العراقيون أيقونة عشق لا تنتهي

بغداد- واع- هندرين مكي- علي جاسم السواد تصوير: صفاء علوان بينما تتشارك قلوب العشاق في جميع دول العالم حباً وولعاً في يوم خصص للحب، تتسارع قلوب العراقيين لهفة وعشقاً، شاركت القلوب واحتلت مساحة في ضمائرهم قبل قلوبهم، حب هذه الأرض التي غرست في ثنايا الروح حكاية حب، بدأت مع عشتار وسمير أميس قبل آلاف السنين. وإذا كانت قصة هذا اليوم بدأت عند العالم بعد اعدام القديس فالنتاين، في القرن الثالث الميلادي، فإن العراقيين عرفوا الحب منذ انشأ الله الخليقة، وتجسد ذلك في روح الحضارات التي عاشت واستوطنت في بلاد الرافدين. وتستمر قصة الحب العراقي عبر الزمن لتتجسد مرة اخرى بقصائد شعرية تارة أو اسطورة تتلقفها الاجيال تارة اخرى، ليبقى العشق يتدفق بين ضفاف دجلة والفرات يسير من قمم جبال كردستان وحتى اهوار البصرة.
عشق الوطن
وليس العراقيون وحدهم من يحبون أرضهم بل وطنهم يعشقهم ايضا، معادلة لا يعرف فك احجيتها الا من عاشوا في هذا الوطن، وتعمدوا من قداسة مائه وداعبوا تموجات سهولة، مدافعين عن شموخه من عاديات الحروب والارهاب والموت، غير مبالين بأرواحهم فداء لترابه الطاهر، فرغم الوجع تتعالى موسيقى الحب عازفة لحنا على قيثارة بابل، يتشابك مع عزف ناي قادم من سهول الشمال لتتراقص على هضابه الغربية، إنه وطن صنع تاريخ العشق في الكون. اليوم لا تزال نشوة الحب تستوطن العراقيين ولاتزال طقوس هذه المناسبة تتصدر مشهد حياتهم، فالجميع يتسارعون لارتداء اللون الاحمر وشراء هدية ترمز للعشق القابع في القلوب لا تمييز بين شاب مفعم بحب الحياة وبين ارباب عائلات، تصورهم البعض بأنهم لا يولون لهذا اليوم اي اهتمام، لكن عشق الوطن علمهم أن الحب لا يفنى مهما مرت السنوات وتراكمت صعاب الحياة، ليكون أي واحد منهم في مقدمة الباحثين عن وردةٍ حمراء يهديها الى ملكته الوحيدة.. وكالة الأنباء العراقية (واع)، تجولت بين اسواق بغداد وشوارعها لتوثق تفاعل العراقيين مع عيد الحب تزامنا مع تشديد اجراءات الوقاية من فيروس كورونا.
اللحظة الحاسمة
في زحمة المتبضعين من المحال التجارية لفت انتباهنا رجل خمسيني، يسارع في البحث عن هدية، وكأنه طفل يبحث عن لعبة يتوق الى اقتنائها، سارعنا لسؤاله عن سبب هوسه في الحصول على هدية، بابتسامة عراقية تقبل ابو عمر صاحب الـ(52) عاما اقتحامنا خصوصيته وقال، إنها "لحظة حاسمة في حياتي لأنني تعودت ومنذ عدة سنوات أن اقدم هدية الى زوجتي، تعبيرا عن حبي لها، وتقديرا للسنوات الطويلة التي قضيناها معا، تشاركنا الافراح والاحزان، لذلك أجد أن الرجل مهما مضت به السنوات يبقى طفلا باحثا عن العشق، وأنا لا اجد هذا الحب الا مع اسرتي". وأضاف، أن "كل عام افاجئ زوجتي بهدية بسيطة لكنها تعني الشيء الكثير لها، وهذا الامر لا يتحقق الا بمساعدة ابنائي الذين يخططون لكل شيء وأنا اسير حسب هذه الخطة حتى تتفاجأ بحفلة صغيرة تنسينا جميعا مشاق الحياة وصعابها، لذلك أنا اعتبر عيد الحب لحظات جميلة وحاسمة لتكريس السعادة داخل بيتي ولجميع افراد عائلتي". تركنا أبي عمر يبحث عن مبتغاه واتجهنا صوب سيدة ناهزت الـ (40) عاما، في البداية رفضت الحوار معها لكن بعد أن اخبرناها بعدم التصوير استجابت لنا وقالت، إن هذا اليوم مميز بالنسبة لها ليس لأنه عيد الحب فقط، إنما يصادف ذكرى زواجها، وأن هناك طقوسا عديدة تقوم بها للإعداد لهذه المناسبة، منها توجيه الدعوة لبعض اقاربها، وشراء قالب حلوى واقامة حفل يحضره جميع الاقارب، لكن هذا العام استثنائي، لأنها تخشى من فيروس كورونا وستكتفي بحفل صغير لأسرتها". الاعلامي ملاذ الأمين "61 عاما" أشار الى أنه "اختار هدايا لزوجته ولجميع أبنائه بمناسبة فالنتاين، وهي السفر والاحتفال في إحدى المحافظات الشمالية"، مبينا أنه "لم يكن يهتم سابقا بهذا اليوم لكن جميع الذين من حوله يهتمون، حتى صار لزاما عليه أن يجعل من يوم 14 شباط مختلفا وسعيدا له ولأفراد عائلته طالما أن هذا اليوم يجعلهم متقاربين ومتحابين". رؤية الشباب
ولعل أسطورة عيد الحب باتت تحتل مساحة بين الشباب الذين يعبرون عن هذا اليوم بطقوس مختلفة، فبعضهم يرى في تقديم الهدايا تعبيرا حقيقيا للحب، والبعض الاخر يجد أن الحب الحقيقي لا يتحدد بيوم معين، بل يستمر مع الايام والسنوات فيما يرفض اخرون هذا اليوم وهو ما تحدث عنه احمد صادق صاحب الـ 28 عاما وقال: "لا أرى أن تقديم الهدايا الحمراء شيء ضروري او تقديم اي هدية لأن هذا اليوم غير واضح بالنسبة لنا نحن كشرقيين، لكن أنا دائما ارغب بالمزاح مع أصدقائي المهتمين بهذا اليوم ولاسيما المتأثرين به في حال عدم حصولهم على هدايا من محبوباتهم أو من الناس المقربين لهم". بينما أكد خالد جمعة "26 عاما" وهو يدير أحد محلات بيع الهدايا، أن "ما يطلبه الزبائن في هذا اليوم غريب جدا في بعض الأحيان، لأنهم يطلبون أي شيء، المهم أن يكون لونه أحمر ويكون مختلفا عن الزهور والدببة لأنهم يبحثون عن التغيير، ونحن نستعد في كل عام، حتى نجهز محلاتنا بالورود الحمراء التي تكون على شكل أساور توضع في اليد، ولكنه لا يعرف، لماذا اللون الاحمر بالتحديد؟". أما الكاتبة أفراح سامي فقالت، إنها "ترى في هذا اليوم عشق الله وعشق العائلة وحب الوطن وحب الخير وكل مشاعر الحب التي تمنح حياتنا الدفء، ونحن كعراقيين نعيشها بكل صدق وتضحية، وهو ما يعطي معنى وجمالا وتذوقا لحياتنا التي نعيشها، وبالتالي فإن العراق هو اجمل من يعيش فالنتاين وذكرى فالنتاين لا بأس بها قد نحتاج لمن يذكرنا بقلوبنا التي قد تتناسى أو تغفل عن محبيها". نظرة أكاديمية
الدكتور في مقارنة الاديان الاستاذ المساعد عماد الهلالي قال: إن "إقبال العراقيين في السنوات الأخيرة على الاحتفال بعيد الحب هو ظاهرة ملفتة للنظر، ويجب أن لا ننسى أن العراقيين من البلدان الشرقية الاكثر اهتمام بالأمور الجميلة، وهنالك عدة أسباب لهذه الظاهرة، والسبب الاهم حسب وجهة نظري هو مد العنف أو المد الذكوري هو الغالب في المجتمع العراقي وهو أعطى ثقافة عنيفة للمجتمع رغم أنه ليس كل الفئات تشجع المد الذكوري ورغم هذا المد وجد العراقيين عيد الحب متنفسا لهم لإبراز الحب والعاطفة والرقة من خلال فالنتاين عساه ولعله يخفف من حالات العنف في العراق الحاضر". وتابع: "وايضا من الأسباب الأخرى هو طغيان المفاهيم الخاطئة التي غزت المجتمع العراقي، والتقاليد العشائرية والمجتمعية التي أغلقت أمامهم الكثير من منافذ التنفس، وجاء (فالنتاين) من الغرب متنفسا يتمسكون به، لذلك يكون هذا العيد القادم من مكان غير شرقي، ربما بمثابة شفيع لهم، وايضا هنالك عوامل أخرى ساعدت جيل الشباب العراقي على الاهتمام بهذا العيد، بينها خلو الساحة من مناسبات مشابهة أخرى، لهذا هم يعنون بهذا اليوم كي يطلقوا لمشاعرهم وعلاقاتهم المزيد من الصراحة والحرية والموجودة في داخل كل إنسان، لهذا يتمسكون بالمناسبة اكثر من اقرانهم في باقي البلدان العربية والإسلامية". العراقالمصدر