خالد جواد شبيل
أول الكلام:
هناك دول مُحدثة النعمة، فقد انتقلت من حالة الفقر المدقع الى حالة الغنى الفاحش، دون أن تمر بمرحلة انتقالية، وأعني بها الدول الخليجية التي تفجر فيها البترول وحوّل حياتها من حالة الفقر الصحراوي وهو أشد أنواع الفقر على وجه الأرض حيث لا يمتلك جلّ الناس أحذية في أرض رمالها التي طالما تبدو كالصفيح الساخن! وغذاؤهم لا يتعدى حبات تمر مع حليب الناقة..ومن يتصورني مبالغاً فهو على ضلال..
صورة رئيس دولة الإمارات – قبل ثورة النفط – ومؤسسها تشهد على ما أقول .. وروى الكابتن المأسوف على رحيله ناظم شاكر في مقابلة تلفزيونية أن فريقاً لإحدى دول الخليج ذكر اسمها حضر الى بغداد للمشاركة في بطولة كأس العرب الثالثة في بغداد عام 1966 نزل الى ساحة الكشافة للتهيئة للعب كان كل أعضائه حفاة ما أثار استغراب اللجنة العراقية المسؤولة التي سألتهم لماذا لاتلعبون بشكل نظامي بالأحذية الرياضية كان جوابهم: تعودنا على اللعب بدون أحذية! فتولى المسؤولون العراقيون تجهيزهم بأحذية جديدة ليلعبوا بها أول مرة! وما ذكره هيكل أغرب فقد قرر الرئيس جمال عبد الناصر تجهيز إحدى دول الخليج بأحذية من معمل مصري بكمية وافرة وكانت الأحذية مربوطة بشريط جلدي بين كل فردتين.. وجاء رد الخليجيين بالشكر والرجاء بتطويل الشريط الجلدي حتى يتمكنوا من المشي بها!!
ولا أريد أن استغرق بمتى دخلتهم الآلة العجيبة التي اسمها التلفون! ولا أذكر أن مدينة البصرة التي كانت سلة غذاء هذه الدول لسنوات بعد الثروة البترولية..ولا أريد أن أعيِّرهم بفقرهم لكن يبقى السؤال عالقاً: هل قضى البترول على الدماء العربية التي تجري بعروقهم؟!
* * *
ليس القصد أن نعيّر هذه الدول بما ليس بعار! إنما إن هذه الإمارات تصور نفسها قوة إقليمية بل دولية وراحت تصول وتجول وتحارب في اليمن وفي ليبيا.. وتتآمر من تحت العباءة وتطعن في الخاصرة حاسبة نفسها ولي أمر القضية الفلسطينية وقائدتها الهمامة وراحت تطبع مع العدو الصهيوني.. وهذا شأنها غير المشرّف فقط لو لزمت حدودها لكنها تلعب دوراً خيانيا وتطعن في قلب قضية العرب الكبرى وهي القضية الفلسطينية..حاسبة أن إسرائيل تعمل لسواد عيونهم متوهمين أن إسرائيل سترجع لهم الجزر الثلاث التي احتلتها أيران والتي أفرغتها من سكانها العرب القليلين لتبني قواعد عسكرية! وها هي إسرائيل تكوّن جالية يهودية صهيونية لا تني تتسع بسرعة وتباشر أعمالها…! ولا تتردد من أن تكشف عن أي آثار في الجزيرة لتزعم أنها يهودية وتصبح مزاراً لهم كما هو الحال في جربا التونسية وضريح “أبو حصيرة” في المحافظة الغربية في مصر والتي حسنا فعلت مصر بمنع اليهود من زيارته!
وموضوعنا هو المناضلة الإماراتية الشاعرة والكاتبة ظبية خميس المهيري التي منعت من السفر من مطار دبي الى القاهرة.. وأصبحت ملاحقة ومحظور عليها السفر دون سبب تتذرع به الجهات الأمنية..ولا شك أن السبب هو موقفها الشجاع ضد التطبيع..والشاعرة ظبية (62 عاماً) كانت مقيمة في القاهرة منذ عام 1989 وأكملت دراستها في الجامعة الأمريكية وعملت باحثة في جامعة الدول العربية وشغلت منصب سفيرة للجامعة العربية في الهند، وعرفت كمناضلة من أجل الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في الإمارات..ورجعت قبل سنتين الى الإمارات وتولت الإشراف على تلفزيون دبي،
ولم تتخل عن مواقفها النضالية وتعرضت للملاحقة والاعتقال عدة مرات..وهي من الأصوات القليلة من الإماراتيين التي تصدت للتطبيع، أما الأكثرية من الإماراتيين في الخارج فوقفوا مواقف مشرفة وأسسوا تجمع “أماراتيون ضد التطبيع” الذي تدعمه وتنسق معه ظبية خميس..
وقد وجهت المناضلة ظبية نداء الى أحرار العالم من أجل الوقوف معها جاء فيه: “أنا الكاتبة الإماراتية ظبية خميس تم منعي من السفر اليوم بقرار صادر من أبوظبي دون إبداء الأسباب، من مطار دبي في رحلة على طيران الإمارات للقاهرة بتاريخ 26-9-2020 والأغلب لمواقفي المعلنة ضد الصهيونية والتطبيع وأخشى على حريتي وحياتي من التهديد والاعتقال. بلاغ لمنظمات حقوق الإنسان. برجاء إيصال الرسالة إلى المنظمات عبر الجميع وفي أي مكان وأحمّل حكومة الإمارات كامل المسؤولية عن أي قمع أو اعتقال أو اغتيال أو تصفية أتعرض لها”.
لقد هبّ العديد من الأقلام الوطنية من صحافيين عرب وإماراتيين للتضامن معا.. فأين موقف المثقفين العراقينن والمنظمات الديمقراطية للتضامن معها؟!
28 أيلول/ سبتمبر 2020