د . خالد القرة غولي
إن كل من يجعل منطلقه خداع الناس بوهم القوة متقمصا شخصية الجلاد الذي يخنق المدانين بتهمة عشق الحرية والثبات على المبدأ , غالبا مايكون قد قام بمبادرة بيع مبادئه- إن كانت له مبادىء أصلا – في سوق العبودية الإختيارية والمزاد السري لممارسة النخاسة المجانية .. لكن لحسن الحظ انه سرعان ما ينفضح امر العملاق الورقي عندما تسلط عليه أضواء الحقيقة , و بالمقابل ان كل واحد يتجرا للإ قتراب من وهج الحق فيدلف نحو عتبة الحقيقة والتعلق باهدابها إلا و يزداد بريقا تاريخيا و يقينا مبدئيا و قوة رمزية تصدح , اصداؤها في الآفاق و تجر سمعته نحو مصير تقمص أسباب القوة الفعلية مع مرور الزمن.أما أوهن الصور المقتبسة من أضعف البيوت العنكبوتية .فهي تلك الصورة الوهمية التي حلقت في فضاء الخيال الخادع,وصنعت لنفسها أجنحة الإجبار الفارغة من كل معنى , و تحط بأضلاف الإكراه على كل من تشرق عليه شمس الحرية.كما انها تحمل تفاصيل برنامجها المسموم على ظهور البغال المغلوبة على امرها كونها أمـية .وما نلومه هنا هو الطبقة المثقفة التي تساهم بتزلفها في بعثرة ما تبقى من نقط الوضوح على حروف الحقيقة فيصفق الغموض على خطها الذي انطلق بالسرعة الصاروخية لمراكمة المصالح الأنانية , إن خير طريق مختصر لمعانقة الحقيقة هو الحقيقة ذاتها بعيدا عن ركوب حصان الإنبطاح المرتزق و ارتداء أحذية الذل , أما تضخيم الصورة بواسطة تزويد النرجسية بأبواق فارغة المحتوى و منعدمة الجذور في أرضية الواقع.فهو من قبيل الهذيان الصبياني الذي يبني قصورا من رمال على شاطىء الأحلام ويصنع أسودا من لدائن في مصنع المستحيل.إن ماء الحق ينبجس من ينبوع الشفافية المباشرة و الأفكار المسؤولة التي تشع من خلالها ملامح الذاكرة الجماعية والهوية المبدئية .ولا تنبثق أبدا من أضغاث احلا م تتناسل موبوءة قي اقنعة الإختباء و خلق الأزمات الوهمية راقصة على إيقاع سراب سوريالي يتسول البطولة بشكل تصنعي آلي يعمل على تغييب الشروط الموضوعية في رؤية ضحلة مفضوحة تجعل المتأمل للمشهد الإنبطاحي المرتزق يستلقي على قفاه من شدة الضحك الذي اسود لونه من شدة ما تكاثفت عليه من مفارقات ساخرة و تقاطعات تراجيـــــــكوميدية المستفزة لكل عقل يرغب في الحفاظ على ماء وجهه ومنطقه المتوازن.حتى لا ينخرط في غيبوبة السذاجة الإعتباطية , إن الصمت هو طبيعة الوعي العبقري الباحث عن صورة الحقيقة الضائعة في أدغال الدجل و دهاليز العدمية , إن العقل الصامت فقط هو الذي تتبلور عنه المعجزات العبقرية بينما اللسان الثرثار فغالبا ما يفاجئنا بطبخة غريبة عن المعتاد لتزييف الحقيقة فيتقمص قلب الهجوم لمراوغة خط الدفاع الإستراتيجي.و يسجل الهدف الخسيس في مرمى الأدمغة المعرضة لغسيل فعلي كي تبرمج المناعة المبدئية المكتسبة على الخنوع أو على الإنسحاب في صمت.فيقهقه اللــــــــؤم في خبث ثعلبي و يبني لنفسه صروح مجد من السراب يبيع عبرها عقاقيرا مسكنة و يمنح منها هدايا وهمية تبتلع إثرها الضحية يقينا أنها بصدد التعامل مع ممثل الخلاص الأخير خصوصا حينما ينصت الى تلك النبرة التي تتصنع النضج.و العملة التي يتم التعامل معها بخصوص هذا الخلاص غالبا ما تكون مقتبسة من حكايات الخيال الطفولي , والغريب
في الأمر .أن سيكولوجية المنبطح المرتزق.يصعب التقاط صورتها الخامة.مع تسارع تقلباته الحربائية و تغير ألوانه في كل دقيقة .و تحطيم الرقم القياسي في الدهاء الثعلبي.وقدرته على احتكار الفرص و الهيمنة على مفاتيح مداخل المبادرات.مما يجعل هويته هلامية وغير محددة خصوصا حينما ينطلق في حرث حقل المستحيل و إدخال جمل الحرج في عنق الزجاجة بشكل لا يستطيعه سوى الساحر دافيد كوبيرفيلد أو ميرلين .بالاضافة الى قدرته على تشكيل الحقل الميغنطيسي للكوابيس المفبركة لزرع ألغام الهلع في ضعفاء الشخصية مع تنميق أحلامهم المستقبلية بتوابل الوعود
العدمية التي انتهت صلاحيتها الايديولوجية منذ مدة , إن لصوص أضواء النجومية يتقنون فعلا إ ضفاء سيناريو لعنة القوة المشؤومة .و تعليقها سيفا مسلولا على رقاب حاملي حقيبة الحقيقة.ألم يكن نهج الإنفصاليين الفصاميين الراغبين في تشتيت وحدة الحقيقة داخل ذواتنا هو نقل المعركة الى خارج حدود العقل مما يعني تبلور الجنون حينما تصطدم القوة بالحقيقة.علما أن الأولى قد وجدت اصلا لدعم الأخيرة .ووضع حد للجشع البشري الذي أخذ يتفاقم وحشا من خشب أو فزاعة تبن للعصافير لكنه للأسف يسيرعلى أقدام من شمع على صفيح ساخن.مما يعني ذوبانا تافها من القدرات المشلولة
أصلا .و في سياق الظلام المفتعل تتحرك غربان التهور ببوصلة مهترئة ضاعت وجهتها بسبب مراهقة متأخرة ترقص على ايقاع تدجين الذاكرة المسروقة , و في زنزانة القوة المهووسة. تم وضع جسد الحقيقة المثخن بالجراح على رفوف الانتظار.ريثما يتسلل أصحاب الأهواء الميكيافيلية عبر حصان طروادة و باسم الضرورة البراجماتية لملائمة الوسيلة مع الغاية مهما تعقدت الظروف ومهما استفزت المعادلات المنطقية للعقل.فيتفضلون ببيع ما تبقى من نخوة ضمائرية مقدامة بمادتها الثمينة النادرة في المزاد السري و قرب جدار الإنتقام الرمزي حيث يتحطم رأس التوقعات الساذجة , أما في متاهة التلويث الوجداني المقصود.فإن أفـــــــعي الطموحات المجنونة القاتلة تزحف بسمها للسع صحة الخلاص المستقبلي , يتشكل طابور الديمومة الانبطاحية تواكبا مع حالة الطوارئء المفتعلة لحراسة معبد الارتزاق .فيحرص على زيادة عدد المرتزقين من شتى المشارب الفكرية و الاجتماعية.مدججين باحدث اسلحة النفاق الخارق و الخطاب المزدوج المتبجح بالعقلانية و العابد لصنم الغرور الذاتي الراضخ لحسابات معادلة ضرب الحقيقة في الصفر , مع تقسيم المقسم المعقول على مذبح القوة المؤسطرة..اما نسج حكايات حول بطولة مفبركة فتتحرك وفق إيقاع
الظروف الحرجة التي تنبثق منها مفاجآت حبلى بالمفاجآت المضحكة.إن عشاق المرح و رفاق المائدة مستعدون دائما ليثبتوا للعالم انهم فعلا كثيرو الفائدة.خصوصا و أنهم سياخذون الحصة كاملة بعد تمرير وعود كاذبة للجماهير أدمجوها في لغتهم الخبزوية المغلفة بعسل السياسة , فيتكرمون بالتنازل بما تبقى من فتات انتهت صلاحيته لصالح عيون العالم السفلي الجاحظة حيث كآبة القهر تصفق احتجاجا , قد تصادف يوما ما كلاب القافلة وهي مسترسلة فى النباح على حمير المسؤولية إلى أن تمضغ أشواك الحركة التصحيحية لينخرس نباحها بعد ذلك , ويبدأ الغباء في وأد الفرصة
الوحيدة المتاحة لتنقيح مكونات الخطأ المصنوع في ظل الرغبة الجامحة في خلق ضجيج تافه يخنق معاني الحقيقة. ويعلق فروة شعر الشرعية على مشجب قوة وهمية.بعد اقتباس فقرات المرح الإستهتاري من مرجع نسيان كل الوعود المبدئية مع الذات و مع الآخر في نصر الحق .فتتحول تلك الرغبة المتحمسة في صناعة فصول التاريخ إلى مجرد لعبة انبطاحية مرتزقة تكتفي بترديد ببغـــــــائي لسيناريوهات روتينية مفتعلة كاد الزمن ان يتقيأ عليها لأنها تأخذ طريقها نحو متاهة خنق الإبداع . و الدفع في اتجاه صياغة الطابور المساهم في تكريس التبعية و استهلاك حضارة الغير
عبر تبني إملاءات الآخرين في رسم لوحة الإهانة على جباهنا.ودفع الشباب الغيور الى مغادرة العرس الفكري المخنوق لأنه محاط بهواء الخيار الوحيد الملوث.و مما يدفعه ايضا لطلب لجوء ثقافي في حضن المهجر حيث تنتعش مشاعر النوستالجيا الى الذاكرة الأم , إن العزة في آخر المطاف , وإن صناعة التاريخ الفعلي في النهاية تبقى من نصيب الأوفياء لمبادئهم في نصرة الحق ولا يخافون في ذلك لومة لائم مهما علا شأنه , وهذا ما يسميه غـرامشي بالمثقف العضوي الذي لا يبيع ضميره لقاء دريهمات معدودة ومنصب متواضع , أما القطيع المنبوذ من طرف العقلاء.و الحائرون
المتجولون في نوادي الحربائية والمواقف الثعبانية في تغيير جلود رؤيتها الفاقديـــــن لكل مصداقية.و الماهرون في شراء الضمائر.فهم حتما صائرون الى مزبلة التاريخ ماداموا أنهم عشقوا عبادة المادة وشتى تجلياتها في تشكيل تفكير خبزوي و تبني الجشع كموقف ثوري يختزل أرزاق العباد في طموح شخصي , إن في صمت الحكمة الهادئة العاقلة لقوة معنوية اكدتها نماذج دينامبكية تحركت بفعالية عبر التاريخ.أما في نزق الغرور المتهور عبر استعراض عضلات القوة بالعنف وهما من صاحبه أنه بصدد تحقيق إرادة القوة السلطوية عبر تبليغ مهمة كونية ليس لإصلاح الكون وترميم وجه الحق المشوه , و إنما لتسخير سكانه قاطبة في إرضاء نزواته التملكية و تجسيد همسات جشعه المستفحل عبر ممارسة طقوس الإستقطاب وكأنه في مهرجان احتفالي يجمع المساهمات لمساعدة الجرحى المنكوبين و ضحايا الكوارث .إن الفردوس الموعود المدرج في قائمة المقولات الزجاجية القابلة للإنكسار في خطابات المنبطحين المرتزقة تبقى مجرد محاولة للصياح الغبي في وادي السراب مع النفخ العقيم في رماد الفساد لاستنطاق المستحيل الهارب من قمقم التغطية الزمنية الناقصة في استدراك ما فات من فرص وطموحات وترقيع أسمال الخيبة مع ترميم ما تحطم من مشاريع
تاريخية على صخرة التغير المفاجئ.و صناعة الوهم لديهم تتجلى في خلق مآتم ونسج حداد ميتافيزيقي حيث تولول عجائز البوادي بمختلف أشكال النميمة المتطورة و الإشاعات المفبركة لصياغة هالة القداسة حول ضجيج ولد اصلا صامتا. ولترديد أصداء جبل أصابه مخاض فولد جرذا معاقا ,
يبقى النشاز المثير للسخرية هو المعزوفة المرفوضة التي يعزفها مصاصو الدماء.لأنهم يغردون خارج سرب المقتضى العام للسياق المطلوب منه توحيد الجهود لتصدير الحضارة و ايقاف نزيف هجرة الأدمغة مجانا , وتبقى الشخصية المزدوجة الأبعاد و المغترة بقوتها الوهمية رمزا للقبح
عندما تتأمل ملامحها على مرآة الحقيقة.و تبقى صورة المنبطح المرتزق أسطورة يحكيها الشرفاء حكايات لأولادهم كي يتعظوا من النهايات المخزية للأذلاء المضادين لكل رموز البطولة الفعلية.كما أنها تبقى منبعا ايجابيا للمبدعين الكاريكاتوريين بالخصوص , ناهيك عن أنها تصير
أضحوكة على لسان الناس لأنه بمثابة متسول آخر مـوديل.لكن هذه المرة يتخذ التسول شكلا أكثر رقيا و نخبوية.بحيث عوض أن يستجدي الناس على قارعة الطريق بأسماله البالية.يتفنن في ارتداء أرقى أنواع اللباس و استعمال أرقى أشكال الخطاب المنمق باللغة الخشبية لحذف عزة القلوب
وغسل أدمغة من هم دون مستواه.فيؤسس لنفسه مقرا أو مكتبا خدماتيا أو جمعية حبلى بمشاريع مستقبلية وهمية..إنه تسول أكثر رقيا يتوافق مع مقتضيات الحداثة وما بعد الحداثة وما وراء ها وما تحتها.تسول أكثر رقيا وموضة مطبقا المثل الشعبي القائل ( زوق بـــــــــاش أتـــــبــــيـــع )
.لكن هذه المرة أصبح المنبطح المرتزق متخصصا في بيع سلعة الكرامة البشرية والمبادئ النبيلة والضمير الأخلاقي و توزيع الأفكار التافهة مجانا لاستقطاب عشاق الانخراط في موجة العبودة الإختيارية والتبعية المجانية.تارة باسم تكريس الديناصورات الحزبية .و تارة باسم العلمانية
أو الحداثة أو محاربة الفساد والإرهــاب أو إيقاف الهشاشة أو تعبئة الدجاجة التربوية لتلد بيض الجودة أو باسم تفعيل التنمية حتى ينمو شعر المستحيل في الرأس الغبي.وتارة يصل الأمر بالسخرية حد الرغبة في تغيير معنى مصطلحات القاموس العالمي الذي وقع عليه الإجماع من طرف الأغلبية
الساحقة