الذئاب البشرية هي ليست الا بشر مستذئبين وتتواجد بأقنعة كثيرة ليلا ونهارا

أ.د.سلمان لطيف الياسري

الذئب الحقيقي عند (الجوع ) يسرق لقمته فقط … بينما الذئب البشري عند ( الشبع ) يسرق لقمة سواه

لا يوجد ذئاب بشرية

و لكن يوجد بشر ذئاب

هل تتصور بماذا يفكر ذئاب الدواعش ومالذي ابقته من خسه ورائها

دماء تسيل على الشاشات، أنهار من الجثث ظهرت في المنطقة مع قدومهم، لا يمر يوم من دون أن يتلذذوا بنحر البشر بعد أن هدموا الحجر، لا يخفى على أحد أنهم عناصر “الدولة الاسلامية ” الذين يتنفسون رائحة الدم لا الأوكسجين .

تتوالى المذابح الفردية والجماعية يومياً، مشاهد مقززة إلى حد الغثيان تلاحقنا من التلفاز إلى جهاز الكمبيوتر وصولاً إلى الهاتف المحمول، فيديو لنحر إنسان مع التفنن في مكان وضع رأسه بعد فصله عن جسده، فتارة نجده على ظهر الضحية وتارة معلقاً في البرية، لا بل وصل الأمر إلى استبدال أولاد لا تتجاوز أعمارهم أصابع اليد، الكرة برأس مقطوع، يحملونه، يلتقطون صورة مع ضحكة وليس فقط ابتسامة، أطفال يتعلمون كيفية حمل السكين لا الكتاب!

ويبقى السؤال، هل “يستذئب” الانسان فجأة ويصبح قابلاً لنحر الآخر من دون أن يرف له جفن؟ هل هي “ثقافة” دم موروثة أو نتيجة “طبيعية” للغوص بالحروب؟ وبماذا يشعر “الناحر” حين يقدم على جريمته؟

“الحقد الدفين يوّلد رغبة للأذية، والأذية المثلى تكون بالذبح لأنها بمثابة شطر دماغ “العدو” المحرك الأساسي للانسان عن جسده، وبالتالي يكون قد أوصل القاتل ثلاثة رسائل، الأولى أنني أكره الآخر، الثانية أن باستطاعتي أن أقول للآخر أني قادر على شطر دماغك الذي يمثل محركك البنيوي لتصبح جثة، أما الرسالة الثالثة فمدلولاتها سياسية وطائفية وهي اننا قادمون ومصممون، نحن قتلة يجب أن تهابونا وتخافونا لأنه لا يمكنكم أن تقوموا بما نقوم به لا لسبب سوى لأنكم أفضل ونحن نعرف ذلك ولكن كونكم أفضل لا ينقذكم من شرنا “، وذلك بحسب رأي الدكتور نبيل خوري، الاختصاصي في علم النفس العيادي.

وأشار خوري الى أنه “لا يوجد ثقافة موروثة بل جهل وحتى غباء وسوء فهم لحقيقة النفس البشرية مع قدرات تحليلية ضعيفة وقدرات ادراكية تكاد تكون شبه ميتة، لذلك لا يفكر القاتل بما يقوم به ولا يحزن لأن ما قام به محفز أصلاً من خلال الجهالة والتعصب، ولا يمكن للانسان أن يكون متعصباً إلا عندما يكون جاهلاً، (بالتأكيد ليس المقصود أنه لا يحمل شهادة جامعية) “.

وإذا كان لدى القاتل قناعة أن الآخر مختلف، فينطلق من قناعته بعد أن يرسخها بشكل يصبح ما يفعله ضرورة لانقاذ البشرية من براثن الآخر الذي أساء إليه، فإن خوري رأى أنه “خلافاً لما يتم تداوله والتحليلات الواهية التي يتم ترويجها لأغراض سياسية أو طائفية او مذهبية، فإن القاتل قاتل أيا يكن انتماؤه الطائفي والمذهبي والديني. والدين الذي يجب أن يكون المحفز الأول للحفاظ على روح الآخر يصبح المحفز الأول للقتل لديه، وبالتالي تسقط كل الممنوعات والمحظورات وتصبح عملية القتل عملية أوتوماتيكية تنسجم مع طموحات وأفكار ومخيّلة صاحبها، والتي قد تكون مخيّلة غير خصبة، بمعنى أن القاتل غالباً ما يكون غبياً متعصباً، وكل غبي متعصب محرّض من قبل أشخاص أذكياء يعرفون كيف يلعبون على وتر عصبيته بعد تجهيله بشكل تام ونهائي، بالتالي يعتبر أن فكره الديني هو الفكر الأوحد وأن الآخرين لا يستحقون الحياة، فيقدم على الذبح تعبيراً عن مكنونات نفسه ويصبح الدين محفزاً للقتل بدل أن يكون رادعاً “. الى ذلك، “يعتبر القاتل أن الغاء الآخر مهمة مقدسة، فيشعر بالراحة والطمأنينة عندما يقتل وكلما تمادى بالقتل كلما شعر براحة أكبر وضعفت عنده عقدة الذنب، لأنه يعتقد أن ما يقوم به هو لهدف سامٍ، وبالتالي يكبّر وهو يذبح، يريد أن يقول أنا أكرمك يا ربي بقتل الشرير والعدو وممثل الشيطان على الأرض، كما يقوّي بذلك نفسه ويتشجع على القيام بعمل ليس سهلاً و يعزز ضعف عقدة الذنب” .

واعتبر خوري أن ” المحركين الكبار للقتلة ينتمون الى أجهزة دولية تعمل عبر أشخاص أذكياء ومثقفين جداً على غسل أدمغة أفراد لديهم نقص في الثقافة أو فشل اجتماعي أو ضعف أو فقر مدقع، وتبقى الأرضية الأكثر خصوبة لتجهيز هؤلاء هي الفقر “.

وعن انجراف الأولاد إلى مستنقع الذبح والعنف: قال ان “الأرضية للتربية تبدأ بالأطفال كونهم قابلين للقولبة، يجري تعليمهم أن ما يحصل يشابه ما تشاهدونه في أفلام العنف والمصارعة الحرة وألعاب “البلاي ستايشن”، ويقولون لهم الآن نؤمن لكم الوسلية لتطبيقه مع أشخاص هم أعداء الأمة وأعداء الإيمان ” .

” الحيوانات تقتل لتعيش، أما الانسان فيقتل كي لا يعيش الآخر، وبالتالي يعود بغرائزه إلى القرون الوسطى وما قبل القرون الوسطى بل حتى إلى العصر الجاهلي، فإذا كان القتل ليس جديداً على البشرية حيث كان قائماً في الماضي وضعف بعض الشيء عند ظهور الأديان، فإنه عاد من يحييه اليوم باسم الأديان السماوية “، ختم خوري .

يشعر القاتل بعد ذبح “فريسته ” بالنصر والاكتفاء واشباع شراهته ، بحسب ما قاله عالم الاجتماع العيادي الدكتور رائد محسن لـ”النهار” ، وأضاف: “هم ينحرون نحراً ليس فقط يذبحون، يتلذذون وهم ينقضون على فريستهم بسكين صغير كما شاهدنا عند “نحر” الرقيب علي السيد ، عملية الذبح تشكل راحة نفسية لهؤلاء الذين ادمنوا على الدم، تماماً كمدمن مخدرات لا يرتاح حتى يحصل على جرعة منها. ومؤسف ما نشاهده اليوم من قدوم شباب من أصقاع العالم، ليس لديهم خلفية عربية ولا اسلامية لكنهم يعتنقون الاسلام حباً بالقتل فقط، فهم يعتقدون أن هذا هو الإسلام “.

من جهته، رأى أستاذ التاريخ الشيخ فادي سكرية أن ما يقدم عليه عناصر “داعش” هو “نتيجة تعصبهم لعقيدتهم، فأي عقيدة حين تتطرف تصل إلى النتيجة ذاتها ” ، أما الأسباب التي تدفع للذبح، بحسب سكرية، فهي “وجود أشخاص مهمشين يتحيّنون الفرصة لاثبات أنفسهم، ثانياً عدم مواكبة الفتوة الدينية للأحداث، وعدم وجود مجمع فقهي يرشد إلى الخطأ والصواب، ثالثاً غياب المؤسسات الدينية الراعية، فكل الذين يدينون ما يحصل يمثلون حالات فردية لا ترقى إلى وضع صيغة عامة ومشروع مواجهة يحتاج الى مال سياسي”.

فلم نسمع يوما عن ذئب نجح في دور الإنسان

لكننا سمعنا كثيرا عن بشر نجحوا نجاحا باهرا في دور الذئاب

و لم نسمع عن ذئب ارتدى قناع إنسان

لكننا سمعنا عن إنسان ارتدى قناع ذئب

و لم نسمع عن ذئب نهش ذئب

لكننا سمعنا عن إنسان نهش إنسان

و لم نسمع عن ذئب سرق ذئب

لكننا سمعنا عن إنسان سرق إنسان

الذئاب لاتصبح بأي موقف من المواقف بشر

لكن البشر يتحولون في الكثير من المواقف إلى ذئاب

و البشر الذئاب أشد خطورة علينا من الذئاب الحقيقية

لأن مخالبهم ليست في وجوههم و لأن أذنابهم ليست في ظهورهم

فنعاني لأننا نتعامل معهم كبشر فلا نتخذ منهم حذرنا

و نفسح لهم في حياتنا مساحات بيضاء

و نمنحهم من الثقة الكثير

فنتقاسم معهم الحياة و التفاصيل … و اللقمة

و هناك من لا يعني له اقتسام اللقمة شيئا

ففي زمن كهذا الزمن الذي كثرت ملذاته و خيراته لم يعد للعيش و الملح أهمية لدى الكثيرين

و لا احد تسعفه ذاكرته عند الغدر أن يتذكر العيش و الملح و اللقمة المقتسمة ذات ذكرى

و وحدهم الأنقياء الذين يتبادر إلى ذهنهم ذكرى العيش و الملح

عند أول ثقب لخنجر الغدر في ظهورهم

و البشر الذئاب لايستوطنون الغابات

فالغابة لاتحتوي على أحلامهم و مطامعهم

و لا توفر لهم من الفرائس مايشبع جوعهم و يسد نهمهم

لذا …، فهم يعيشون بيننا …، يستوطنون أحلامنا …، يتغلغلون بأعمق تفاصيلنا

يجيدون دورهم ببراعة غير قابلة للشك و التأويل

لهذا فــ(عضة) الإنسان الذئب أشد على الإنسان من عضة الذئب

لأن الإنسان الذئب لايُمزق الجسد …، يمزق الروح و تشوه الروح أشد قسوة على النفس من تشوه الجسد

الذئاب البشرية نماذج كثيرة :

ذئب مثقف

يصطاد بقصائده ببراعة و يمنح مفتاح عالمه الوردي لكل من هب و دب من الفتيات و النساء المعجبات

ذئب تربوي

علاقاته اللاتربوية بلا حدود…، و ليس للتربية في سلوكياته أثر

ذئب مسعور

الجنس هاجسه الأول …،لايردعه عن ممارسته أي شي و لايفرق بين ضحاياه …، فهو يروي عطشه حتى من محارمه …،

ذئب موظف

يعتلي كرسيه و يجاهد كثيرا ليبدو رجلا و إن كانت رتوش وجهه تفضح الكثير و في المساء ينضم إلى قائمة قوم لعنهم الله في كتابه

والمسذئبين يمشون معنا في الطريق, نُسلم عليهم بالأيدي,نراهم مثل البشر والإنسان عموما,لا ندري هل يحملون صفة الإنسانية أم لا ,أو ربما يتحوّلون إلى ذئاب في الليل كما في قصص الخيال العلمي ,فنحن لا نشك لحظة أن من أمامنا هم بشر مثلنا,إلى أن يحدث العكس.

لكن ما إن تدير لهم ظهرك حتى يطعنوك من الخلف,كما طعونك من الأمام بابتسامة الغدر والكلام الأبيض الناصع,الذي لا غبار عليه,فهم في نظرنا يعرفون الله عز وجل, بعضهم يتاجر بالدين,ولكن لا يعملون به, يوظف صورته أمام الناس على أنه خير خلق الله, لا يراعي في الناس عهدا ولا ذمة,حقوقهم خط أحمر وأمر ليس فيه نقاش,وحقوق الناس مجرد غبار على بذلته السوداء المصنوعة من الحرير الخالص, يكفي أن تنفخ فيه ليطير مع أول ريح, وبعضهم يتاجر في السياسة كما الاقتصاد

وعلى ذكر الذئاب ,هناك ذئاب من نوع آخر,فبين الفينة والأخرى نكتشف سطوع نجم جديد على هيئة ذئب بشري ,متمثل في أستاذ مدرسة قد اغتصب طفلة بعد التغرير بها,والتحضير مسبقا لسيناريو محكم لإشباع غرائزه ورغباته المكبوتة لديه,وما يزيد الظاهرة انتشارا هو اختيار الأسرة للصمت بدل التشهير خوفا من العار,وبالتالي تفضيل الكتمان على المطالبة بالحق القانوني لردع هذه الظاهرة,فرغم العقوبات الحبسية التي تطال مرتكبي هذا الفعل,لكنه ليس حلا مثاليا, والتي يجب الاهتمام بها من الجانب الاجتماعي أيضا, وكذلك توزيع الدور بين الأسرة بضرورة مراقبة أطفالها عن قرب,ومن جانب آخر على الاعلام أن يلعب الدور الايجابي عوض نهج سياسة نشر الخبر فقط,دون طرح أي حلول ولاشيء…؟

وغير بعيد من المدرسة نجد من يُمثّل دور العاشق الولهان على زميلته في الدراسة,وبأنه “مُهَنّدْ” زمانه, و”رُونالدو” في كرة القدم….؟ إلى أن يتمكن منها وينعم بلحظات جميلة, عمل من أجلها طويلا,فيُوثقُ إنجازه على هاتفه المحمول ويوزعه على رفاقه في النضال,حتى يُصبح شريطا متداولا على شبكات التواصل الاجتماعي,وتتحول من لحظة عابرة إلى فضيحة متداولة ومتاحة للجميع بكبسة زر فقط تباع أعراض الناس…؟

وهناك ذئاب تأكل عرق الناس بعدما تمتصّ منهم طاقاتهم وجهدهم وكفاحهم لسنين من العمل,وتجني من وراء طيبتهم الملايين,ثم تطردهم بدعوى الإفلاس,أو الأزمة العالمية,وغير ذلك من أسباب النفاق ..؟ ونسي أن يقول بسبب الأزمة الأخلاقية والمهنية,أو بسبب الجشع وحب المال ولو على جثث الفقراء.

النوع المبهم ذئاب تلبس بدلة محترمة مع ربطة عنق ملونة بألون الطيف,يحفظ جملة من الجمل الإنشائية,ليوزعها على المغلوب على أمرهم,ويصف لهم أحلامه البريئة في القضاء على البطالة,وتحسين ظروف العيش والسكن والصحة والتعليم, ورغم أن هذه كلها حقوقنا التي يجب أن ننعم بها رغما عنهم, إلا أنهم يتاجرون بما هو حق لنا….؟”كذب المنجمون ولو صدقوا”.

دون أن ننسى ذئاب يكسوها البياض تتاجر بالام الناس وتصف لهم الشفاء بعد عملية بيضاء في مستشفى الوهم,بثمن خيالي…؟ باع المريض المسكين كل ما يملك من أجل أن ينعم بلحظة دون أن يتألم .

وذئاب لم أجد لها من وصف سوى هذه العبارات الناطقة, كنت قد قرأتها.

غفوتُ بأمان وحولي رفاقي

واستيقظتُ فلم أجد حولي سوى الذئاب

ولا أعلم هل أكل الذئاب رفاقي

أم أن رفاقي تحولوا إلى ذئاب…؟؟

ومع ذلك تجد البعض يفتخر بالذئاب ويمدحها رغم أنها خطر عليهم لغدرها وعدم إخلاصها..؟ كان أولى بهم أن يمدحوا الكلاب فهي الحارس على حياتنا, والوفية رغم مطبات الحياة.

المصدر