صدام الحضارات والحرب بين الحضارات و مفاصلالتاريخ والذاكرة الاجتماعية

جسار صالح المفتي

السّلم والحرب، التعاون والنزاع، القوة والضعف؛ جميعها مصطلحات أخذت حيزاً واسعاً من اهتمامات المفكرين الباحثين في العلاقات الدولية منذ القرن التاسع عشر. وشهِد هذا العلم تطوراتً عديدةً في ظلّ التغيرات والتبدلات التي تطرأ على العلاقات ما بين الدول، هذا ما أدّى لظهور العديد مِن النظريات لمحاولة تحليل الأحداث الدولية ولِرسم معالم السياسات العالمية. فبعد تفكُّك الاتحاد السوفياتي وانتهاء فترة الحرب الباردة، انشغلَ الباحثون بِوضع نظريات لتبيان الشكل الجديد للقوة في العلاقات الدولية بعدما كان التقسيم خلال حقبة الحرب الباردة على أساس إيديولوجي واقتصادي. وهنا برزت نظرية “صدام الحضارات” لتصنّف العالم على أسسٍ مُغايرة؛ لاعتبار أنَّ المصدر الأساسي للنزاعات في العالم الجديد هو ثقافي حضاري بحت. فما هي هذه النظرية وما هي أبرز المبادئ أو التصورات التي تبنّتها؟

تعريف الصدام والحضارة

قبل بدء التحدّث عن نظرية صدام الحضارات، لا بدَّ أولاً تعريف كل من كلمة الصدام والحضارة.

الصدام: تبِعاً لمعجم “القاموس المحيط” فإنّ الصدام “ضرب صلب بمثلِه، والفعل كضرب، وإصابَةُ الأمْرِ، والدّفعُ، وقد صادَمَه فاصطدما. وتصادموا: تزاحموا… والصدمة: النزعة” وبالاستناد إلى معجم اللغة العربية المعاصرة فإنّ مفرد صدام: “الصدمة”. وإذ أخذنا تعريف الصدمة الثقافية فهي “حالة من الارتباك والقلق تصيب الشّخص الذي يجد نفسَه فجأة في بيئة أو ثقافة تختلف عن بيئته وثقافته.

الحضارة: تبعاً لمعجم “الكافي” فإنّ الحضارة هي “الإقامة في الحضر، ضدُّ البداوة: بوادر الرقي العلمي والفني والأدبي والاجتماعي، تقابلها الهمجيّة والوحشية، وهي مرحلة سامية من مراحل التطوُّر الإنسانيّ، فهناك حضارات قديمة وأخرى حديثة، وحضارات شرقية وأخرى غربية، والحضارات متفاوتةٌ فيما بينها ولكل حضارة نطاقها وطبقاتها ولغاتها.”

صدام الحضارات عند أبرز المفكرين

إن َّالنظرية التي نتحدث عنها تعودُ بالطبعِ إلى صموئيل هنتغتون، إلاّ أنّ صدام الحضارات كَمفهوم قد تمَّ استخدامه قبل هذه النظرية. فحتى أن هنتغتون قد أشار في كتابه بكل وضوح إلى استخدام هذا المصطلح من قِبل غيره من المفكرين. لذلك سنعرض تطور هذا المفهوم مع أبرز المفكرين:

١– أرنولد توينبي

يعتبر توينبي أن الحضارات هي الوحدات الحقيقية للتاريخ وليس كما يعتبر العديد من المفكرين أنها الدول. فالدول تنتمي إلى الحضارة وغالباً ما تكون أعمارها قصيرة ومن الممكن أن تعاني من موت مفاجئ بينما الحضارات تبقى. وقد تحدث عن الحضارات باعتبارها تصنيفات للمجتمعات البشرية والتي ترتبط بصور مميزة بالديانات والعمارة والرسم والسلوك والعادات. ولا بدَّ العودة إليها باعتبارها أصغر وحدة من الدراسة التاريخية التي يعود ويصل إليها الشخص عند محاولة فهمه لتاريخ بلد ما. “وفي تصنيف توينبي للحضارات وجد أنه على مدى الخمسة عشر قرناً من التاريخ المسجل ظهرت ستة وعشرين حضارة اندثر منها بالفعل ستة عشر وبين العشرة المتبقية تجمد ثلاثة هي: “Polynesians”، والاسكيمو والبدو وهي الآن أما تتعرض للفناء أو تمتصها الحضارة الغربية القائمة، أما بالنسبة للسبعة حضارات الأخرى: الغربية والجزء الرئيسي للمسيحية الأرثوذكسية في روسيا، المجتمع الإسلامي، المجتمع الهندي، مجتمع الشرق الأقصى في الصين، فرع مجمع الشرق الأقصى في اليابان، فإن كلاً منها تبدو في مرحلة الاضمحلال مع إمكان استثناء الحضارة الغربية…

٢– برنارد لويس

وبالنسبة إليه إن الصدام الحضاري قائم ما بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية بشكل خاص. يبرّر هذا الصدام من خلال الكراهية التي يكنّها المسلمون للغرب على حد اعتباره. وقد عبّر عن ذلك بوضوح من خلال مقالة نُشرت له بعنوان “جذور الغضب الإسلامي”، حيث طرح كعنوان فرعي لها “لماذا يكره عدد كبير من المسلمين الغرب؟ لماذا لا يمكن تسكين مرارتهم بسهولة؟” وذكر ضمنها “تتجاوز هذه الكراهية في بعض الأحيان العداء لتطال مصالح خاصة أو حركات أو سياسات أو حتى بلداناً، حتى أنها تصبح رفضا قاطعاً للحضارة الغربية، رفضاً لا يهم الفعل العدواني فقط، بل يشمل أيضاً الرفض الكلي لها في المبادئ والقيم التي تمارسها وتعتز بها، إلى حد اعتبارها شرا ًلا يُطاق، ويُصبح كل من يتقبلها ويعززها “عدواً لله”.” لذا نرى أنه سلط على العداء ما بين الغرب والإسلام ورده إلى رفض الحضارة الإسلامية للانفتاح الغربي واعتباره تهديد للتعاليم الإسلامية.

٣– المهدي المنجرة

وفي هذا الصدد يعتبرُ المهدي المنجرة أنه “ليس هناك حضارة بدون ذاكرة اجتماعية.” وقد تطرق لموضوع الصراع الحضاري منذ العام 1990 موضحاً مقصده حول ذلك قائلاً: “وما أقصد بالصراع الحضاري أن تخوفات الغرب هي تخوفات من العنصر الديموغرافي وعنصر القيم حيث نرى التخوف في أوروبا من الإسلام كحضارة واليابان وهو ما أصبح يعرف في فرنسا باسم نيوفوبيا New-phobia .. حيث نقرأ في جريدة فرنسية هي “اللومند” تحليلاً مطولاً لما يعرف ب《نيوفوبيا》ولكي أبلور أكثر أقول أنه عندما استقبل الرئيس الفرنسي ميتران رئيس وزراء اليابان منذ شهرين تحدث عن الشؤون الاقتصادية والسوق الأوروبية المشتركة والسيارات والفيديو، وعندما خرج ميتران للصحفيين قال أن المشكلة ليست اقتصادية ولكنها مشكلة ثقافية.”

نظىرية صدام الحضارات “صموئيل هنتغتون“

تعود نظرية صدام الحضارات لصموئيل هنتغتون (شغل بروفيسور في جامعة هارفرد)، الذي شرحها بالتفصيل من خلال كتابه “صدام الحضارات وإعادة صنع النظام العالمي” في العام 1996 بعد نشره مقالة حول هذا العنوان في العام 1993 في مجلة Foreign Affairs ، حيث لاقت جدلاً واسعاً في المحافل العلمية.

ابتكر لفظ صدام الحضارات ليصف عالم ما بعد الحرب الباردة فيما يتعلق بالسياسة العالمية. فيعتبر أن الكتل التي تشكلت خلال الحرب الباردة الثلاث؛ العالم الحرّ بِقيادة الولايات المتحدة، الكتلة الشيوعية بقيادة الاتحاد السوفياتي- دول عدم الانحياز، قد عفى عليها الزمن. فالدول بعد هذه الفترة تعيد اصطفافها على أسس ثقافية بعدما كانت سياسية واقتصادية وإيديولوجية. وانطلق من ذلك باعتبار أن الدول التي تتشابه حضاراتها تقترب من بعضها في أغلب الأحيان، أما الدول التي تختلف حضاراتها تنفصل عن بعضها في كثير من الأحيان مستشهداً بِحالة الاتحاد السوفياتي ويوغسلافيا التي انفصلتا عن بعض لأن ضمتا شعوباً من حضارات مختلفة.

كذلك يرى أن الحضارات الكبرى في العالم هي سبع: الغربّية، الأمريكيّة اللاتينيّة، المسيحيّة الأرثوذكسيّة، اليابانيّة، الهنديّة، الصينيّة، الإسلاميّة (وقد تُضاف الافريقية لتصبح الثامنة).

الدول المركز للحضارات ضمن النظرية

من خلال تقسيم العالم إلى حضارات، صنّف هنتغتون أنه لكل حضارة دول رئيسية، وغالباً ما تمتلك أسلحة نووية. فمركز الحضارة الغربية متصل بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا وبريطانيا. أما مركز الحضارة المسيحية الأرثوذكسية فهي روسيا. وبالتالي مركز الحضارة اليابانية هي اليابان، ومركز الحضارة الهندية هي الهند. كذلك مركز الحضارة الصينية هي الصين، والبعض يشير إليها بالحضارة الكنفوشية حيث استخدمها هنتغتون في مقاله. إلّا أنه في كتابه فضّل استخدام الصينية معتبراً “من الأدق أن نستخدم اصطلاح الصينية، إذ بينما الكنفوشية أحد المكونات الأساسية في الحضارة الصينية، إلا أن الحضارة الصينية أكبر من مجرد أن تكون كنفوشية كما أنها تتخطى الصين ككيان سياسي.” بينما حضارتا أمريكا اللاتينية والإسلامية لا يوجد لديهما دولة مركز كما هول الحال للحضارة الأفريقية. واعتبر هنتغتون أنه ستحدث أهم النزاعات في المستقبل على امتداد خطوط التقسيم الثقافية التي تفصل هذه الحضارات الواحدة عن الأخرى.

التوكيد الصيني

يرى هنتغتون أن الصين أحرزت تقدماً لافتاً من خلال تنامي اقتصادها، وإذ استمرت في السير ضمن هذا النمو فستفرض نفسها في الشؤون الدولية وهذا الأمر طبيعي. فإنّ الدول التي تقوى اقتصادياً تتمكن من لعب دور هام على الساحة العالمية كما تمكنت ألمانيا في القرن الماضي من القيام بذلك. فالصين تسعى إلى استئناف دورها ونفوذها في شرق آسيا بعدما كانوا قد حازوا عليه لقرون وصولاً للقرن التاسع عشر. وهذا سيكون مصدراً للخلاف مع الولايات المتحدة التي تعارض أي نفوذ قوة أخرى على كل من أوروبا الغربية وشرق آسيا، وهذا ما سنشرحه لاحقاً.

الصحوة الإسلامية

يشير هنتغتون إلى العدد المرتفع للمسلمين وتوجههم نحو الإسلام باعتباره المصدر الأساسي للهوية والشرعية والأمل. ويوضح أن الصحوة الإسلامية هي الجهد الذي يبذله المسلمون لمحاولة تكييف الحضارة الإسلامية مع الغرب، وذلك من خلال القبول بالحداثة مع رفض التغريب أي الثقافة الغربية وعودتهم للإسلام كدليل حياة في العالم الحديث. “وهي حركة فكرية ثقافية اجتماعية سياسية عريضة منتشرة في معظم أنحاء العالم العربي.” وهذه الصحوة ساعدت في نشر الإسلام السياسي وأسلمة القوانين. وهنا لا بدَّ الإشارة إلى فصل هنتغتون ما بين الحداثة والتغريب؛ يعتبر أنّ كل المجتمعات تريد أن تتحدث وتتطور والناس يريدون أن يصبحوا أغنى وأن يستفيدوا من التكنولوجيا المتطورة لكن ليس بالضرورة أن يصبحوا متغربين. فالشعوب وإن تبنت الثقافة الأمريكية العالمية (كالأفلام والمنتجات الاستهلاكية)، لكن لا يزالون في دواخلهم وفي نصفهم الآخر متمسكين بالممارسات التقليدية لحضاراتهم. “الإحياء الإسلامي أعطى للمسلمين الثقة بحضاراتهم وقيمهم.” وهذا ما سيعزز الصراع مع الغرب.

القوة الغربية

يؤكد هنتغتون على قوة الحضارة الغربية لما لها من دور مؤثر على كافة الحضارات الأخرى من خلال إدارتها للنظام المصرفي العالمي، قوة عملتها، تصديرها للسلع الأساسية، اعتبارها زبون أساسي للعالم مسيطرة على أغلب الأسواق، قوتها العسكرية وقدرتها على التدخل، تطورها التكنولوجي والعلمي… ويعتبر أن الغرب سيستمر بِكونه المسيطر الأول في القرن الواحد والعشرين. ولكنه يوضح أن موازين القوى لباقي الحضارات تتغير مما سيؤثر على الحضارة الغربية ويجعلها تستمر بالاضمحلال، فصعود حضارات أخرى يُضعف الغرب. وبدوره اقترح بعض النصائح للحضارة الغربية لتكون قادرة على الحفاظ على مركزها مع تدهور القوة الغربية، وهي أن تقوم الولايات المتحدة والدول الأوروبية فيما يلي:

– ”تحقق تكاملاً سياسياً واقتصادياً وعسكرياً أكبر وتنسق بين سياساتها حتى تحول دون استغلال الحضارات الأخرى للاختلافات القائمة بينها.

– تدمج دول أوروبا الغربية وأوروبا الوسطى في الاتحاد الأوروبي والناتو: وهي دول الفيزيجارد وجمهوريات البلطيق وسلوفينيا وكرواتيا.

– تشجيع تغريب أمريكا اللاتينية وانحيازها إلى الغرب قدر المستطاع.

– تكبح القوة العسكرية التقليدية وغير التقليدية للدول الإسلامية والصين.

– تبطء من عملية ابتعاد اليابان عن الغرب وتوجهها نحو التكامل مع الصين.

– تقبل أن تكون روسيا مركزاً للأرثوذكسية وقوة إقليمية رئيسية ذات مصالح مشروعة في أمن حدودها الجنوبية.

– تحافظ على تفوقها التكنولوجي العسكري على الحضارات الأخرى…”

التقارب الصيني الإسلامي

إنّ العدو المشترك لكل من الصين والإسلام يخلقُ مصلحة مشتركة فيما بينهما. فيرى هنتغتون أن الصلة الصينية والإسلامية ستتوسع وذلك لتحدي المصالح والقيم والقوة الغربية. وهذه الصلة مبنية على معارضة الغرب فيما يتعلق بانتشار الأسلحة وحقوق الإنسان وغيرها من القضايا. فإنّ الولايات المتحدة الأمريكية تعمل منذ انتهاء الحرب الباردة على الحد من انتشار الأسلحة بهدف حماية مصالح الغرب عبر منع استحداث المجتمعات الأخرى لقدرات عسكرية قد تهددها. ففي هذا الصدد، جعلت من هذا المفهوم قاعدة عالمية لإنزال العقوبات على من يعمل على نشرها. فإن التقارب الصيني والإسلامي يهدف إلى دعم حصولهم على الأسلحة لتشكيل قوة تتمكن من مواجهة القوة العسكرية للغرب.

وهذا الأمر بالنسبة لحقوق الإنسان، فإن الصين والإسلام ينظران إلى استخدام الغرب لحقوق الإنسان ذريعة للتدخل في الشؤون الداخلية ضمن دولهم واعتداء على سيادتهم. وقد أعطى هنتغتون مثال على ذلك الخلاف من خلال الاختلاف فيما بينهم حول موضوع حقوق الإنسان في مؤتمر الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الذي عقد في فيينا عام 1993 . حيث قبل شهرين من هذا المؤتمر اجتمعت الدول الآسيوية في بانجوك “وأصدرت بياناً بأن حقوق الإنسان يجب النظر إليها ‘في إطار… الخواص القومية والإقليمية والخلفيات التاريخية والدينية والثقافية المختلفة’، وأن مراقبة حقوق الإنسان اعتداء على سيادة الدولة، وأن ربط المعونات الاقتصادية بالأداء في قضية حقوق الإنسان يتعارض مع الحق في التنمية.” وفي هذا الصدد يُمكننا القول أنّ “رفض الإسلام للقيم الغربية والتأثير الأمريكي أن مقدّر لهاتين الحضارتين أن تصطدما عند نقطة ما. فإذا تحالفت الصين مع الدول الإسلامية ضد الولايات المتحدة، فسيكون خطر الحرب كبيراً جداً.”

الحضارات المتأرجحة

يعتبر هنتغتون أن الصين والإسلام هما حضارتا التحدي وستكون علاقتهما مع الغرب علاقة عدائية ومتوترة في أغلب الأحيان. أما علاقة الغرب مع أمريكا اللاتينية وأفريقيا سوف تكون أقل حدّة، خاصةً أنه يعتبرهما الأضعف بين الحضارات والأكثر اعتماداً على الغرب. بينما يرى أن الهند وروسيا واليابان حضارات متأرجحة، أي تتأرجح بين الغرب من جهة والحضارتين الإسلامية والصينية من جهة أخرى. وكذلك ستؤثر اصطفافاتهم المبنية على مصالحهم بشكل لافت على التفاعلات بين حضارتا التحدي وبين الولايات المتحدة الأمريكية.

حرب الحضارات

يرى هنتغتون أن قيام حرب بين الحضارات هو أمر بعيد الاحتمال، إنما ليس مستحيلاً. فإنّ تغير ميزان القوة للحضارات والدول المركز التابعة لها يبرّر تصوّر حرب كونية بين الحضارات. فالحربُ إنْ قامت ستكون بين الحضارة الإسلامية وغير الإسلامية من جهة، إذا فكرت دول المركز بتقديم مساعدات لدولة تتبعُ الدين الإسلامي نفسه فهذا ما يؤدي إلى زيادة التوتر. كذلك من الممكن قيام حرب بين الصين والغرب في ظل تنامي قوة الأولى بالأخص في شرق آسيا مما يعارض مصالح الولايات المتحدة في المنطقة. ويحدد هنتغتون أن الحرب ستدور حول بحر الصين الجنوبي وفيتنام، والهند تشارك لتأخذ ما تطمح إليه من باكستان. فإن دخول الهند بوجه باكستان، يحث الأخيرة لطلب المساعدة من الدول الإسلامية. كذلك مدى نجاح الصين ضد الولايات المتحدة يُشجع على قيام حركات إسلامية معادية للغرب. حتى أنّ الدول الإسلامية الموالية بالغرب تبدأ بالسقوط بالتدريج بسبب الفجوة في فئة الشباب مما يؤدي إلى الميل نحو التطرف أو القيام بثورات كما يعتقد هنتغتون، مما يُهدد الأنظمة السياسية للدول العربية ويجعلها تقع تحت سيطرة المسلحين المسلمين.

وفي هذه المرحلة تبدأ كل من الصين والولايات المتحدة بمحاولة كسب تأييد من دول الحضارات الأخرى. فيشير إلى أن اليابان قد تدخل الحرب إلى جانب الصين، وروسيا ضد الصين خوفاً على مصالحها في سيبيريا. لذلك يقول هنتغتون “وهكذا أصبحت الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والهند مشتركة في صراع كوني حقيقي، ضد الصين والبابان ومعظم الدول الإسلامية.”

نتيجة الحرب في حال وقوعها

تبعاً لنظرية هنتغتون، إن وقعت الحرب الحضارية الكونية فقد تنتهي إما بتدمير نووي متبادل أو توقف نتيجة الإنهاك المتبادل للطرفين. وفي كل الأحوال إنّ الأضرار تقع على الحضارات التي شاركت في الحرب، وسيكون أكبر المستفيدين الحضارات التي لم تشارك فيها. وتكون هذه الحرب الكونية قد نتجت بسبب تدخل دول المركز لحضارة ما بصراعات الحضارات الأخرى. والحلول الأساسية لتجنب الحروب الحضارية خلال الحقبة القادمة حسب هنتغتون هي:

– الحث على “قانون الامتناع”، أي أن تمتنع دول المركز عن التدخل في صراعات داخل الحضارات الأخرى. وهذا مطلب أساسي لتحقيق السلام.

– الحث على “قانون الوساطة المشتركة”، أي أن يكون هناك تعاون بين دول المركز لحل النزاعات على خطوط التقسيم الحضاري داخل حضاراتها.

– العمل على وضع قانون “قانون العوامل المشتركة”، أي البحث عن القيم المشتركة بين شعوب الحضارات ومحاولة توسيعها.

– القيام بتعديلات على أنظمة المؤسسات الدولية، فمثلاً أن يكون هناك عضو دائم ممثل في الأمم المتحدة عن كل حضارة.

– القيام بنظام عالمي يقوم على الحضارات.

بهذه الفقرات نكون قد حاولنا شرح نظرية صدام الحضارات التي ما زالت لغاية اليوم تلقى إما تأييداً أو نقداً لها. سواء قبلنا النظرية أم رفضناها كلياً أو جزئياً، فهي قائمة بحد ذاتها وهي تصورات قد تحصل أم لا. وعند أي حدث دولي يثير نزعة دينية يردها الباحثين لنظرية صدام الحضارات؛ وعند حدوث أي تعاون بين الحضارات يزداد النقد للنظرية. فما هي الأسس التي بُنيت عليها الانتقادات لنظرية صدام الحضارات؟ وما هي الإجراءات التي يُمكن اتخاذها لتقليل احتمال هذا الصدام؟

المصدر