العشوائيات.. المدن المنسية

بغداد- واع- هندرين مكي

تصوير حسين الونان

برزت ومنذ العام 2003 ظاهرة السكن العشوائي والتي تحولت مناطقها بمرور السنوات إلى مدن كبيرة تضم أعدادا كبيرة تتجاوز الثلاثة ملايين شخص حسب إحصائية حكومية.

أسباب كثيرة دفعت ساكني العشوائيات الى اللجوء الى تلك الاحياء غير القانونية والتي تفتقر لأبسط مقومات العيش مع غياب تام للخدمات، وابرز هذه الاسباب هو ضيق العيش وارتفاع اسعار السكن، فتلك البيوتات التي اختلفت طرق بنائها البسيطة توفر ملاذا مجانيا لتلك العائلات الفقيرة، والسبب الاخر غياب التوسع العمراني وتفاقم ازمة السكن وارتفاع اسعار العقارات الى جانب الزيادة في عدد السكان والذي ترافقه زيادة الحاجة الى السكن.

وبصرف النظر عن الاسباب التي دفعت هؤلاء المواطنين الى اختيار السكن في تلك العشوائيات، فإن هذه الشريحة من المنظور الحكومي متجاوزة على أراض تابعة للدولة وعلى الخدمات والماء والكهرباء والطرق، كما أن هذه العشوائيات حسب مختصين شوهت جمالية المدن.

رؤية حكومية

المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي قال لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إن "الوزارة قدمت مسودة قانون إلى مجلس النواب قبل سنتين طرحت فيها خريطة معالجة السكن العشوائي في العراق بشكل عام"، لافتا الى أن "إعداد هذا القانون كان في العام 2016 وبالتنسيق مع برنامج الأمم المتحدة ووزارة الاعمار والإسكان والبلديات والأمانة العامة لمجلس الوزراء، وتم وضع خطة معالجة متكاملة ومن محورين، الأول هو الحد من انتشار العشوائيات والمحور الثاني هو المعالجة"، وأضاف، أن "المحورين يحتاجان غطاء قانونيا حتى تتم المعالجة، خاصة أن البعض عارض القانون باعتبار أنه سيزيد من اعداد المتجاوزين، ووضعت اقتراحات أخرى للقانون لكنها لم تكن بالمستوى المطلوب"، مؤكدا أن "هناك تحركا من الوزارة وايضا من لجنة العمل والخدمات النيابية، بإعادة النظر بهذا القانون ومتابعة الملف بكل تفصيلاته، وسعت الوزارة إلى إجراء مسح ميداني واجتماعي لكل العشوائيات في العراق للوقوف على حالة كل عشوائية وما هو نوع التدخل المطلوب، حيث إن بعض العشوائيات قد لا تمثل تجاوزا على املاك الدولة اذا كانت خارج التصميم الأساس او خارج ممتلكات عامة او خاصة، ومن الحلول التفكير ببدائل أخرى كأن تكون توزيع قطع اراض سكنية لسكان العشوائيات او من خلال بناء مجمعات سكنية بديلة، وهذه كلها تحتاج إلى تشريع".

وشدد الهنداوي على "ضرورة الحد من تمدد وتواجد عشوائيات جديدة من خلال تنفيذ المرحلة الثانية من الخطة وهي توفير سكن، حتى بعد أن وصل عدد سكان العشوائيات إلى ثلاثة ملايين وأربعمئة ألف، حسب المسح الذي كان قبل سنوات وربما وصل الان إلى ثلاثة ملايين وخمسمئة ألف".

منظمات دولية

وأشار الى أن "الوزارة تبذل الجهود من اجل التنسيق مع منظمات دولية وحكومية، وتسعى ايضا الى تنفيذ مسح شامل للعشوائيات خلال هذا العام، اذا سمحت لها الظروف بسبب الحاجة إلى متطلبات لإجراء هذا المسح المهم"، مبينا أنه "على أساس نتائج هذا المسح سيحدد نوع التدخل في كل عشوائية ويمكن ايضا أن تكون مخرجات هذا المسح هي مدخلات للقانون واعادة النظر فيه على وفق المعطيات الجديدة".

ولفت الهنداوي الى أن "التدخل في العشوائيات من اي جهة يجب أن يكون تدخلا إيجابيا وليس سلبيا، بمعنى أنه لا يمكن أن نزيل عشوائية معينة ما لم يوجد بديل لسكان هذه العشوائية، وبالتالي هذا هو المعيار، بعدم تعرض اي شخص إلى عدم الاستقرار"، موضحا أن "خطة الطريق التي أعدت أساسا كانت بالتعاون مع إحدى منظمات الأمم المتحدة والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة وهناك تعاون مع البنك الدولي فيما يتعلق باستراتيجية تخفيض الفقر باعتبار أن سكان العشوائيات هم فقراء وبالتالي يحتاجون إلى رعاية واهتمام، ولا يكون التعاون فقط ماليا، خاصة وإن وجد فيكون قليلا".

وبين أن "البنك الدولي قدم سابقا قرضا مقداره (300) مليون دولار وتم تخصيصه في تمويل المشاريع التي تنفذها الوزارة من خلال الصندوق الاجتماعي للتنمية وشملت في المرحلة الاولى ثلاث محافظات (المثنى وصلاح الدين ودهوك) والآن تم شمول ثمان محافظات جديدة من خلال استهداف القرى الفقيرة في هذه المحافظات في المرحلة الأولى"، منوها بأن "هذه القروض نجحت في تنفيذ 62 مشروعا في 29 قرية منتشرة في المحافظات الثلاث، ووفرت خدمات لحوالي 63 الف مواطن ووفرت فرص عمل لأكثر من الف شاب في هذه المحافظات الثلاث والآن ايضا هنالك ثمان محافظات جديدة وهي بغداد وذي قار والانبار ونينوى وبابل وميسان والديوانية السليمانية جميعها تم شمولها في المرحلة الثانية، والمتبقية من المحافظات في المرحلة الثالثة، وتمكين سكان هذه القرى من الحصول على خدمات أساسية مثل الكهرباء الماء والطرق، وفي هذا العام حدث اكثر من لقاء مع اللجنة البرلمانية للخدمات والأعمار وكانوا جدا ايجابيين، والفكرة كانت إعادة النظر بمسودة مشروع قانون العشوائيات الذي قدمته وزارة التخطيط على اعتبار أنها أعدت في سنوات سابقة وظهرت تغييرات مثلا ظهور عشوائية جديدة ومستجدات ولذلك نحن ممكن أن نذهب بإعادة النظر في القانون وصياغة بنوده وفقا لمعطيات المرحلة".

حلول نيابية

عضو لجنة الخدمات والاعمار النائب بيستون عادل، قال لوكالة الأنباء العراقية (واع)، إنه "في هذه الدورة استعانت لجنة الخدمات بمختصين في معالجة مشكلة العشوائيات، وكانت هنالك ارتباطات على مستوى كبير لوزراء بهذا الموضوع لكن لحد الان لم يكن هناك اتفاق نهائي رغم ان لجنة الخدمات مصرة على أن يكون في هذه الدورة تشريع قانون العشوائيات لأهميته للمواطن"، وأضاف أن "هناك الكثير من العشوائيات في كل المحافظات من دون استثناء وبالنسبة للمواطنين الذين تجاوزوا على أماكن تابعة للدولة، فأكيد أن غالبيتهم ليس لديهم سكن، لهذا يجب تحديد طبيعة التجاوز فهنالك متجاوزين على مناطق تجارية وهناك متجاوزين على مناطق زراعية"، مبينا أن "هذا القانون فيه الكثير من المغالطات، ولجنة الخدمات اجتمعت اكثر من خمس مرات للوصول الى صيغة تلائم المواطن والحكومة لان هناك الكثير من الأراضي المهمة المتجاوز عليها".

وأوضح عادل أن "اللجنة يجب أن تناقش كيفية تقطيع الأراضي المتجاوز عليها وإيصال الخدمات لها، وان يكون لها سند وطابو لان كل المتجاوزين في النهاية هم من الشعب العراقي ويجب أن يكون لهم مأوى تتوفر فيه خدمات لكي يعيشون عيشا رغيدا، وهذا التشريع يحتاج الى تعاون من الوزارات لإيصال الخدمات، وايضا بعض العشوائيات في المناطق التي يوجد فيها نفط وماء وهذا يوجب المتابعة، وايجاد حل جذري من لجنة الخدمات النيابية"، مؤكدا أن "لجنة الخدمات عازمة على انهاء هذا الملف خلال الفترة المقبلة".

رؤية الخبراء

ويرى الخبير الاقتصادي دريد العنزي أن "موضوع توفير سكن للعشوائيات موضوع صعب في الوقت الحاضر، بسبب الظروف الاقتصادية التي يمر بها البلد بينما الحل الأمثل لمعالجة مشكلة العشوائيات هي استيراد آلاف البيوت الجاهزة وبكلفة سبعة إلى عشرة آلاف دولار للبيت الواحد وسيتم إنهاء مشكلة كل العشوائيات، اما الحل الثاني والاهم هو استغلال المساحات الفارغة على حدود المدن وتهيئة الأراضي، وتوزع لكل مواطن 50 مترا، مع توفير الخدمات لها وبضمنها النقل باعتبار أنهم في أطراف المدن، وهذه من الحلول البسيطة والسريعة وانا اعتبر أن مشكلة العشوائيات منتهية اذا نفذت".

معاناة العشوائيات

المواطن عبد الرزاق حسين يسكن في احدى المناطق العشوائية في بغداد يقول، إن "صعوبات الحياة وعدم الحصول على عمل مناسب مع ارتفاع اسعار السكن دفعته الى السكن مع اولاده الخمسة في هذه الارض المملوكة للدولة منذ العام 2005".

وأشار الى أن "ابنه الاصغر كان عمره اربع سنوات حين قرر ترك سكنه الايجار، لعدم تمكنه من تسديد بدل الايجار، والان ابنه لديه خطيبة ويفكر بالزواج قريبا، لكن المأساة تكررت مع ابنه الذي سيسكن في العشوائيات أيضا مع عائلته المستقبلية"، مؤكدا أنه "طوال الاعوام السابقة كان يرغب بالخروج من العشوائيات نحو سكن يمتلكه، الا ان الظروف الصعبة وارتفاع الاسعار وتعثر الاعمال منعته من تحقيق حلمه".

وأضاف، أنه "زاول مختلف الاعمال خصوصا الشاقة، كالتحميل على الظهر او باستخدام العربة ما يوفر له ولعائلته مبالغ بسيطة تسد حاجتهم وتمكنهم من شراء الملابس البالية"، مبينا أن "ثلاثة من اولاده يعملون معه في التحميل بالاسواق القريبة من مسكنهم بالعشوائيات، ومع ذلك فإن هناك اياما يتوقف فيها العمل ليبقى البيت من دون طعام حتى يأتي الفرج ويتحرك السوق من جديد".

واعتبرت المواطنة صبيحة هاشم نفسها محظوظة كونها تسكن قرب المستشفى في احد احياء مراكز المحافظات الجنوبية، رغم أن "هذا الموقع فيه مخلفات الادوية واجهزة التعقيم والفضلات التي تتجمع قرب موقع السكن العشوائي"، مشيرة الى أن "سكنها في منطقة متجاوز عليها، لكنه كان يمثل بالنسبة لها موقعا متميزا لقربه من المستشفى فهو امين من ناحية ويوفر لها العلاج من ناحية اخرى، فعند تعرضنا لازمة صحية فالمستشفى لا تبخل علينا بالأدوية..".

وتضيف، أنها سكنت في هذا الموقع ليتمكن زوجها من العمل في المستشفى، قرابة 10 سنوات حتى توفى، وبقيت هي وعائلتها في هذا البيت المكون من اعمدة حديدية وصفائح معدنية للسقف وستائر من النايلون لا يحمي من البرد او الحر.. وتشير الى أنها لا يمكن أن تغادر هذه الاعمدة لأنها تذكرها بزوجها الذي اسسها وساعدته هي فيه وتطمح أن تؤسس بيتها الجديد من نفس هذه الاعمدة بعد حصولها على ارض سكنية".

العراقالمصدر