كاظم حبيب
المستوى العلمي الهابط لوزارة التعليم العالي ومؤسساتها التعليمية
لم يكن مستوى التعليم في مؤسسات وزارة التعليم العالي في العراق في الفترة الأخيرة من الحرب العراقية الإيرانية حتى سقوط النظام بأحسن أحواله، بل تراجع خلال تلك الفترة كثيراً من حيث مستوى جهاز التعليم ذاته وبعض مفردات المناهج التدريسية، بما فيها تشويه وتزييف تاريخ العرب والمسلمين بروح قومية شوفينية متطرفة، وتراجع شديد في مستوى الطلبة والخريجين والخريجات، التي اقترنت بتدخلات سياسية ومنهجية فضة من قبل قيادة وتنظيمات حزب البعث الحاكم، والاتحاد الوطني لطلبة العراق، سواء أكان بالنسبة لنتائج الطلبة أو حتى في تعيين الأساتذة والمدرسين والمعيدين أو في المناهج. وقد صاحب ذلك حصول فوضى سياسية سادت البلاد وتدهور مستوى عمل وشفافية أجهزة الدولة في مختلف المجالات والمستويات، إضافة إلى بروز واشتداد الضائقة المالية التي ساعدت على انتشار سريع وعام للرشوة المالية في أجهزة الدولة والمجتمع، ومنها جهاز التربية والتعليم.
لقد ساهمت جمهرة مهمة من المختصين بقضايا التربية والتعليم في الكتابة عن تلك المرحلة والكشف عن عوراتها الكبيرة والعواقب المترتبة عنها. وقد تسنى لي في حينها قراءة تلك الدراسات القيمة والجدية المهمة التي نشرها الأستاذ الدكتور محمد الربيعي بهذا الصدد. إلا إن مستوى التربية والتعليم في العراق قد هبط عشرات المرات خلال سنوات النظام الحكم الطائفي السياسي الفاسد منذ العام 2003 حتى الآن بالمقارنة مع سنوات العقد والنصف الأخير من حكم البعث الدكتاتوري. لقد تصدر وزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي وزراء إسلاميون سياسيون جهلة ومتخلفون فكراً وممارسة وحضارة، وهم ضد العلم والعقلانية التعليمية، وبالتالي لعبوا دوراً كبيراً في التأثير السلبي على مناهج التعليم في جميع مراحل وحقول التدريس الجامعي، إضافة إلى وضع مناهج التربية والتعليم في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية والمعاهد الفنية المهنية، باتجاه مخالف للعلم والعقل وخاضع للاجتهادات الدينية والخرافات وتشويه التاريخ وإشاعة التمييز الديني والطائفي. إذ لم يكتف هؤلاء الجهلة بوضع دروس للدين فحسب، بل أدخلوا الدين في أغلب المناهج التعليمية بما يشوه العلم والدين في آن واحد، إذ لا مساومة بين العلم والدين في وضع المناهج العلمية التعليمية والتربوية، إذ لكل منهما حقوله ومجالاته الخاصة ولا يجوز التداخل بينهما.
إن هذا يعني بأن الوضع الجديد الذي نشأ مع فرض الدولة الطائفية السياسية المحاصصية الفاسدة لم يقتصر على التدهور في مستوى الجهاز التعليمي فحسب ومستوى التعليم ثم في مستوى الطلبة فحسب، بل جرى تراجع وتشويه أغلب المناهج التعليمية العلمية والعلوم الإنسانية على نحو خاص، إذ دخل الفكر الديني المشوه والتمييز الديني والطائفي في صلب المناهج التربوية والتعلمية، وهي الوجهة الخطرة التي تنشر الكراهية والأحقاد في صفوف التلاميذ والطلبة وتساهم في تنشيط الفساد المالي والإداري في كل مكونات أجهزة التربية والتعليم.
إن هذا الواقع السيء الذي يسود مؤسسات الدولة التربوية والتعليمية، يعتبر جزءاً من فساد الدولة العراقية الراهنة ودورها الهامشي والتابع، لا يعني عدم وجود عناصر علمية وعقلانية ونزيهة في مؤسسات التربية والتعليم، لكنها محاصرة في عملها وغير قادرة حتى الآن على تحقيق ما تسعى إليه من تغيير فعلي في مجمل العملية التربوية والتعليمية لصالح العلم والمعرفة. ومرة أخرى يمكن هنا الاطلاع على الدراسات الجديدة والمهمة للأخ الدكتور محمد الربيعي وآخرين بهذا الصدد للتيقن مما أشير إليه.
بودي في هذا المقال أن اجلب انتباه كل العاملات والعاملين في مجال التعليم والثقافة في العراق إلى واقعة سيئة جديدة غير علمية حصلت في قسم الدراسات العليا في كلية الآداب/جامعة الموصل. فقد صدر كتاب رسمي بالعدد 3/7/15 بتاريخ 10/01/،2021 وقعه وكيل عميد كلية الآداب الأستاذ المساعد الدكتور محمد علي محمد عفين، يشير فيه إلى تحديد موعد مناقشة رسالة ماجستير يتقدم بها الطالب (عمار أياد حمادي ثلاج) الموسومة بـ (المسيحية والصهيونية والامريكية ودورها في غزو العراق 2003) بتاريخ 28/01/20121، إضافة إلى تشكيل لجنة علمية لمناقشة هذه الرسالة مكونة من تعليميين بدرجة أستاذ وثالث بدرجة أستاذ مساعد ورابع بدرجة مدرس. ويبدو أن المناقشة قد تمت وليس بعلمنا حتى الآن نتائج تلك المناقشة وهل حصل الطالب على شهادة الماجستير أم لا. والسؤال العادل والمشروع: ماذا يعني تقديم مثل هذا الموضوع في رسالة ماجستير في جامعة الموصل التي خرجت لتوها من احتلال لها من قبل عصابات داعش المجرمة؟ ألخص ما أراه كجواب عن هذا السؤال:
1) العنوان ليس مرتبكاً فحسب، بل وخاطئ جداً من الناحيتين العلمي والموضوعية العقلانية. فالعنوان يخلط بتعمد وسبق إصرار بين الدين المسيحي أولاً، والفكر القومي الشوفيني المتطرف للصهيونية ثانياً، والأمريكية، التي لا يبدو منها أنها الدولة الأمريكية أو الشعب الأمريكي أو السياسة الأمريكية أو نمط الحياة الأمريكية ثالثاً. وكم كانت الرسالة المفتوحة التي وجهتها هيئة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب في العراق إلى رئاسة جامعة الموصل صائبة ودقيقة في تأكيدها عدم علمية هذا العنوان وخطأه الفادح من ناحية عقلانية التفكير وصياغة عنوان رسالة الماجستير، ودورها في نشرها روح الكراهية والحقد في المجتمع العراقي. (أنظر: رسالة مفتوحة الى رئاسة جامعة الموصل/العراق، [ابعدوا العلم ورسائل الدراسات العليا عن الاتجاهات الشوفينية والتمييز الديني والطائفية]، موقع هيئة الدفاع عن أتباع الديانات والمذاهب في العراق، 30/01/2021).
1. والعنوان بحد ذاته يشكك بالدين المسيحي، وبالتالي بأتباع الدين المسيحي، حين يربط بين بين المسيحية في غزو العراق، وكأن المسيحية وأتباعها مسؤولون عن هذا الغزو، وهو خطأ فادح وإساءة كبيرة للدين المسيحي وأتباع الديانة المسيحية، وفيها محاولة جادة لأثارة الفتنة وضد جزء مهم من شعبنا عانى ما عاناه من عصابات داعش المجرمة من جهة، والمليشيات الشيعية الطائفية المسلحة والعناصر الطائفية المتشددة للأحزاب الطائفية الحاكمة من جه أخرى.
2. كما إن هذا الربط المتعمد بين المسيحية والصهيونية بحيث يعطي الانطباع وكأن الدين المسيحي متواطئ مع الصهيونية في غزو العراق عام 2003، وهو يعرف وقف المسيحيين من الصهيونية، وعلى الأقل يمكنه متابعة موقف المسحيين المناهض للحركة الصهيونية في فلسطين مثلاً.
3. كما أن ربط المسيحية بالأمريكية في غزو العراق عام 2003 يشيع روح وأجواء الكراهية ضد مسيحيي الولايات المتحدة والعراق في آن واحد. ف حين إن المسؤول عن تلك الحرب في عام 2003 هي الدولة الأمريكية وسياستها في العراق والمنطقة، وليس للدين المسيحي أو المسيحيين دخل في ذلك. وعلينا أن لا ننسى بأن المسيحيين والمسيحيات في البلاد يشكلون جزءاً أصيلاً من الشعب العراق وهم مواطنون ومواطنات حريصون على انتمائهم لهذا الوطن المستباح حالياً بالتمييز الديني والطائفية السياسية المقيتة والفساد والتبعية لإيران.
4. كما أن عنوان رسالة الماجستير يطرح سؤالاً عادلاً مفاده/ هل أن قسم الدراسات العليا وكلية الآداب وجامعة الموصل، وهي مؤسسات علمية، التي وافقت على مناقشة مثل هذه الرسالة وبهذا العنوان غير العلمي وغير الموضوعي والمحرض ضد مسيحيي العراق والعالم، لم تتخلص حتى الآن من الذهنية الفاسدة التي سيطرت على جامعة الموصل وأجواء الموصل بين أعوام 2014-2017 حيث احتلت داعش الموصل وعموم نينوى وفرضت منهجها الديني التكفيري المناهض لبقية الديانات والمذاهب في العراق والعالم؟ الجواب يفترض أن يأتينا من تلك الجهات العلمية!
5. والغريب بالأمر إن خمسة من الأساتذة والعمادة الذين اطلعوا وناقشوا هذه الرسالة لم يخطر ببالهم الاعتراض على قبولها لعدم توفر الشروط العلمية المطلوبة حتى في عنوانها وقبل تقديمها للمناقشة أصلاً.
6. إن صياغة العنوان تفضح ثلاث مسائل مهمة هي: ذهنية الكاتب وتخلف مستواه ووعيه العلمي وقدرته في التعبير؛ كما تفضح مستوى المشرف على رسالة الماجستير الذي أقر مثل هذا العنوان والموضوع الملتبس. وهنا يثار سؤال آخر: هل إن ذهنية الأستاذ المشرف متماثلة مع ذهنية الطالب، والتي تتجلى في صياغة العنوان وفي المنهج غير العلمي للرسالة. وأخيراً فهذا يطرح مسالة مفادها هل إن الذين يهيمنون على قسم الدراسات العليا واللجنة العلمية التي ناقشت هذه الرسالة تكره من حيث المبدأ والواقع الدين المسيحي والمسيحيين في العراق والعالم، وبالتالي هل من حقها التدريس في الجامعة وهي التي تميز بين الموطنين والمواطنات على أساس ديني؟
لا أريد أن أتطرق هنا إلى قضايا أخرى تحصل في جامعات العراق الأخرى، ولكن باختصار أشير إلى ما جاء في العمود اليومي للكاتب والإعلامي الأستاذ علي حسين في جريدة المدى تحت عنوان “طلفاح استاذاً جامعياً”، بتاريخ 31/01/2021 حول “قرار رئاسة جامعة بابل والذي قررت فيه، بعد أن احتلت موقعها في التصنيف الدولي كواحدة من أفضل جامعات العالم، أن تلتفت لتنظيم أخلاق الطلبة، فقررت أن تصدر قرارها “الثوري” بإلزام طلبتها بما أسمته “الحشمة” و”عدم التبرج”، والالتزام بألوان ملابس يقررها رئيس الجامعة “حصراً”. طبعاً إن المقصود هنا بأن جامعة بابل تحتل واحداً من أسوأ المواقع في تسلسل جامعات العالم.
تباً لكم أيها الطائفيون الفاسدون إلى أين تدفعون بالتعليم في العراق، وإلى أي المهاوي المدمرة لطلبة العراق ومستواهم العلمي وعلاقاتهم الاجتماعية. فطلبة العراق يشكلون جزءاً عضوياً من الرواد والمناضلين الشجعان في انتفاضة العراق التشرينية الشبابية لصالح تغيير الواقع العراقي والسير به صوب الحرية والديمقراطية والتقدم الاجتماعي وحقوق الإنسان وحقوق القوميات وأتباع الديانات والمذاهب والعدالة الاجتماعية. تباً لكم كيف تسعون لتشويه أفكار الطلبة بما تفرضوه من مناهج وأخلاقيات متخلفة وسبل تعليم بالية ودراسات من هذا النوع.
ملاحظة: وجهت رسالة إلى رئيس جامعة الموصل الأستاذ الدكتور قصي كمال الدين راجياً منه أعلامي بنتيجة مناقشة رسالة الماجستير المذكورة أعلاه، لم أحظ منه بجواب حتى الآن.