيًا من العداء العميق وانعدام الثقة بينهما التي لا يمكن ببساطة إزالتها بالتفاوض. يجب على الإسرائيليين والفلسطينيين الإنخراط في العديد من الأنشطة ، بما في ذلك الرياضة والفنون المسرحية والسياحة ومشاريع التنمية والإتصالات الطلابية لتعزيز الثقة والأمان في أن التعايش السلمي ممكن.

إبقاء الجمهور على اطلاع: بالنظر إلى أنه سيُطلب من كلا الجانبين تقديم تنازلات كبيرة ، سيكون من الضروري إبقاء الجمهور على كلا الجانبين على اطلاع بالتقدم المحرز في المفاوضات للحصول على الدعم. إن إبقاء الجمهور في الظلام ، كما كانت الممارسة في الماضي ، منع الجمهور من تطوير أي مصلحة راسخة في عملية التفاوض ونتائجها الناجحة.

إن فشل كلا الجانبين في الإتفاق في الماضي على وضع قواعد المشاركة المذكورة أعلاه وإخضاعها للحكم يشير بوضوح إلى عدم تفاوض أي من الطرفين بحسن نية. يجب أن تصر إدارة بايدن على أن يقبل الإسرائيليون والفلسطينيون القواعد المذكورة أعلاه إذا كانوا يريدون استئناف المفاوضات بجدية. وإلا فإن المحادثات الجديدة لن تكون سوى تمرين في العبث.

للأسف ، القادة الحاليون في إسرائيل وفلسطين ليسوا في وضع يسمح لهم بالدخول في مفاوضات جادة ، ويجب عليهم مغادرة المشهد السياسي قبل أن يستأنف بايدن محادثات جديدة. رئيس الوزراء نتنياهو يعارض بشكل رسمي إقامة دولة فلسطينية. كما أنه يواجه ثلاث تهم جنائية بالفساد ، وعلى الرغم من إنجازاته الرائعة ، فقد يكون قد تجاوز فائدته.

الرئيس محمود عباس أيضا اتخذ موقفا متشددا فيما يتعلق بالمستوطنات والقدس واللاجئين ، وسيكون من المستحيل عليه تقريبا تقديم أي تنازل مهم والبقاء سياسيا. كما أنه “مرتاح للغاية” في منصبه ولا يريد أن يترك المشهد السياسي لئلا يتهم ببيع القضية الفلسطينية. وفي غضون ذلك ، ينبغي على بايدن أن يكرر التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل القومي ودعمه لإقامة دولة فلسطينية ، مما يعطي إشارة واضحة بأن الاعتدال وحده هو الذي سيفوز.

تظل الولايات المتحدة القوة التي لا غنى عنها والتي يمكن أن تجلب كلا الجانبين إلى سلام دائم ، لأنه لا توجد قوة أخرى يمكنها ممارسة هذا النوع من التأثير المطلوب للوصول إلى انفراج. ولكي تحقق إدارة بايدن هذا الأمر ، يجب أن تلعب دورًا نشطًا من خلال تقديم أفكارها الخاصة والتشدّد عند الضرورة لأنه لا يمكن للإسرائيليين ولا للفلسطينيين أن يسيرا ذلك على طريقتهما الخاصة ، وبالتأكيد ليس بدون تدخل أمريكي مباشر

يتمتع بايدن كرئيس بفرصة بالغة الأهمية لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ، ولمصلحة الطرفين إنتهاز هذه الفرصة.

ألون بن مئيــــر

المصدر