علي حسن الفواز
العالم كله ينتظر لحظة تنصيب جو بايدن رئيسا للولايات المتحدة، وكأنه انتظار يشبه لحظة خلاص كوني، حيث يخشى الجميع من الحماقات الاخيرة لرئاسة ترامب الغامرة بالرعب والمفاجآت، والتي حولت “موضوعية الرئاسة” الى نزق فردي، والى هوس بالحكم، وبالتمثيل الشعبوي، وبالدعوة الى اعادة أميركا الى عصور الرؤساء العنصريين الذين يحكمون شعوبا من العبيد والتابعين.حقبة دونالد ترامب المسلحة، والصاخبة جعلت العالم يعيش اعراض ضغط الدم المرتفع، كما وضعت السياسة في سياق من الاضطراب الاخلاقي، والتي انعكست على تداولية متعسفة لمفاهيم الديمقراطية والعولمة والحرية، إذ اغرقتها في شعبوية عمومية، أفقدتها قوتها الرمزية، وفاعليتها في التأثير في منظومات الحقوق والمصالح الدولية والسلم الأهلي، وجعلت العالم يتحول الى منطقة رعب وخوف، حتى باتت الاتفاقات والبرامج بين الدول عرضة للمحو عند أية “عطسة” قد يعطسها الرئيس الاميركي.من هنا يأخذ التسارع لتنفيذ الخطوة الرئاسية الجديدة طابعا قلقا، وباتجاه يسمح للرئيس المنتخب أن يتمتع بكامل صلاحياته الأمنية والسياسية والثقافية وحتى الانثربولوجية، لكي يقطع الطريق على أية حماقة ترامبية لتفجير براكين الرعب والصراع العالمي من جديد، ولكي تأمن الدول في مناطق الأزمات على وجودها، وعلى شعوبها وعلى مستقبلها.
توتير العلاقات الدولية، وإثارة المشكلات هنا أو هناك، كانا نزعة ترامب للسيطرة والتفرد، إذ أحدثت سلسلة العقوبات والحصارات نوعا من الضغط السياسي والاقتصادي والثقافي والحقوقي، مثلما احدثت الانسحابات الفردية من الاتفاقات والبرامج، نوعا من القطيعة مع الواقع، ومع الهوية الرئاسية التي ينبغي أن تتسم بالحكمة وبالنظر الى المصالح بعيون مفتوحة. فما حدث كان قرينا بالاندفاع نحو “حروب متواصلة” وعلى المستويات كافة، والتي اسبغت على الهوية الاميركية بمرحلتها الترامبوية سمة “الدولة البطرياركية” واعادت الى الأذهان سياسات الاستعمار القديم، والتهديد بالغزو والمحو، وفرض ثقافة التسليح والاخضاع على سياسة الحوار والقبول بالآخر.
اصرار السلطات الفيدرالية الاميركية على اخضاع المدن الاميركية للسيطرة الامنية قبيل لحظة التنصيب، يعكس مدى الخوف من أية مغامرة، أو “فلتان” امني، قد يعمد بعض اتباع ترامب الى اثارته، وتعقيد اللحظة الرئاسية الجديدة، بوصفها لحظة ضدية لاحلامهم العنصرية، والشعبوية، ولكل ما يرتبط بالحديث عن سرديات الديمقراطية الاميركية، والتي حولها ترامب الى كوميديا سوداء، والى حكاية تتفجر بالسخرية والبشاعة والاوهام التي لم يعد يحترمها العالم الجديد، وهذا ما جعل انتظار التنصيب انتظارا مشوبا بالقلق، لأن ما سيحدث في اميركا سيجد صداه في العالم، وقد يحتاج الى “توصيف آخر” لنهاية التاريخ الذي كتب عنه ذات يوم فوكوياما أحد مؤرخي النهايات الايديولوجية والرئاسية.
العراقالمصدر