الكاتب بضمير حي مع مصباح حق في يده منيرا في ظلام أزمنة باطلة
بقلم مهدي قاسم
الكتابة بدون وحي مباشر من ضمير حي و شعور بمسؤولية أخلاقية إزاء الآخرين الذين يعانون قهرا وتهميشا و حرما وفقرا و ظلما ، فالكتابة بدون هذا تُعتبر مجرد ثرثرة مصفطَّة لا غير ـــ حسب تصوري ..
فلابد للكتابة إذن أن تنطق بقول الحق مجردا من عواطف و انحيازات سياسية و عقائدية ، فكتابة غير كهذه فإنها تنتهي دائما إلى مجرد أن تكون هذيانا فارغا ليس إلا ..
لأن قول الحق أهم بكثير من دفاع عن أيديولوجيات سياسية أو عقائدية معينة دفاعا متشنّجا ، ومستميتا بتعصب أعمى عن كل ما هو باطل و ظالم ..
فمن هنا يكون لقول الحق أولويته وسموه فوق ما عداه وقبله و بعده ..
وغالبا ما يقرّبنا قول الحق من ناصية العدل ضد الظلم والظالمين و وقوفا إلى جانب المظلومين والمحرومين ، وضد ما هو باطل وظالم ، بغض النظر عن هوية الظالمين والمظلومين ، و إلى أي قوم وفئة أو عرق أو دين و مذهب ينتمون ..
لأنه ـــ افتراضا ــ أن الكاتب الأصيل و صاحب ضمير حي و إنساني نزعة ومواقف ، هو أصلا وتلقائيا لسان حال كل مظلوم ومضطهد و مغبون ومحروم سواء في وطنه أو في العالم ، بل ومدافع عن حقوقهم في كل زمان ومكان ، دون أن تؤثر عليه في ذلك لا عواطف سياسية ولا فئوية ولا عقائدية أو اعتبارات اجتماعية معينة ..
بل أستطيع أن أذهب أبعد من ذلك لأقول أنه :
ـــ يجب على الكاتب ذي النزعة الإنسانية أن يقول الحق ويقف إلى جانبه حتى لوكان ذلك يتعارض ، أحيانا ، مع بعض أفكاره وقناعاته ..
لأنه من المحتمل جدا أن تكون قناعة ما على خطأ ، خاصة إذا كانت المسألة تتعلق بأمور سياسية ، بينما الحق ليس كذلك ..
و عندنا أمثلة تاريخية كثيرة ورائعة من هذا القبيل عن الذين قالوا الحق ووقفوا إلى جانب الحق بأوضح صوره ، بحيث أصبح قول الحق دربهم الوحيد والمستقيم حتى نهاية حياتهم ..!..
و بعضهم قُتلوا بسبب قول الحق و الإصرار عليه ..
فقول الحق أمر ليس له علاقة ــ إطلاقا ــ بالانتماء القومي أو العقائدي ، فهو قيمة مبدئية وأخلاقية قبل أي شيء آخر ، فمن هنا ــ وحسب تصوري ــ يجب على كاتب أصيل وصاحب ضمير إنساني أن يحمل مصباح الحق في يده جنبا إلى جنب مع قلم وقرطاس ليقول الحق و يقف إلى جانبه في كل زمان ومكان ومهما كانت الحال !..
ولكن قبل أي شيء آخر يجب أن يكون مُعينا لطلائع شعبه ووطنه وينصرهم في المحنة و الظروف الصعبة و العصيبة ..
أما الكاتب ـــ أي كاتب كان ــ الذي يبيح لنفسه أن يتحول إلى ببغاء عقائدي ليس إلا ، منطلقا من الشعار البدوي القديم القائل ” ناصر أخاك ظالما أو مظلوما ” ليدافع بالفعل عن َظلَمَة و فاسدين وسارقي لقمة أيتام و أرامل وتعب فقراء محرومين و فلوس دواء مرضى في مستشفيات ، بل وعن مخربي بلدان و خونة الأوطان ،لا لشيء فقط لأنهم ينتمون إلى دينه أو مذهبه أو قومه رغم مظاهر فسادهم وظلمهم ، فأن كاتبا كهذا لا يمكن إلا أن يتحول إلى بوق مبحوح ، خاسرا ضميره وقيمه ومبادئه الإنسانية التي يُفترض توجد عنده بالفطرة كأضعف الإيمان ..