الازمات الإقتصادية المتتالية التي تعاني منها الدولة العراقية

الازمات الإقتصادية المتتالية التي تعاني منها الدولة العراقية
د. ماجد احمد الزاملي
يفضي تعظيم الإيرادات الريعية قصيرة الأجل الذي ظهر كمحصلة للتسوية السياسية العراقية في وقتنا الراهن إلى تحقيق نمو في إنتاج وتصدير النفط بغض النظر عن ، وحتى على حساب ، تعظيم توليد العائدات مع مرور الوقت بما في ذلك تلك الواردة من المنتجات غير النفطية. كما أنه يحرف مسار تخصيص الإيرادات الريعية نحو النفقات المتكررة التشغيلية على حساب الإستثمارات الإنتاجية ً بالغة ألأهمية. والاستقرار السياسي يؤدّي إلى خلق بيئةٍ آمنة مستقرة ومحفِّزة للتطوير والابتكار والإبداع، إذ لا يمكن تحقيق التنمية الاقتصادية بمعزلٍ عن الاستقرار السياسي والأمني، كما يساعد الاستقرار السياسي في بناء الثقة بمؤسسات الدولة ووقف هجرة رؤوس الأموال خارج الدولة وجذب الاستثمارات الأجنبية إليها، إلى جانب تعميق مبدأ دولة المؤسسات والقانون؛ الذي يؤدي بدوره إلى النمو والازدهار الاقتصادي وتعزيز الشفافية والنزاهة في الدولة مما يساعد على كسب ثقة المستثمرين. وبطبيعةِ الحال فإنّ جذب الاستثمارات يُسهم بشكلٍ مباشر في زيادة نسب الوظائف المستحدثة وتخفيض نسب البطالة. ونتيجة لعدم الإستقرار السياسي وتعقيد بيئة ممارسة الأعمال أسهم بصعوبة تحرك القطاع الخاص من حيث ممارسة نشاطه بحُرية وانسيابية، وذلك لوجود الكثير من العقبات التي تقيد نشاطه، ابتداءً من بدء النشاط التجاري واستخراج تراخيص البناء والحصول على الكهرباء، مروراً بتسجيل الملكية والحصول على الائتمان وحماية المستثمرين الأقلية ودفع الضرائب، انتهاءً بالتجارة عبر الحدود وإنفاذ العقود وتسوية حالات الإعسار. كما يستطيع العراق أن يعزز مشاركة المواطن والمسائلة الحكومية في تقديم الخدمات والبنى التحتية لأهميتها للمواطن في تحديد أولوية الإستثمارات الإتحادية وفقا للأولويات . يمكن للدولة أن تدرك أن طريقة تقديم الخدمات ومدى عدالتها أمراً له أهميته فيما يتعلق على الأقل بشرعية الدولة بقدر أهمية من يقدمها ومدى كفاءته في ذلك. إن إعطاء الأولوية للإستثمارات التي تم تحديدها كأولويات عليا للمواطن وتضمينها آليات تدعم المسائلة والمشاركة ومعالجة المظالم يمكن أن يساعد في تحسين العلاقة بين المواطن والدولة.
و العراق من الدول النفطية الهامة في الأسواق العالمية، حيث إن احتياطي العراق من الغاز يتجاوز 3.5 تريليون متر مكعب، و يشكل الغاز المصاحب للإنتاج النفطي نسبة 70 % منه، ويمثل الباقي مخزونات الغاز الحر , وأن “هذا المخزون الغازي يمكن استثماره بشكل عاجل والاعتماد عليه، لاسيّما أنه ينتشر في محافظات عراقية عديدة، ويمكن التعجيل بعمليات تطوير الحقول الغازية ، كل ذلك إضافةً إلى التعجيل في المشاريع التي تهدف إلى التخلص من حرق الغاز”. إلاّ أنَّ قطاع الطاقة في العراق يعاني من عدد كبير من المشاكل، وأن البيروقراطية المعقدة في البلاد تعيق التقدم من خلال التركيز على الحلول التقنية الصغيرة قصيرة الأجل وغير الفعّالة، بدل الإصلاحات المؤسسية الكلية طويلة المدى، وإلى أن قطاع الطاقة عرضة لأجندات متضاربة لمجموعة واسعة من الفاعلين السياسيين في العراق، والتي تقوّض الرؤية الوطنية الموحدة لإدارته. إن إستقرار العراق جزء لا يتجزأ من الأمن العالمي، ويجب على المجتمع الدولي أن يدعم الجهود المبذولة في العراق لتحقيق استقرار الطاقة، التي ستستقر بها البلاد لتكون حاجزا ضد التطرف ببناء ودعم الاقتصادات المحلية، التي تمنع النزوح الجماعي الداخلي ونزوح اللاجئين على المستويات الإقليمية، الذي يؤثر على رفاهية دول خارج العراق، خاصة في أوروبا.
إضافة الى أن الاقتصاد العراقي تعرَّض لمواجهة تحدي تراجع أسعار النفط مع الاقتصادات المنتجة الرئيسية للنفط حول العالم، لكن حالة عدم الاستقرار الأمني التي يعيشها العراق منذ عقود وزادت من ذلك وطأة تراجع أسعار النفط ، ولاسيما أن هذه الحالة ازدادت بداية من عام 2014 أيضاً، لدى سيطرة تنظيم “داعش” على نسبة تزيد عن 40% من الأراضي العراقية، بما تحويه من مقدرات وموارد اقتصادية، ولاسيما آبار النفط. وقد أعاقت حالة انعدام الاستقرار التي يعيشها العراق، بسبب وجود تنظيم “داعش” على أراضيها، خطط الاستثمار في البلاد، وكان من أهم الخطط التي تضررت بسبب ذلك، خطة رفع طاقتها الإنتاجية للنفط إلى تسعة ملايين برميل يومياً بحلول عام 2020، والتي كانت ستؤدي، حال الوفاء بها، إلى مضاعفة إنتاجها الحالي , إضافة الى تأثير وباء فيروس كورونا على طلبات اسواق النفط والركود الكبير.
ومن المرجح أن تستمر مظاهر الأزمة الاقتصادية في العراق خلال الفترة المقبلة، لاسيما في ظل اعتماد الاقتصاد على النفط، حيث أن إحداث التحول الهيكلي المطلوب لتعزيز مظاهر التوازن في أي إقتصاد تحتاج إلى عقود طويلة. كما أنَّ حالة عدم الاستقرار التي تعيشها البلاد، والتي يتوقع أن تمتد لفترة غير قصيرة في المستقبل، ستتركه مرهوناً بالقطاع النفطي، لاسيما أن الحكومة لن يكون بمقدورها تنفيذ الخطط الاقتصادية اللازمة، والتي تقوم على التنويع واستدامة النمو ومواجهة العيوب الهيكلة في الاقتصاد الكلي. وفي مثل هذه الظروف فإنها ستركن إلى الاعتماد على ما تحتكم عليه من موارد نفطية, تصل إلى 147 مليار برميل كاحتياطيات نفطية مؤكدة، والتي يحتل بها العراق المرتبة الرابعة عالمياً في حجم الاحتياطيات، بعد فنزويلا والسعودية وإيران.
وللسياسة النقدية دور كبير في تقليل العجز في ميزان المدفوعات يبرز من خلال قيام البنوك المركزية باستخدام أداة من أدوات السياسة النقدية وهي رفع سعر الخصم، لأنه سيجعل البنوك التجارية ترفع من أسعار الفائدة وإذا ارتفعت فإن الإقبال على الائتمان أو طلبه سينخفض، وهو ما سيجعل الأسعار تميل إلى الانخفاض أيضا، لأن الطلب قد قل على السلع المعروضة، وإذا انخفضت الأسعار محليا فإن هذا الإجراء سيؤدي إلى تشجيع الصادرات، وإلى تخفيض الطلب على السلع الخارجية طالما أن الأسعار المحلية منخفضة، وكما أن ارتفاع أسعار الفائدة محليا سيغري الأفراد الأجانب إلى توظيف أموالهم بالبنوك الوطنية، وبالتالي تدفق أموال أجنبية إلى داخل الدولة، وهذا ما يساهم في تخفيض العجز في ميزان المدفوعات، ومع انخفاض الأسعار المحلية ينخفض معدل التضخم وهو ما يجعل السلع المحلية أكثر قدرة على منافسة السلع الأجنبية، كما أنه يشجع زيادة الصادرات، ويخفض العجز في ميزان المدفوعات. وذلك ما حدث في أعقاب انتخابات عام 1980 في الولايات المتحدة عندما كان الاهتمام بمعدل التضخم المرتفع، وارتفعت قيمة الدولار بالنسبة للعملات الرئيسية خلال العام نفسه . السياسة النقدية تتضمن الأهداف المتسلسلة والتي تبدأ بالأهداف الأولية مثل هدف القاعدة النقدية، وأسعار الفائدة والاحتياطات الحرة، وهناك أهداف وسيطة تربط بين الأهداف الأولية والنهائية مثل أسعار الفائدة المتوسطة والطويلة الأجل والمجاميع النقدية كلها، الائتمان الكلي، والناتج الوطني الإجمالي، وسعر الصرف الاسمي. إن الأهداف النهائية التي ترسم في ظل السياسة الاقتصادية العامة هي ، تحقيق الاستقرار للمستوى العام للأسعار والعمالة الكاملة، وتحقيق معدل عال من النمو وتوازن ميزان المدفوعات. تتحدد فعالية الأسهم الحكومية في إحداث التغيرات المطلوبة بمدى ربحية مشروعات الحكومة التي تتداول أسهمها في السوق، وفي الحقيقة فإن أرباح الحكومة التي تجنيها من مشاريعها الخاصة تعتبر ضخمة جدا، نظرا للتنوع في تلك الاستثمارات، فهي لا تستثمر في مشروع واحد ولا في نشاط واحد، كما أن مشروعات الدولة تتميز بكفاءة التسيير نظرا لحيازتها على أكفأ الإطارات المسيرة، وهذا ما يجعل متوسط ربح السهم الحكومي مقاربا لمتوسط ربح الاقتصاد الوطني أي أن احتمال الخسارة من وراء امتلاك سهم حكومي ضعيف جدا، و لهذا يكون الطلب على أسهم الحكومة أكبر من الطلب على أسهم القطاع الخاص، وهذا ما يجعل استخدام هذه الأسهم كأداة لمراقبة المعروض النقدي.
وجود علاقة إيجابية بين النفط والديمقراطية في الدول المتقدمة كما في حالة النرويج يعزى لرسوخ الديمقراطية، ثقافياً ومؤسسياً؛ بمعنى إنها تمثل الشعب بشكل حقيقي لان الشعب مؤمن بشكل حقيقي إنه مصدر السلطات من جانب ومن جانب آخر تشعر السلطات إن الشعب هو مصدرها الحقيقي ولا بُد أن تعمل لما يلبي طموحه وتطلعاته وإلاّ سيكون مصيرها الزوال, بمعنى آخر، إن وجود الديمقراطية ورسوخها ثقافياً ومؤسساتياً في أي بلد يجعل من النفط عند اكتشافه نعمة تؤدي لزيادة رفاهية المجتمع وليس العكس كما في حالة العراق. ستبقى الديمقراطية في العراق ضعيفة ولا تستطيع أن تمثل الشعب بشكل حقيقي ما لم يتم فصل النفط عن الدولة وتتم إدارته بشكل مستقل عن الدولة لصالح الشعب , مع اعتماد مباديء الشفافية والرقابة عليه بشكل جدّي.
انَّ الإستجابة لمطالب الشباب في الحصول على الوظائف ومعالجة الضغوط الديموغرافية المتوسطة الأجل أمرٌ مهمٌ للحد من مخاطر انعدام الإستقرار وتجنب ضغوط خفض الدخل. يحتاج العراق إلى استيعاب احتياجات عدد متزايد من الشباب الباحثين عن عمل، وبالتالي فهو بحاجة إلى التحول من نموذج ً في توظيف يتمحور حول القطاع العام إلى آخر يتمحور حول القطاع الخاص, ومساهمة القطاع الخاص في التنمية الاقتصادية وتفعيل دوره من خلال الإجراءات التشريعية واللوجستية والتمويلية . ويتطلب هذا التحول تغييراً للحصول على وظائف في القطاع العام. وعلى الرغم من هذا التحدي، وطريقة تفكير الشباب الذين يتوقعون حالياً الوظائف ولكن من أجل أن يكونوا قادرين على أداء تلك الوظائف، فلابد من تطوير المهارات، ولابد أن يتم بذل الجهود لتعزيز مشاركة المرأة في القوى العاملة مازالت هناك مسارات مهمة متاحة للعراق لتوسيع الوظائف، وخاصة في مجالات البناء والزراعة والمشاريع يحتاج شباب العراق إلى اكتساب المزيد من التعلّم.
وأخيراً وليس آخراً على الدولة العراقية تبني مشروع تنموي نهضوي حضاري يرتكز على برامج وخطط وسياسات تضع المصلحة الوطنية فوق أي اعتبار بعيداً عن المحاور الإقليمية والدولية. القدرة أو الإمكانية على تبني مشروع تنموي نهضوي حضاري يرتكز على برامج وخطط وسياسات تضع المصلحة الوطنية فوق أي اعتبار بعيداً عن المحاور الإقليمية والدولية. القدرة على تبني مشروع تنموي نهضوي حضاري يرتكز على برامج وخطط وسياسات تضع المصلحة الوطنية فوق أي اعتبار بعيدا عن المحاور الإقليمية والدولية. إمكانية تحقيق الإصلاح السياسي في البلد كمدخل لتحقيق الإصلاح الاقتصادي وتنويع الاقتصاد من خلال إدارة اقتصادية رشيدة .تشجيع عودة الكفاءات العراقية من خلال برامج تتبناها الدولة للاستفادة من هذه الكفاءات في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية وغيرها من خلال تكليفهم بمناصب إدارية حقيقية، وتقديم الامتيازات والتسهيلات لهم.

المصدر