حياة العرب في العصر الجاهلي (*) ح2

حياة العرب في العصر الجاهلي (*) ح2، د. رضا العطار

(ارم ذات العماد): يقترن اسم عماد بإرم. وقد جاء في القرآن الكريم في سورة الفجر 7 ، وظن النقاد ان إرم اسم مدينة جعلها بعضهم دمشق وغيرهم الاسكندرية، مستندين على اللفظة نفسها وهي من اسماء دمشق العبرية. وجعلها بعضهم في اليمن ونسبوا بناءها الى ملك يدعى شدًاد. قال ابن خلدون: (وابعد من ذلك واعرق في الوهم ما يتناقله المفسرون في تفسير سورة الفجر في قوله تعالى : (أم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد)، فيجعلون لفظة إرم اسما لمدينة وصفت بانها ذات عماد اي اساطين. وينقلون انه كان لعاد بن عوص بن إرم ابنان، هما شديد وشدًاد ملكا من بعده. وهلك شديد وخلص الملك لشدًاد ودانت له ملوكهم، وسمع وصف الجنة، فقال : لأبنينً مثلها، فبنى مدينة إرم، في صحاري عدن في مدة ثلاثمئة سنة. وكان عمره تسعمئة سنة. وانها مدينة عظيمة، قصورها من الذهب، واساطينها من الزبرجد والياقوت، وفيها اصناف الشجر والانهار المطًردة. فلما تم بناؤها سار اليها باهل مملكته حتى اذا كان منها على مسيرة يوم وليل بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا كلهم).

جعل إرم مدينة، خطأ، حسب رأي جرجي زيدان، أكد ذلك ابن خلدون هذا الالتباس وقال : (والذي حمل المفسرين على ذلك ما اقتضته صناعة الاعراب في لفظة ذات العماد انها صفة إرم، وحملوا العماد على الاساطين فاعين ان يكون بناء – – ورشح لهم ذلك قراءة ابن الزبير عاد إرم على الاضافة من غير تنوين. ثم وقفوا على تلك الحكايات التي هي اشبه بالاساطير الموضوعة التي هي اقرب الى الكذب، المنقولة في عداد المضحكات.
وإلا فالعماد هي عماد الاخبية، بل الخيام، وان اريد بها الاساطين فلا يدع في وصفهم، وانهم اهل بناء واساطين على العموم بما اشتهر من قوتهم لانه بناء خاص في مدينة معينة او غيرها. وان اضيفت كما في قراءة ابن الزبير، فعلى اضافة الفصيلة الى القبيلة كما تقول كنانة، والياس مضر، وربيعة نزار.

والارجح ان إرم هو اسم القبيلة او الجد، لا اسم المدينة، فجميع القبائل العربية التي بادت، هي من نسل إرم.
يطلق اليونانيون القدماء مصطلح Xadramotitai ، والمراد به هو العادراميون اي بنو عاد.
يقول ابن خلدون : ( كان يقال في الماضي عاد إرم، فلما هلكوا، قيل : ثمود إرم، فلما هلكوا، قيل نمرود إرم، فلما هلكوا، قيل : سائر ولد إرم ارمان)

لقد كثرت المبالغات في تاريخ عاد وفي افرادها، ومما قيل (ام طول الرجل منهم مئة ذراع، ورأس احدهم كالقبة العظيمة، وعيناه تفرخ فيها السباع. وجعلوا حياة ملوكهم
طويلة جدا فزعموا ان عاد عاش 1200سنة. ولعل قلة عدد الملوك الذين عرفوهم وطول حكمهم هو ما جعل المؤرخين ينسبون اليهم الاعمار الطويلة. واهم هؤلاء الملوك شدًاد اعظم رجالهم واكبر فاتحيهم. وقد ذكر ياقوت (مات 1228) ان في ذروة جبل جش إرم مسكن لعاد وثمود.

قبائل ثمود: لاتكاد تذكر عاد إلاوتذكر معها ثمود. وقد قال القرآن غير مرة ان الله ابادها لانها كفرت واستكبرت. ومقام ثمود كان في الحجر التي عرفت بمدائن صالح، وفي وادي القرى. وقد ذكر ان قبائل ثمود كانت في اليمن فأخرجتها قبيلة حمير الى الحجاز.
فقد سماها اليونانيون القدماء Thamudeni . وقد اورد جرجي زيدان نقلا عن كوكس نقشا نبطيا وجدوه في مدائن صالح، يقرب تاريخه من الميلاد وهذا نصه :

(هذا القبر بنته كمكم، بنت وائلة بنت حرم وكليبة ابنتهما لانفسهن وذريتهن في شهر طيبة من السنة التاسعة للحارث ملك النبطيين، محب شعبه فعسى ذو الشرى وعرشه ؟)
واللات وعمند ومنوت وقيس، تلعن من يبيع هذا القبر او يشتريه او يرهنه او يخرج منه جثة او عضوا او يدفن فيه احد غير كمكم وابنتها وذريتها. ومن يخالف ما كتب عليه فليلعنه ذو الشرى وهبل ومنوت خمس لعنات ويغرم الساحر (؟) غرامة مقدارها الف درهم حارثي، إلا من كان بيده تصريح من يد كمكم او كليبة، ابنتها بشأن هذا القبر. والتصريح المذكور يجب ان يكون صحيحا. صنع ذلك وهب اللات بن عبد عبادة.

والجدير بالذكر ان منوت او مناة كانت آلهة الموت عند الوثنيين العرب.
وربما كانت ثمود قد ابادتها الزلازل والبراكين، ويقال ان قبيلة ثقيف من بقايا ثمود، ويذهب النسًابون الى ان بني لحيان ثموديو الاصل لانهم احدو بطون ثقيف.

لقد جاء ذكر ثمود في القرآن الكريم ثلاث عشرة مرة وذلك في السور التالية :
الأعراف، هود، الأسراء، الشعراء، النمل، فصلت، الذاريات، القمر، الحماقة، والشمس.
لقد عرفت قبائل ثمود الاستقرار، وانشأت الحدائق واحترفت الزراعة. كما تدلنا النقوش والروايات. وتفيد بعض النقوش ان زراعة القطن كانت معروفة في ديار هذه القبائل ويرى بعض المؤرخين ان ثمود لم تفنَ كليا وظلت لها بقايا حتى القرن الخامس. هذا ما يرويه (محمود سليم الحوت) في طريق الميثولوجيا عند العرب.

كما يقترن اسمي طسم وجديس ببعضهما كما هي الحال بالنسبة الى عاد وثمود. وكان محلهما باليمامة – ولرأس طسم هو طسم بن لوذ بن ازهر، وراس جديس هو جديس بن عامر بن سام. وهما ابناء عم. وكان ملك القبيلتين ايام ملوك الطوائف،
(كان احدهم المللك عمليق، بعد الاسكندر الكبير (مات 323 ق. م.) كان ظالما مستبدا قبيح السيرة.
وحدث ان تخاصمت امرأة وزوجها لانه اراد ان يأخذ طفلها بعد ان طلقها، فاحتكمت الى عمليق، فجعل الولد من غلمانه، وامر ببيع الرجل والمرأة على ان يأخذ زوجها خمس ثمنها، والمرأة عشر ثمن زوجها، فأنشدت قائلة :

اتينا أخا طسمِ ليحكم بيننا * * * فأنفذ ظلما في هزيلة ظالما

لعمري لقد حكمتَ لا متورعا * * * ولا كنت في من يبرم الحكم عالما

ندمتُ ولم اندم واني بعثرتي * * * واصبح بعلي في الحكومة نادما

إذ ذاك غضب عمليق ومنع ان تزوج بكر من جديس او ن تُهدى الى زوجها حتى يفترعها هو، فأذلهم كثيرا، واستمر الامر كذلك حتى زوجت بكر الشموس، وهي عقيرة بنت عباد اخت الاسود، فافترعها عمليق ثم طلقها. فوصلت اخبارها الى بني قومها في أسوأ منظر فأستحثتهم على القتال.

اما القبائل الاخرى : وهي أميم، ومسكنها بادية أبار بين عمان والاحقاف، وعبيل في يثرب، وجاسم وهي احدى بطون العماليق، جرهم الاولى ومسكنها اليمن، وجرهم الثانية هاجرت الى مكة، وتزوج ابراهيم الخليل احدى نسائها، ووبار ومسكنها ارض وبار في اليمن. واخبار هذه القبائل قليلة.

دولة الانباط: مقر هذه الدولة جنوب شرق فلسطين، وهي ارض صخرية، والانباط
(او النبط) بدو من عرب الشمال، انتشروا في القرن السادس قبل الميلاد. وكانت تلك المناطق تخضع لنفوذ الكنعانيين والآراميين. ويروي بعضهم انهم نزحوا من شرق الاردن الى تلك المنطقة. وكان الحوريون قد سكنوا بلاد العرب الصخرية وسماهم اليونانيون Troglodytes
ثم جاء الاودوميون، الذين ذكرتهم التوراة وساعدوا بني خذنصر، امبراطور الدولة الاشورية في فتح اروشليم. وكانت مكافئتهم تأييد سلطتهم في آدوم. وما لبث الانباط ان داهموا الادوميين من الشرق وكانوا على الارجح نازحين من بادية الشام.

ومدينة الانباط الرئيسية هي البتراء (بطرا) مدينة صخرية انشأها الادوميون، تقع في وادي موسى. ومعنى البتراء الحرة. يقابلها بالعبرية لفظة (سلع) وبالعربية (الرقيم) وهو تحريف للفظة اليونانية Aske .
وكانت طبيعة البلاد تسعد الانباط كثيرا في المعارك إذ فشل انطيغونس، خليفة الاسكندر مرتين في حملاته عليهم.
في المرة الاولى انتظر خروج الرجال من المدينة، فأغار عليها فالتقى الانباط جنوده عندما كانوا عائدين فقتلوهم، وفي المرة الثانية عجز عن دخولها فأنسحب.

وقوي الانباط واسسوا دولة وضربوا النقود. واقدم ملك وصل الباحثون الى أثاره هو الحارث الاول (مات 169 ق. ق.) ومن اشهر ملوكهم الحارث الثالث، والحارث الرابع، الذي بلغت دولتهم خلال حكمه اوج مجدها، وانهارت تدريجيا بعده حتى سقطت على يد الامبراطور تراجانوسعام 106 ميلادية فاختلطوا بالسكان السريان والاراميين على حدود سوريا و فلسطين. وبعد سقوط البتراء تحولت الطرق التجارية الى مدينة تدمر.

ومن الجدير بالذكر ان الخط النبطي المأخوذ من الارامي هو ما خرجت منه الكتابة العربية المتناولة اليوم، وكذلك اللهجة التي نزل بها القرآن الكريم، متطورة من اللهجة النبطية المتأخرة. وفي ما يلي نسخة نبطية بالاحرف العربية عثر عليها بين انقاض مدائن صالح.

1 – دنه قبر دي عبدو بركهيلو
2 – الكسي لنفشه وبلده واحره ولمن دي ينفق بيده
3 – كتب تقف من يد عيدو قيم له ولم دي ينتن ويقبر به
وترجمته باللغة العربية هي التالية :
1 – هذا هو القبر الذي بناه عائذ بن كهيل
2- بناه لنفسه واولاده واعقابه ولمن يكون في يده
3 – كتاب من يد عائذ يبيح له ولاي واحد يخوله عائذ في حياته ان يدفن فيه.

مملكة تدمر: كان مركز تدمر في الصحراء عند طرف البادية التي تفصل العراق عن الشام. وكانت هذه المدينة تجارية، شأن البتراء، ومحطة لمرور القوافل منذ القرن السادس قبل الميلاد.
وقد حاول الرومان فتحها في نصف القرن الاول ق. م. ففشلوا. ثم تدخلوا في امورها حتى صارت مستعمرة رومانية في عهد سنتيموس سفيروس (مات 211). وكان معظم سكان تدمر آراميين، إلا ان السيطرة فيها كانت للعرب. ويقال انهم كانوا من العمالقة، او من بقاياهم.

وفي عهد أذينث اذيناسوس (مات268) الملقب بملك الملوك، توسعت سيادة تدمر، لانه ساعد الرومان على الفرس، فكافأه، وما لبث ان صار سيد سوريا وما يليها من آسية الغربية، حتى ان الامبراطور غليلنس اعترف بأذينث اذيناسوس امبراطورا على المشرق.

ثم مات أذينث وابنه الاكبر هيرودس، فملك ابنه الثاني وهب اللات، وصارت امه زنوبيا، صاحبة النفوذ، ونالت من الرومان لقب ( سبتميا) وهو احد اكبر القاب الشرق. وكان لها عم الرجال، تحسن اللغات الارامية والقبطية والرومانية وبعض اللاتينية.
كثيرة الاطلاع على تاريخي الشرق والغرب. فبسطت نفوذها على مصر وقسم كبير من آسيا الصغرى وقهقرت الرومان حتى انقرة. ووصل رجالها الى الاسكندرية في مصر.
هذا الامر اغضب اورليانوس – ولا سيما ان زنوبيا قد اعلنت استقلالها ن روما – فحاصر بجيشه الجرار تدمر. وحاولت زنوبيا الفرار، لكن الرومان قبضوا عليها، فخاف اهل المدينة وسلموا، فعفا اورليان عنهم، وكان هذا عام 272 م – – ولكن تدمر ما لبثت ان ثارت عندما كان اورليان في طريق العودة، فعاد اليها، ودك اسوارها، وقتل معظم سكانها.
وقد ذكرها العرب باسم (الزباء) وتشوهت قصتها عندهم بانتقالها على الالسن، فابتعدت عن الصواب، ودخلتها مبالغات كثيرة، واللافت انهم جعلوا الزباء ابنة رجل من العماليق يدعى عمرو بن الظرب. هذا ما جاء في كتاب (بروكلمان، تاريخ الشعوب الاسلامية).

العرب المتعربة: وهم عرب الجنوب ويدعون القحطانيين، نسبة الى يعرب بن قحطان. وقد سموا متعربة لانهم اخذوا العربية عن العرب البائدة (او العاربة). فهم – كما يذهب العرب – ليسوا خُلًصا. يقول ابن دحيا : ( وهم الذين ليسو بخلًص، وهم بنو قحطان). ويقول الرافعي : (ويعرب هذا هو الذي يزعم العرب انه اصل اللغة الفصحى) ويقول ابن دحيا : (وسمي يعرب بن قحطان واسمه مهزًم ، لانه اول من انعدل لسانه عن السريانية الى العربية)
وهذا معنى قول الجوهري (مات 1007 م) في الصحاح : اول من تكلم بالعربية يعرب بن قحطان.

وقد عرف هؤلاء الجنوبيون ممالك هي : مملكة المعينيين ومملكة السبئيين، ومملكة دولة اليمن الكبرى، اما دولتهم الصغيرة فعرفت مملكة الجبئيين ومملكة القتبانيين، ومملكة القريين. بيد ان العرب لا يعتبرون لسان حمير وبقايا جرهم وسكان اقاصي اليمن لسانا عربيا. قال عمرو بن العلاء : ( ما لسان حمير واقاصي اليمن بلساننا ولا عربيتهم عربيتنا) وفي ما يلي تعدد الممالك العربية الجنوبية :

1 – الدولة المعينية : نشأت في بطن اليمن. ثم استولت على معظم المناطق الجنوبية.
وهم اقدم شعب عربي جنوبي وصلت الينا اخباره، إذ ان دولتهم ظهرت في اليمن منذ القرن الثالث ق. م. كما يرى بعضهم. وعاصمتهم معين ينسبون اليها بالاستناد الى النقوش التي عُثر عليها وبعض الاشعار.

وقد بلغ عدد الملوك الذين عُثر على اسمائهم في انقاض الجوف، 26 ملكا. لهم القاب ونعوت، وبعضهم بلا لقب مثل أب يدع – (اليفع) – حفن بن اب يدع – وغيرهم. ومن اقدم الاسر التي عثر على اسماء ملوكها (إيل صادق) و (وقه ايل) و (صديق إيل)
وكانت الحكومة وراثية في معين، يجوز ان يتولاها اثنان معا، وكان اسم الملوك في الحقبة الاولى (مزواد) – – ولعل هذا الاسم يتضمن معنى الكهانة. وشمل نفوذ المعينيين جزيرة العرب كلها. إلا ان دولتهم كانت دولة تجارية، والارجح ان عاصمتهم كانت في بادئ الامر معين، ثم صارت (القرن) او (القرنا) وما لبث السبئيون ان غلبوهم على دولتهم.

وقد ذكرت التوراة المعينيين، كما ظهر في آثار بابل ذكر هذه الدولة بين اخبار نارام – سين حوالي 3750 ق. م. وثمة من يرى ان المعينيين من بدو الاراميين، تأثروا بالسومريين في حضارتهم وديانتهم ونزحوا الى الجنوب بعد ذهاب دولتهم في العراق.
الى الحلقة التالية في الاسبوع القادم !

* مقتبس من كتاب العرب في العهد الجاهلي لديزيره سقال!

المصدر