جماعات ولوبيات وتشكيلات وفصائل واحزاب وسلطويون وولائين للارجنتين تقوم بالضغط

د.كرار حيدر الموسوي
مايزال الشعب العراقي يواجه التحديات بأشكال جديدة، بعد تحوله من مواجهة الجماعات التكفيرية والمجازر اليومية في الشوارع والاسواق، الى مرحلة بناء الدولة بشكل جدّي من خلال التجربة الديمقراطية وصناديق الاقتراع، ولو كان سماحته حيّاً اليوم، لما غضّ الطرف عما آلت اليه هذه التجربة من تحول بعض النواب والوزراء والمدراء –ولا نقول جميعهم- من ممثلي للشعب، حيث اختارهم بنفسه وبملء ارادته من خلال صناديق الاقتراع، الى تماسيح تلتهم كل شيء دونما رأفة او شفقة بحال هذا الشعب، مما تسبب في تراجع مستوى الثقة، وتعميق حالة اليأس في النفوس، ولذا نلاحظ سماحته في كلمة له أمام جميع من الزائرين العراقيين، يشير الى إحدى وسائل التغيير السلمية والناجحة في جميع انحاء العالم، وهي؛ ممارسة قطاعات الشعب العراقي، الضغوط بمختلف اشكالها لتحقيق التغيير المطلوب، وكان الحديث آنذاك إبان وجود القوات العسكرية الاميركية في المدن العراقية، وما تسبب من اندلاع المواجهات والمناوشات العسكرية، لاسيما في مدينتي كربلاء المقدسة والنجف الأشرف، التي اشار اليهما سماحته، الى جانب إشارته الى قتل الابرياء وترويع النساء والاطفال وهدم المساجد.

واليوم؛ ربما يحتاج الشعب العراقي اسلوب الضغط اكثر من تلك الايام، لانه في وضع غريب لم يعهده في تاريخه الحديث، فهو لا يواجه أعداء غرباء، حتى يرفع لواء المقاومة والتضحية والاستشهاد، وانما يواجه أعداء (اصدقاء) خرجوا من بين ظهرانيهم، فلا هو قادر على مواجهتهم بعنف والانقلاب عليهم كليةً، ولا يتمكن بالمرة من تحمّل وجودهم فترة أطول مما نهبوه وارتكبوا من الفضائع خلال الخمسة عشر سنة الماضية.

كل مواطن عراقي له دور في عملية الضغط

ان فاعلية الضغوط المجتمعية على مؤسسات الدولة، مطابقة لعملية التراكم في الحياة، حسب رؤية الفقيه الشيرازي التي شبهها بـ “القطرات التي يتجمع بعضها مع البعض الآخر فتتكون البحار والسيول”، بل إن “الكون العظيم الهائل مبني على تراكم الذرات وتراكم الخلايا”.

من جملة التداعيات السلبية للسياسات الخاطئة، فقدان الناس ثقتهم بانفسهم وأنهم قادرون على فعل شيء يسهم في لجم أفواه المفسدين، او التأثير على القرار السياسي بما يصب في مصلحتهم وليس في مصالح الاحزاب والشخصيات السياسية، في حين ان ممارسة الضغط على الحكومات في العالم، يتشكل بالاساس من مواقف افراد المجتمع، عندما يلتزمون بالاعتصام او الاضراب عن العمل، او نشر الكلمة المعارضة في كل مكان، حتى جماعات الضغط في العالم، فان معظمها يتشكل من افراد المجتمع، فهم الذين يتظاهرون ويكتبون وينشرون ويتبرعون.

وهكذا الأمر في العراق الذي يحظى بشرائح اجتماعية واعية مع خزين من الثقافة والمعرفة والرصيد الحضاري، فالمواطن العراقي لوحده قطعاً لن يساوي شيء، لانه جالس أمام محله التجاري او خلف مكتبه الوظيفي في الدائرة الحكومية او أي مكان آخر، أما اذا تكاملت حركته مع جاره وصديقه والمتوافق معه في الرأي والعقيدة، فمن المؤكد سيشكلون وسيلة ضغط على الحكومة.

ويشير سماحة الفقيه الشيرازي الى العوامل المساعدة في هذا المضمار، وهي وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع الانترنت، مبيناً أن “العالم لا يشبه عالم البارحة، إذ كان عالم البارحة مغلقا، أما عالم اليوم فهو عالم مفتوح، فبإمكانكم الآن أن ترتبطوا بأقصى فرد في العالم”.

وهذا بدوره يحتاج درجة عالية من الشعور بالمسؤولية والخروج من قوقعة الذات وحب الأنا، لنكون مصداق الحديث النبوي الشريف: “حب لأخيك ما تحب لنفسك”، ومعروف عن المجتمع العراقي متشكل من شرائح فاعلة وناشطة مثل؛ طلبة الجامعة، وطلبة الحوزة العلمية، والعشائر، والتجار، والمثقفين؛ من أدباء وكتاب واعلاميين، الى جانب الاكاديميين والمهنيين، ولكلٍ من هؤلاء فرصة كبيرة لتشكيل جبهة ضغط سلمية من خلال الكلمة المسموعة والمكتوبة والتجمعات والاحتجاجات، في اطار التشكلات النقابية والتنظيمية، وربما ينصرف الاهتمام على قضية تخصصية لحل مشاكل في المدارس والجامعات، او مطالبة العشائر بالمشاركة في استتباب الأمن المجتمعي بالتنسيق مع قوى الأمن، او المطالبة بحقوق المثقفين وسن القوانين الداعمة لهم، وغير ذلك، وربما ايضاً، يكون الاهتمام مشتركاً بين الجميع للمطالبة بقضايا عامة تهم الشعب بأكمله، مثل تحديث القوانين، ومكافحة الفساد، والعمل على إنعاش الاقتصاد والتشجيع على الانتاج الوطني، والمزيد من ضبط الأمن العام.

من أين ينطلق الضغط؟

هذا هو السؤال المحوري في عملية الضغط المجتمعية على الدولة، فكيف يمارس الناس هذا الحق؟ ومن أين ينطلقون؟

يوجهنا العلماء الى أهم مراكز الانطلاق في عملية إصلاحية وتغييرية كهذه، وهي؛ المساجد والجوامع وايضاً الحسينيات، الى جانب المراكز الثقافية والتعليمية، مثل المنتديات والجامعات والنقابات، وبامكان هذه الكيانات ان تستقطب الافراد حول قضية ما وتحويلهم الى تيار معارض او مصلح لأي انحراف في الدولة. واذا سلطنا الضوء على المساجد والحسينيات، فهذا يعني تأصيل المطالب المشروعة وإعطائها بعداً حضارياً وقيمياً لا يمكن تجاهله بسهولة، فقضايا مثل؛ السلم، والحرية، والعدالة، وحقوق الانسان، ليس من المطالب الشخصية او المسيسة، انما هي مطالب نابعة من كيان الانسان الفرد والمجتمع، وطالما كانت المساجد في الاسلام منطلقاً لحل الازمات والمشاكل المجتمعية او السياسية، لاسيما في العهدين الذهبيين في فجر الإسلام؛ عهد النبي الأكرم، وعهد الامام علي، صلوات الله عليهما.

وكنتيجة للخلل في مدخلات النظام، لم تنشط بيئة سياسية سليمة قادرة على إيجاد أدوات الضبط والمراقبة والتأثير في تقويم السلطات التنفيذية والتشريعية في الحكومات والبرلمانات المتعاقبة.

واحدة من أهم أدوات الضبط للنظام السياسي الفعال، هو وجود ما يصطلح عليه “جماعات الضغط”، التي لها مصالح سياسية أو اقتصادية تعمل على أن تكون لها علاقات دائمة مع رجال السلطة، وتمارس الضغط بشكل مستمر للحصول على المزيد من الامتيازات، وتستعمل هذه الجماعات النشاط السياسي كوسيلة لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية، كما تؤدي دورًا مهمًا في عملية تطوير الأنظمة السياسية والاجتماعية.

وعلى خلاف الأنظمة الديمقراطية، لم تنشأ في عراق ما بعد 2003 جماعات ضغط حقيقية، قائمة على أُسس ومبادئ وطنية وتبني مصالح مشتركة تحت إطار قانوني، وإنما تشكلت بدلًا منها جماعات مصالح تسعى إلى تثبيت السلطة الحاكمة أو الوصول والمشاركة في السلطة.

وفي غياب الديمقراطية الحقيقية في العراق، تمكنت القوى السياسية الشيعية من فرض وجهة نظرها نتيجة عوامل تعلقت بقدرتها على احتكار القوة الشرعية والفصائل المسلحة، والتأثير من خلال مركزها المالي أو نفوذها الديني والاجتماعي، ما عمّق الفجوة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية من جهة والمواطن من جهة أخرى، وزعزع الثقة بين الناخب والطبقة السياسية بشكل كبير، وفي هذا السياق ظل تأثير المواطن العراقي محدودًا في حق ممارسة السياسية وإبداء الرأي في القضايا العامة، بسبب هيمنة الأحزاب وجماعات الضغط التابعة لها، بما يخدم مصالحها الخاصة

تطور جماعات الضغط في العراق

قبل العام 2003 كانت جماعات الضغط التي تؤثر في رسم السياسية الأمريكية حول العراق، هي الأحزاب والشخصيات المعارضة لنظام صدام حسين التي أيدت قرار احتلال العراق في مؤتمر لندن 2002. أهم هذه الشخصيات (أحمد الجلبي وإياد علاوي وجلال الطالباني ومسعود البارزاني)، والتحق بها لاحقًا حزب الدعوة والمجلس الأعلى بقيادة الحكيم، وكان لها دور في الضغط تجاه قرارات مهمة منها حل الجيش العراقي واجتثاث البعث ودمج الفصائل المسلحة، ما أثر بشكل كبير على بنية الدولة العراقية بعد 2003، وبعد ذلك تحولت جماعات الضغط هذه إلى أحزاب رسمية وشاركت في مجلس الحكم واستمرت في رئاسة الحكومات المتعاقبة.

ولكون الخطاب الديني يمتلك تأثيرًا كبيرًا في توجيه مشاعر المجتمع الشيعي سياسيًا، تعتبر المرجعيات الدينية جماعة ضغط سياسية فاعلة في رسم الإطار السياسي للبيت الشيعي الذي ضم كل الأحزاب السياسية الشيعية آنذاك، خصوصًا أن لكل حزب مرجعًا دينيًا فقهيًا لتأصيل السياسية الشرعية لعمله.

المصالح التي تتبناها جماعات الضغط الدينية في العراق، هي الغايات الأيديولوجية التي تهدف للحفاظ على المكتسبات السياسية الشيعية والدفاع عن قضايا المجتمع الشيعي الذي يعاني منها منذ قرون.

ويعتبر المرجع علي السيستاني من أهم المرجعيات للشيعة في العراق ويمتلك نسبة التأثير الأكبر على رأي الشارع العراقي، ويسمى بـ”صمام أمان” العملية السياسية لما له من العديد من المواقف الحاسمة في المشهد العراقي الحديث، كما أن المشاركة السياسية للسيستاني كانت حاضرة منذ بداية الاحتلال، حيث ساهم في بلورة موقف الطائفة الشيعية من الدولة والتنافس السياسي ومسارات الانتخابات وتشكيل الحكومات، بالإضافة إلى دور الزعيم الديني مقتدى الصدر وقاعدته الجماهيرية الواسعة ذات الولاء القوي التي تعتبر من أهم جماعات الضغط المنظمة والفاعلة في الشأن السياسي العراقي.

يمكن اعتبار المرجعيات الدينية بأنها جماعات ضغط، لكونها تمتلك مقومات الدور الفاعل الذي تؤديه داخل النظام السياسي للتأثير على قرارات السلطة

ويمكن اعتبار المرجعيات الدينية بأنها جماعات ضغط، لكونها تمتلك مقومات الدور الفاعل الذي تؤديه داخل النظام السياسي للتأثير على قرارات السلطة من خارجها، حيث تعمل على جعل قرارات هذه السلطة تتطابق مع أفكار الفئات التي تمثّلها ومصالحها، ومن هذه المقومات عنصر التنظيم الموجود من خلال شبكة الحوزات العلمية في النجف وكربلاء والكاظمية، وما تشكله أهمية الكثافة العددية لهذه الحوزات العلمية المنتشرة جغرافيًا.

حيث تستطيع أن تجيّش عددًا كبيرًا من طلابها وخطبائها من خلال أماكن العبادة والمناسبات الدينة لدعم قضاياها وبخاصة في أثناء الانتخابات أو الأزمات، وتمتلك هذه المرجعيات عنصر القوة المالية المتشكل من الاستفادة من مردودات التبرع بالخمس، والسياحة الدينية في النجف وكربلاء، وسلاسل كبيرة من الاستثمارات والشركات المتنوعة، بالإضافة إلى امتلاكها مراكز تفكير وأبحاث إستراتيجية ومؤسسات إعلامية ضخمة.

ولعل أهم ما تمتلكه المرجعية الدينية كعنصر قوة ضاغط هو السمعة والصورة الإيجابية التي تتمتّع بها في ذهن المجتمع الشيعي، وذلك نتيجة لمسارها التاريخي المتراكم، فالعمق التاريخي يلعب دورًا ويساعد على إرساء هيبة وصورة المرجع، لكن الأحداث الأخيرة جعلت هذه الصورة تهتز داخل مشاعر المجتمع بصورة عامة، وبالأخص فقدان الثقة الكبير تجاه المرجع مقتدى الصدر وموقفه من تظاهرت ثورة تشرين 2019.

من ناحية أخرى لعب شيوخ العشائر دور جماعات الضغط لكن بشكل نسبي ومحدود، حيث اقتصر دورهم على القرى والأرياف والمدن ذات الطابع القَبلي، وكان دورها في توجيه أفراد العشيرة في انتخاب المرشح عن العشيرة أو الضغط على المسؤول في الحكومة الذي ينتمي للعشيرة للحصول على مصالح اقتصادية خاصة أو الحصول على وظائف لشباب العشيرة.

وكنتيجة لتغير موازين القوى الأمنية بعد الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق عام 2011، برزت جماعات ضغط جديدة على المعادلة السياسية متمثلة بالمليشيات المسلحة، التي من أيديولوجيتها دعم الأحزاب الشيعية للبقاء بسدة الحكم، وإقصاء الأطراف الأخرى، ناهيك عن كونها جماعات ضغط تابعة للسياسية الإيرانية في العراق، وتحديدًا مليشيات بدر وعصائب أهل الحق.

تأثير جماعات الضغط المسلحة وصل إلى تهديد القوى السياسية السنية بالتصفية الجسدية والاعتقال، ومن ضمنها تلك المشاركة في الحكومة، كما حصل مع وزير المالية رافع العيساوي، ونائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، الأمر الذي أدى إلى تآكل الثقة بين الأطراف السياسية الشيعية والسنية والكردية.

وقد أقامت الحكومات في فترة رئاسة نوري المالكي علاقة وثيقة مع هذه المليشيات، ما مكنها من السيطرة على مفاصل أمنية حساسة في الدولة، وقد عزز دور هذه المليشيات حالة عدم الاستقرار الاجتماعي وانهيار بنية النظام السياسي، وتحديدًا الانهيار الأمني عام 2014 الذي تمثل بدخول تنظيم داعش للموصل وسيطرته على ثلث مساحة العراق، ومع اقترب خطر داعش إلى تهديد نظام الدولة ككل، عادت جماعة الضغط الدينية لدعم النظام السياسي الشيعي وتوحيد الرأي العام لمواجهة هذا التحدي الكبير، من خلال فتوى “الجهاد الكفائي” التي تم تشكيل مليشيات الحشد الشعبي على إثرها.

إن تشكيل الحشد الشعبي الذي يحتوي على فصائل ذات ولاء خارجي شكل تحديًا كبيرًا لبنية النظام السياسي العراقي، خاصة أن هذه المليشيات أسست أحزابًا سياسية شاركت في انتخابات 2018 التي شابها الكثير من اتهامات التزوير واستخدام أساليب الضغط والتهديد على مواطني المناطق السنية لانتخاب المرشحين التابعين لهذه المليشيات.

بالاستناد لعنصر القوة التنظيمية والعددية لمليشيات الحشد الشعبي كجماعة ضغط، استثمرت هذه المليشيات النصر الذي تحقق على داعش سياسيًا، وكسبت زخمًا شعبيًا قادها للحصول على مقاعد في البرلمان ووزارات في الحكومة. اقتصاديًا كونت فصائل الحشد الشعبي شبكة من الاستثمارات الداخلية والخارجية بالإضافة لحصتها من الموازنة العامة، بالإضافة لمجموعة المؤسسات الإعلامية الداعمة ضمن ما يسمى إعلام المقاومة، وبناءً على هذا يمكن القول إن فصائل الحشد الشعبي شكلت قوة عسكرية ضاغطة على القرار السياسي وصناعة السياسة العامة للدولة، وهذا ما يبدو واضحًا من مواقفها من الصراع الأمريكي الإيراني في العراق

التحول الاجتماعي والسياسي والأمني، في عراق ما بعد الثورة، يستدعي بناء جماعات ضغط جديدة على جميع المستويات

لكن الأداء الضعيف للأحزاب السياسية العراقية وعلى مدى تاريخها الطويل نسبيًا، أصبح سببًا رئيسًا لنشوء انطباع سلبي لدى المجتمع بعدم الثقة في غايات جماعات الضغط على إحداث التغيير المطلوب، كما أن واقع الأحداث الأخيرة بيّنَ لها أن معظم الأحزاب السياسية، الشيعية منها خصوصًا، لها ارتباط لتنفيذ أجندة سياسية خارجية، ولم تنس الذاكرة الشعبية الدور السلبي الذي قامت به أحزاب السلطة في خنق الحريات ومصادرة الحقوق وغيرها من مظاهر الاستبداد والعنف والتسلط.

وما يحصل في المشهد العراقي الحاليّ هو إعادة تشكل النظام السياسي، نتيجة لتغيّرات اجتماعية داخلية وتغيرات في موازين القوة الخارجية، وهو بالمحصلة حد من مستوى تأثير جماعات الضغط الدينية والعشائرية والفصائل المسلحة، كما أن ارتفاع منسوب الوعي المجتمعي نتيجة الروح الوطنية العابرة للطائفية التي خلقتها أجواء التظاهرات، كشف العديد من الغايات الحقيقية لجماعات الضغط التي كانت تستثمر الحراك الاجتماعي لمصالحها الخاصة.

هذا التحول الاجتماعي والسياسي والأمني، في عراق ما بعد الثورة، يستدعي بناء جماعات ضغط جديدة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، قادرة على تنبي قضايا للمجتمع وتحقيقها بعيدًا عن المصالح الفئوية والحزبية، ما يساهم في خلق مساحة أكبر للمواطن العراقي في حق ممارسة إبداء رأيه في السياسية العامة للدولة

تلعب جماعات الضغط المنظمة والتي تمتلك رؤية ومشروع الدور المهم في قيادة وبناء الدول والشعوب على حدٍ سواء وتحقق مصالحها ومصالح البلد من خلال رسم معالم النظام في مكان ووقت معين بصورة مستقرة ومستدامة على عكس جماعات الضغط التي لا تمتلك رؤية او مشروع يمكنها من خلاله قيادة بلدان صغيرة رغم امتلاكها تأثيرا كبيراً على قوى ومؤسسات الحكم وهذا الامر يظهر جلياً في الواقع العراقي الحالي وذلك بعدم وجود اليات او سياقات عمل منظمة او واضحة المعالم لدى جماعات الضغط المهيمنة على القرار العراقي بين مصالحها من جهة ومصلحة المواطن والوطن من جهة اخرى، ويظهر ايضاً في صورة تناحر وتصارع سياسي واقتصادي واجتماعي تنعكس آثاره سلباً على الوضع العراقي بكل جوانبه، فعملية بناء جماعات ضغط تمتلك رؤية واهداف وأدوات ومصالح مستدامة غير متوفرة في العراق، وذلك لأن بنية وهيكلية جماعات الضغط تتخذ الاشكال التالية فقط:-

1- المجموعات التي تعتنق معتقدات دينية وقضايا غيبية مثل دعوة السياسيين الى تبني القضية المهدوية عند الشيعة والتمهيد لظهور الغائب، والتذكير بأهمية ان يكون السياسي الشيعي احد حراس المذهب المعرض للمؤامرات وبالتالي تبنى جماعة الضغط على هذا الاساس.

2- المجموعات التي ترتكز على الايديولوجيا قومية او مذهبية مثل الدعوة الى تأكيد الانتماء العربي او الاسلام السني الذي يواجه مؤامرة التشيع حسب اعتقادهم من قبل الصفويين الذين يكنون لهم العداء المطلق وينطلقون من هذا المنطلق لبناء جماعتهم بهذه الصورة.

3- الشكل الثالث يمثل جانب الكرد و الحلم الكردي بالاستقلال وتذكير سياسي الكرد بالتمسك بهذا الحلم والسعي لتحقيقه من خلال استذكار الصراع التاريخي والمعاناة مع العرب او الإيرانيين او الاتراك ما يسبب بناء جماعات ضغط على مستوى قاصر ومحدود بهذا الشكل فقط.

4- الشكل الرابع جماعات الضغط الجديدة في العراق والتي ظهرت منذ ٢٠١٤ والتي هي عبارة عن جماعات من الناشطين والمدونين على منصات التواصل الاجتماعي، ظهرت في البداية كأفراد غير واضحين الانتماء و لا يمتلكون الرؤية والسياسية ولا الادوات الفاعلة لإحداث نوع بسيط من التحول وفرض عنصر ضغط مؤثر ومتكامل وهذا النوع تمثله فئات من المدافعين, والاعلاميين , والمدونين انتقل نشاطهم نحو تبني قضايا الانتقاد في ملفات الاخفاق الحكومي في الغالب.

5- جماعات ضغط تحمل رؤى ومصالح واجندة خارجية حرصت على التدخل في قرار جماعات الضغط العراقية لتحقيق مصالح دولها على حساب مصلحة المواطن والعراق.

ان فكرة بناء اللوبيات الواعية بعد كل الفشل والخراب المستمر ضرورة ملحة يفرضها الواقع الجديد في العراق، وهاهي القوى السياسية خسرت الكثير من مصالحها المستدامة امام الجمهور وتعكزت على أدوات السلطة فقط وهي أدوات لن تستمر بالنجاح وادارة البلد على المدى المتوسط والبعيد لابل حتى على المدى القريب، فالذكاء السياسي اليوم يتطلب ويفرض التوجه لترك بناء جماعات الضغط المؤدلجة والتي اصبحت أدوات لزعزعة استقرار البلد بسب قلة خبرة اصحابها وعدم وجود ارضية من المصالح المشتركة قادرة على ايجاد بنية حقيقة فاعلة تستطيع تسخير ما يمتلكون من أدوات مؤثرة وتوظيفها لتحقيق مصالح عامة وخاصة والنظرة الضيقة لأعضاء في هذه الجماعات وتركيزهم على تحقيق مصالح مالية خاصة فقط دون الاخذ بنظر الاعتبار المصلحة الوطنية.

ان ما ذكر من أسباب أعلاه فضلا عن اسباب اخرى ساهم في جزء كبير من تعقيد الوضع العراقي ودفعه إلى هذا المنحدر الخطير الذي قد يدفع البلد الى حافة الهاوية وانهيار منظومة الحكم الحالية او تشظيها وفقدان المكاسب الخاصة العامة وتهديد وحدة العراق وسلامته الاقليمية.

جماعة الضغط- pressure group

هي مجموعة منظمة – وعادة ما تُنظّم هذه الرابطة رسميّاً- من الأشخاص أو المنظمات الذين

يتشاركون في المصالح والاهتمامات، والذين يحاولون التأثير في الحكومات وفي وجهات نظر الأشخاص، لإقناع السلطات المعنية بإحداث تغيير ما في السياسة العامة، وذلك بهدف كسب منافع لأنفسهم أو لقضاياهم التي يتبنونها، كتغيير القوانين. تسعى جماعات الضغط –كما تشير التسمية- إلى تحقيق أهدافها عن طريق الحشد والضغط lobbying – على الجهات المعنية بصنع القرار. كما أن نشوء جماعات الضغط هو نتيجة حتمية لتشارك الجماعات الاهتمامات والمصالح في المجتمع، لذا يُستخدم مصطلح جماعة المصالح- interest group وجماعة الضغط بالتبادل في كثير من الأحيان، ومن الجدير بالذكر أن معظم جماعات المصالح لا يتم تشكيلها لأغراض سياسية. حيث عادةً ما يتم تأسيسها وتوظيفها لتعزيز المصالح المهنية أو التجارية أو الاجتماعية أو المهنية لأعضائها عن طريق الترويج لبرامجها ونشر المعلومات المتعلقة بذلك، وبالتالي فإن أغلب هذه الأنشطة غير سياسية، إلا أنها تفرض على الجماعة في بعض الأحيان الدخول إلى الساحة السياسية عندما يكون هذا المسار حتمياً ولا بديل عنه لحماية مصالحها أو عند الحاجة للحصول على تمويل حكومي، حيث إنه لا يمكن بطبيعة الحال الفصل بين السياسة والمصالح.

وقد تنتهج الجماعة سياسة موجهة لمنفعة أعضاء المجموعة أو شريحة محددة من المجتمع، مثل سياسات الإعانات الحكومية المقدمة للمزارعين، وقد تتبنى أهدافاً ذات مدىً أوسع مثل تحسين جودة الهواء. كما تختلف هذه الجماعات في نطاقها وأحجامها. وتوجد مجموعات المصالح على جميع مستويات الحكومة، الدولة، الولايات، وكذلك المستوى القومي، والمحلي. وهناك جماعات نشطة بشكل دائم وأخرى مؤقتة تقدم مقترحات لصانع القرار ثم تختفي بمجرد استجابة النظام لهذه المقترحات، وقد تتشابه مجموعات الضغط في طبيعة الأهداف التي تسعى إليها لكنها تختلف بشكل كبير في طبيعة تكوينها واستراتيجيات الضغط التي تتبعها داخل الأنظمة السياسية وعبرها. ويغلب على جماعات الضغط الناجحة أن تكون جيدة التمويل ومتماسكة ومستقرة، كما يميل زعماؤها، الذين يكونون في كثير من الأحيان من السياسيين السابقين، إلى تبني قضايا تحظى باهتمام شريحة واسعة من السياسيين والموظفين المدنيين.

تسعى هذه الجماعات إلى التأثير في قرارت السلطة، ولكن من خارجها وليس للوصول إلى السلطة أوالسيطرة على المراكز الرسمية فيها، على عكس الأحزاب السياسية. وقد ظهر دور هذه الجماعات جلياً في الحياة السياسية العامة وفي الشؤون الدولية في العديد من الدول حول العالم –كالولايات المتحدة الأمريكية- عن طريق ظاهرة “اللّوبي”؛ وهي جماعة تستهدف مصادر اتخاذ القرار في الدولة للتأثير في هذه القرارات والتي عادةً ما تصدر عن السلطتين التشريعية والتنفيذية والتي تحدد صلاحياتهما وفقاً للدستور، وفي بعض الأحيان تعمل هذه الجماعات بمثابة جهاز رقابي على المؤسسات الحكومية. وأحيانا ما يصاحب تقارب جماعات الضغط أو اللوبيات مع السياسيين والبيروقراطيين ظهور اتهامات بالتضارب في المصالح نتيجة لذلك.

هناك عوامل مختلفة تلعب دوراً مهماً في تشكيل البيئة التي تمارس فيها مجموعات المصالح نشاطاتها، والتي تخلق أوجه التشابه والاختلاف في أنواع أنظمة مجموعات المصالح حول العالم. ومن أهم هذه العوامل مستوى التطور الاجتماعي والاقتصادي socio-economic development- داخل المجتمع، والذي يحدد مدى تمثيل وتقديم المصالح داخله. حيث عادةً ما يكون عدد جماعات المصالح والأشخاص المنتمين إليها أكبر بشكل ملحوظ في المجتمعات الأكثر ازدهارًا اقتصاديًا، أما في البلدان الأقل ثراءً، يكون فيها عدد جماعات المصالح أقل وذات إمكانية أقل للتطور. كما يكون الضغط أكثر رسمية وأكبر تأثيراً في الديمقراطيات، مقارنةً مع نظيره في الدول الاستبدادية والنامية، حيث يكون غير رسمي إلى حد كبير، مع محدودية الوصول إلى الحكومة.

هدف جماعة الضغط

تقوم جماعة الضغط بعدة وظائف غير سياسية في مجال التثقيف والتوعية وغيرها، ولكن عندما تتشح بالصبغة السياسية يصبح لديها هدف واحد أساسي هو الحصول على نتائج إيجابية من قرارات السياسة العامة، وذلك عبر الضغط على صانعي السياسة للحصول على النتائج السياسية التي تحقق مصالح الجماعة. ولتحقيق هذه الأهداف تضع مجموعات المصالح استراتيجية strategy-أو خطة عمل، والتي يتم تنفيذها عن طريق تكتيكات– tacticsمحددة. وتختلف هذه الاستراتيجيات والتكتيكات اختلافًا كبيرًا بين الأنظمة السياسية وداخلها.

حيث تؤدي هذه الجماعات مهاماً مختلفة كتجميع وتمثيل مصالح مجموعات الأفراد بطريقة لا يستطيع فرد واحد القيام بها، الأمر الذي يزود صانعي السياسة بالمعلومات الضرورية لوضع القوانين من جهة، ويؤدي لتثقيف أعضاء المجموعة حول القضايا التي يتبنونها من جهة أخرى، الأمر الذي يساعد على تسهيل عملية الحوكمة. كما تؤدي هذه العملية إلى تمكين أفراد المجموعة ومنحهم خبرة سياسية قد تساعدهم على دخول السياسة فيما بعد، حيث تقوم المجموعات في بعض الأحيان بترشيح أفراد داعمين لقضاياهم للمناصب العامة.

عوامل تؤثر في استراتيجيات وتكتيكات جماعة الضغط

هناك ثلاثة عوامل لها أهمية خاصة في تشكيل استراتيجيات وتكتيكات الضغط. الأول: طبيعة النظام السياسي؛ ديمقراطياً كان أم سلطوياً. حيث تكون الخيارات المتاحة أكبر في المجتمعات الديمقراطية لوجود عدد أقل من القيود عليها، وتكون الاستراتيجيات والتكتيكات المتبعة فيها أكثر رسمية وانفتاحًا من تلك التي تنشأ في المجتمعات الاستبدادية، التي تتسم بالمحدودية والتخصيص، كما تكون أقل وضوحًا للعامة. لذا تبرز علاقة وثيقة بين الجماعة الضاغطة والليبرالية الديمقراطية. حيث تستفيد جماعات الضغط من مناخ الحريات السياسية والمدنية القائمة في هذه الأنظمة، ويمكن إلى حدٍّ ما اعتبار الجماعة الضاغطة أحد مظاهر الديمقراطية الحديثة.

العامل الثاني هو هيكل عملية السياسة. حيث تسهم جماعات الضغط في رسم السياسة العامة عبر أساليب تؤثر في صناع القرار الرسميين وغير الرسميين، حيث تستهدف السلطة المعنية باتخاذ القرار وفقاً للنظام السياسي التي تمارس دورها فيه، وذلك يعتمد على توزيع الصلاحيات وطبيعة العلاقة بين هذه السلطات. على سبيل المثال، تمتلك السلطة التنفيذية سلطة أكبر من التشريعية في صنع السياسة في الأنظمة البرلمانية الديمقراطية، حيث يتم اختيار السلطة التنفيذية من الحزب السياسي الرئيسي أو ائتلاف الأحزاب في البرلمان (مثل فنلندا والهند وجمهورية أيرلندا)، وفي هذا الحال تكون السلطة التشريعية ذات سلطات أقل من رئيس الوزراء ومجلس الوزراء. وهنا قد تلجأ جماعات المصالح لممارسة نفوذها على اللجان البرلمانية التي كثيرا ما يؤكد مجلس الوزراء اقتراحاتها بشأن تعديلات مشروع القانون. على النقيض من ذلك، تعد الولايات المتحدة واحدة من الدول القليلة التي يمثل فيها الضغط التشريعي استراتيجية رئيسية لمجموعات المصالح؛ نظرًا للصلاحيات التي يتمتع بها كل من الكونغرس والولايات المتحدة والهيئات التشريعية للولاية. وبالرغم من محدودية الدور الذي تلعبه المحاكم في معظم النظم البرلمانية في صنع السياسات، إلا أنها قد تلعب دوراً رئيسيًا في إبطال التشريع في نظم أخرى، كما في الولايات المتحدة، حيث وفر نظام فصل السلطات للمحاكم دورًا أكبر في صنع السياسات، ونتيجةً لذلك تتبنى مجموعات المصالح استراتيجيات التقاضي بشكل كبير في الولايات المتحدة.

العامل الثالث: هو الثقافة السياسية المرتبطة بالنشاط الجماعي والضغط. على سبيل المثال، يلقى استخدام جماعات الضغط التعاقدية – أولئك الذين تم التعاقد معهم بموجب عقد محدد للضغط على الحكومة – رواجاً أكبر بكثير في الولايات المتحدة مقارنةً بمعظم الديمقراطيات الغربية والأوروبية الأخرى، حيث يفضل المسؤولون الحكوميون عادة التعامل مباشرة مع أعضاء المجموعة أو المنظمة أو الأعمال المعنية.

تستخدم جماعات الضغط وسائل الإعلام والصحافة عبر تمويل الحملات الإعلامية أو توفير إعلانات مدفوعة الأجر لنشر مقترحاتها التي تعارض أو تدعم سياسة معينة وإيصالها إلى الأجهزة الحكومية، عن طريق نشر البحوث والدراسات التي تؤيد مزاعمها. كما تقوم بتنظيم المظاهرات العامة، والتأثير في الرأي العام، فمثلاً ينتسب أكثر من نصف الشعب الأمريكي رسمياً إلى إحدى هذه الجماعات، التي أصبحت منبراً معبراً عن الرأي العام الأمريكي، وتنشط بشكل ملحوظ في فترة الانتخابات.

ومن الجدير بالذكر هنا أن مجموعات المصالح في معظم الديمقراطيات تُعتَبر من مصادر الدعم المالي للحملات الانتخابية، حيث تقوم بمنح الأموال وتأمين الدعم البشري للمرشحين الذين يؤيدون أهدافها وتوجّهاتها. وقد تقوم في هذا الصدد بحملات إعلامية ملفتة كما تسهل عقد اجتماعات غير رسمية مع كبار الموظفين، وتسهيل الاتصالات الشخصية داخل الحكومة، والاتصال بالصحفيين الرئيسيين أو تقديم موجز إلى لجنة برلمانية، أو حتى تقديم حجج قانونية تتعلق بصياغة التشريعات.

وقد تم تطوير لجان العمل السياسي (PACs) في الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية بهدف دعم المرشحين الذين يتقدمون للمناصب العامة مالياً، أما في أوروبا الغربية فتقوم العديد من مجموعات المصالح بتوفير التمويل للحملات الانتخابية، وخاصة النقابات التي تدعم الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية كما هو الحال في السويد وألمانيا. وكذلك الأمر في الأنظمة الاستبدادية، فغالباً ما تعتمد الأحزاب الجماهيرية فيها على مجموعات المصالح للحصول على الدعم، فعلى سبيل المثال، مول الاتحاد العام للعمل (CGT) ، وهو اتحاد ذروة النقابات العمالية، المشوار الانتخابي لخوان بيرون- Juan Perón في سعيه للحصول على رئاسة الأرجنتين، وهو ما حدث فعلاً حيث بقي في السلطة في الفترة من عام 1946 إلى عام 1955. بالإضافة إلى الموارد المالية، يقدم أعضاء مجموعات المصالح خدمات وموارد مهمة لتمويل الحملات على مستوى القاعدة الشعبية، مثل تشغيل البنوك الهاتفية للاتصال بالناخبين المحتملين، وفرز الأحياء وتنظيم جهود الاقتراع في يوم الانتخابات.

عناصر جماعة الضغط

تتكون جماعات الضغط من ثلاثة عناصر أساسية هي عنصر التنظيم ووجود مصالح مشتركة يدافع عنها الأعضاء وممارسة آليات واستراتيجيات الضغط:

١- عنصر التنظيم: لاستمرار وجود الجماعة الضاغطة ينبغي لها أن تتوافق على قواعد خاصة لتنظيم شؤونها، فهي كيان مستقل قائم بذاته ويؤثّر ويتأثر بتصرّفات الأفراد المنتسبين إلى الجماعة. وهذه العلاقات قائمة على المصلحة المشتركة بين الأفراد وليست علاقات شخصية بالأساس.

٢- الدفاع عن المصالح: جماعة المصلحة هي كل جماعة تسعى لتنظيم مصالحها والدفاع عنها، سواء كانت هذه المصالح مادية أو معنوية. وتتحول جماعة المصلحة إلى جماعة ضاغطة أو جماعة مصلحة سياسية-اقتصادية عند محاولتها التأثير في السلطة لتحقيق منافع تخدم مصالحها. وجدير بالذكر أنّ مصطلح الجماعة الضاغطة قد نشأ لأول مرة في الولايات المتحدة الأميركية، إلّا أنّ المؤلفين الأميركيين يفضّلون استخدام تعبير جماعة المصالح. وتأتي هذه المصالح على أنواع: مادية، إيديولوجية، إثنية، أو مهنية.

-٣ممارسة الضغط: هذا العنصر ما يميز جماعة المصلحة عن جماعة الضغط. حيث يميز العديد من المؤلفين بين جماعات المصالح وجماعات الضغط على أساس محاولة التأثير في قرارات السلطة العامة، فعندما تحاول الجماعة أن تضغط على الجهاز الحكومي للتأثير على اتخاذ قرارات تحقّق مصالحها تتحوّل عندها جماعة المصلحة إلى جماعة ضغط. كمثال عملي على ذلك، تعتبر أي نقابة جماعة مصلحة، إذا استخدمت أدواتها الخاصة لتنظيم المهنة، وضبط القواعد المهنية للمنتسبين إليها، أما إذا حاولت الضغط والتأثير في السلطة الحاكمة للحصول على تعديل قانوني يخص تنظيم أعمالها تصبح عندها جماعة ضاغطة.

أنواع جماعات الضغط

تختلف أنواع جماعات الضغط باختلاف أهدافها ومصالحها، وقد تحتوي الأنظمة السياسية على اختلاف أنواعها على توليفات مختلفة ونطاقات متفاوتة من مجموعات المصالح. ففي الدول الديموقراطية يتم تمثيل كل نوع من أنواع المصالح الخمسة بأعداد كبيرة ذات استراتيجيات وتكتيكات معقدة. أما في البلدان النامية وفي الدول ذات الأنظمة الاستبدادية، فنطاق جماعات الضغط يكون أضيق بكثير، حيث تكون المصالح غير الرسمية عمومًا هي الأكبر أهمية والأكثر عددًا. وفيما يأتي أبرز أنواع هذه المجموعات تبعا للمصلحة الخاصة بها:

١- الجماعات الاقتصادية: وهي النوع الأكثر انتشاراً، حيث تمتلئ العواصم حول العالم بالآلاف منها، ومن الأمثلة عليها: مجموعات الأعمال، على سبيل المثال، الاتحاد الكندي للأعمال المستقلة، اتحاد الصناعة البريطاني، وشركة نستله-Nestlé ومقرها في سويسرا كذلك مجموعات العمل على سبيل المثال، مجموعة IG Metall في ألمانيا، ومجلس نقابات العمال في المملكة المتحدة.

٢- جماعات القضايا: وهي جماعات واسعة النطاق، لا تهدف هذه الجماعات لحماية مصالح اقتصادية بالأساس، بل تركز على الترويج إلى قضية أو قيمة معينة. من الأمثلة عليها الكنائس والمنظمات الدينية ككنيسة العمل الكاثوليكي في إيطاليا، ومجموعات المحاربين القُدامى مثل الاتحاد الفرنسي لرابطات المقاتلين وضحايا الحرب، والمجموعات التي تدعم حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، على سبيل المثال المنظمة الوطنية الإسبانية للمكفوفين (ONCE) ومنظمة علاج التوحد- Cure Autism Nowفي الولايات المتحدة.

٣- جماعات المصالح العامة: تتبنى جماعة المصلحة العامة القضايا ذات الاهتمام العام مثل: حماية البيئة، وحقوق الإنسان، وحقوق المستهلك. وقد توجد في بلد واحد مثل الاتحاد الفيدرالي لجماعات العمل من أجل حماية البيئة في ألمانيا، أو قد تمتد أفرعها في بلدانٍ عدة.

٤- جماعات المصالح المؤسسية الخاصة والعامة: تشمل المصالح المؤسسية الخاصة وسائل الإعلام الإخبارية المختلفة، وخاصة الصحف، وكذلك الجامعات الخاصة، فضلاً عن مؤسسات الفكر والرأي ومراكز البحوث وخلايا التفكير- Think Tanks، مثل معهد بروكينغز- the Brookings في الولايات المتحدة ومعهد آدم سميث- the Adam Smith في المملكة المتحدة. ومن أكبر الأمثلة على المصالح المؤسسية العامة هي الحكومة بمستوياتها المتعددة. من الأمثلة على جماعات المستوى الوطني الوكالات الحكومية مثل الإدارة البريطانية للبيئة، والغذاء والشؤون الريفية، التي تقوم بممارسة الضغط لتأمين التمويل أو لتحديد أولويات قضايا معينة؛ أما على المستوى الإقليمي فقد تقوم الجامعات العامة بالضغط على الحكومة لغايات التمويل أو التشريع، وعلى المستوى الدولي، قد تضغط الأمم المتحدة على أعضائها لدفع مساهماتهم في المنظمة أو لتنفيذ قرارات مجلس الأمن. وبشكل عام تحظى المصالح المؤسسية الحكومية غالباً بأهمية أكبر في الأنظمة الاستبدادية، بينما يتم تقييد أو حظر جماعات المصالح الخاصة بشدة.

٥- جماعات المصلحة غير الترابطية: هي الجماعات التي يكون أساسها رباط جغرافي أو وظيفي أو ديني أو فكري أو مهني.

المصدر