الإعلام والصحافة والمسؤول

علي علي

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك إذا فعلت عظيم

ابدأ بنفسك فانهَها عن غَيِّها

فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

الأبيات في أعلاه لأبي الأسود الدؤلي، وهي نصح وتوجيه وتأديب لنا جميعا، في جميع الأماكن والأزمان. والشيء بالشيء يذكر، إذ هناك عبارة عادة مانقرأها أسفل الوصولات التجارية تقول: “السهو والغلط مرجوع للطرفين”. كملاحظة يجدر الالتفات اليها في تعاملاتنا اليومية مع بعضنا، لاسيما في عمليات البيع والشراء، ذلك أنّا جميعا معرضون للخطأ، وفي الحديث: «كلكم خطـّاؤون وخير الخطائين التوابون»، وهذا يحثنا على ان نتدارك الخطأ بإصلاحه حال معرفتنا به، وكما يقول المثل الشعبي: “لا من شاف ولا من درى”. ولكن بعض الأخطاء فاضحة (ما يلـّبس عليها عگال)، لاسيما إذا شاعت بين الناس، فحينئذٍ لا يمكن تداركها فقد (سبق السيفُ العذلَ).

والصحافة المقروءة والإعلام المرئي أكثر مهنة معرضة لهذا، ولاسيما الصحيفة اليومية وذلك لجملة أسباب، أهمها أن سقفا زمنيا محددا بالساعات أو بالدقائق أحيانا، يجب أن يتم الإصدار خلاله. كما ان عملية جمع أكثر الأخبار فيها آنيّة، ومتضاربة المصادر والمصداقية، والخبر يتنقل ميدانيا تارة، وتارة إلكترونيا، بين محرر ومراسل ومندوب، ومنضد ومصمم ومصحح، ومدير تحرير ورئيس تحرير. ثم تدخل عملية الإخراج إعلاميا إذا كانت الوسيلة مرئية كالتلفاز، أو الطبع الورقي إذا كانت الوسيلة مقروءة كالصحيفة، والأخيرة تتشعبها مراحل عديدة، منها فنية ومنها ميكانيكية، وفي خضم لج البحر هذا، يكون رئيس التحرير ومدير التحرير في الصدارة، أو بالخط العريض: “بحلگ المدفع” وتقع على عاتقيهما التبعات القانونية والمساءلة واللوم وغلق الصحيفة، وأحيانا.. الحبس (الله لا يگولها) في حالة حدوث خطأ وإن كان بسيطا او عفويا، وعلى وجه الخصوص عندما يمس الخطأ شخصية سياسية أو دينية، أو حزبا أو فئة ذات نفوذ، فحينها يكون الواحد منهما (مستضعف في قبضتي مستأسد). وتتكالب عليهما آنذاك كل أشكال الحساب واللوم والتقريع والتقصير بأقصى درجاتها، وكذلك ينفتح عليهما باب الشماتة والتشفي و (الدونيات) من قبل الذئاب الذين يرتدون ثياب الحمل الوديع من أصدقائهما.

وبعد الرحلة المكوكية المضنية لعملية تحرير الخبر وإنشائه ونشره، ومايتخللها من مطبات يطول الحديث عنها في مقامي هذا، يصل الخبر إلى مسامع أو مرأى المسؤول، وهنا تسكن العبرات، فبعد فنجان القهوة الـ (مضبوط)، وبعد البسملة والصلاة على محمد وآل محمد، وإعادتها ثانية وثالثة وعاشرة، يصك أسنانه بكل ما أوتي من قوة، وبعد شهيق عميق يفكك الخبر وفق ما يضره وما يفيده، تبعا لمصلحته الشخصية أو الفئوية أو الحزبية، فاذا بالمـُقـَل جاحظة، والألحاظ شزرى، والأجفان تترى، والأنياب تـُبرى، والرقاب تشرئب، والبراثن تـُسَن، لاهثة باحثة عن شاردة واردة.. صغيرة كبيرة.. همزة لمزة، وكأني بحال المسؤول ماسكا مكبِّرة أو جهاز سونر، ويبحث بتأنٍّ في أماكن حساسة من صفحات الصحيفة إن كان الخبر مقروءًا، أو يتحول كله إلى آذان صاغية، إن كان الخبر منشورا في وسائل إعلام مرئية أو مسموعة، ليقتنص صيده بين السطور.

وما إن يستشف السيد المسؤول هفوة أو زلة أو خلة أو فلتة أو (چطـّة)، حتى يعلن من مكتبه بملء فيه: (إنها الحـرب.. الحـرب.. الحـرب) وإذا كـان يجيـد الإنگـليزية: (it is the war..war..war). هنا يطبـِّق ماتعلمه في الجيش (إن كان قد خدم) بدرس التهديف والتصويب كالتالي: مد خط وهمي من عين الرامي (المسؤول) الى الهدف (رئيس التحرير ومدير التحرير) مارًّا بالفرضة والشعيرة واضعا بالحسبان إتجاه التيار، كي تأتي الإصابة في الصميم، ويحدث بعدها مايحدث من رفع دعاوى ضد وسيلة الإعلام، وتغريمها أرقاما فلكية يصعب سدادها.

أرى أن المسؤول الذي يتربع على كرسيه العاجي، متربصا أخطاء هذا الصحفي أو مقتنصا زلة ذاك الإعلامي، ليكيد مكيدته مع الجهة التي تصدر الخبر، سواء أمرئيا كان أم مقروءًا! حري به الاهتمام بتصحيح أخطائه وهفواته وفلتاته و (چطاته) التي يدفع ثمنها ملايين العباد من دون ذنب يجنونه، ويلتفت الى تقويمها وتعديل ما اعوج من أفعاله وأقواله، بدل تضييع الوقت والجهد في ظرف عليه ادخارهما الى ماهو ناجع ومفيد.

إن حديثي هذا ليس لما مر من أحداث فحسب، بل لقادم الأيام وما تحمله لنا من تصرفات السياسيين والمسؤولين غير المنضبطة، إزاء المؤسسات الإعلامية والصحفية على حد سواء.

[email protected]

المصدر