بغداد/ تميم الحسن
بطريقة تثير الشك ينفذ مسلحون يعتقد انهم دواعش، عمليات اغتيال متكررة في بلدة تقع جنوبي صلاح الدين – الدخول اليها يشبه الدخول لبعض منافذ المنطقة الخضراء في بغداد- ويصيب جنودا آخرين في شرق المدينة رغم الظلام الشديد.
وكشفت (المدى) في سلسلة تقارير سابقة، عن وجود نحو 2000 مسلح (داعش) يتوزعون بين اطراف كركوك وصلاح الدين والانبار، استطاعوا اختراق اجهزة امنية تسرب لهم معلومات حول حركة القوات الامنية والحملات العسكرية.
وفي آب الماضي، اعلنت الامم المتحدة وجود 10 آلاف عنصر تابع لتنظيم داعش مازالوا يتواجدون بين سوريا والعراق، وبحسب التقديرات العراقية ان 4 آلاف مسلح مازال نشطا في البلاد و 8 آلاف آخرين تصنف ضمن “الخلايا النائمة”.
وتتحرك “الخلايا”، بحسب مصادر، في الشهرين الماضيين، لجمع معلومات عن “اصدقاء القوات الامنية” في المناطق ذات الغالبية السُنية، من الحشد العشائري والمتعاونون مع الحكومة والموظفين.
مساء الثلاثاء، هاجم مسلحون يعتقد انهم تابعين لتنظيم داعش منطقة المزاريع في يثرب جنوبي صلاح الدين، واستهدفوا منزل ضابط رفيع في وزارة الداخلية، وقتلوا واصابوا 3 من أقاربه.
الهجوم بحسب مصدر محلي مطلع، جرى في الساعة العاشرة والنصف من مساء ذلك اليوم، وهو وقت مفضل لدى المسلحين وسبق ان شنوا هجمات بنفس الوقت في يثرب، حيث تخضع هذه المدينة لاجراءات امنية غير مسبوقة.
ضيوف العقيد
يقول المصدر لـ(المدى) ان “العقيد بهلول المزروعي قائد مركز شرطة السلام في يثرب لم يكن في منزله لحظة الهجوم، وأثناء خروج ضيوف المزروعي الذين كانوا بزيارة لشقيقه الذي يسكن معه بنفس المنزل، اطلقوا الرصاص وقتلوا 2 واصابوا شخصا واحدا، وهم جميعهم من أبناء عمومته”. والحادث الاخير، هو الهجوم السابع الذي ينفذه التنظيم في تشرين الثاني الحالي ضد متعاونين مع القوات الامنية والحكومة في المناطق ذات الاغلبية السُنية.
وقتل “داعش” الاحد الماضي، موظفا يعمل في جنسية الرطبة، جنوب غربي الرمادي، وأحرقوا سيارته، بعد ان نصبوا سيطرة وهمية في منطقة الصكار على خط المرور السريع القادم من منفذ طريبيل، ما ادى بعد ذلك الى اتخاذ السلطات هناك قرارا باغلاق الطريق 13 ساعة يوميا للحد من الهجمات.
وقتل التنظيم الجمعة الماضية، ضابطا برتبة رفيعة وعددا من مقاتلي الحشد العشائري بينهم اشقاء وأقارب في هجوم نفذه بقربة المسحك شمالي صلاح الدين.
واختطف وقتل التنظيم منذ بداية الشهر الحالي، 36 شخصًا (مع حادث المزاريع) من المتعاونين مع الاجهزة الامنية وموظفين. وسبق وان كشفت (المدى) انه بمرور الذكرى السنوية الأولى لمقتل زعيم داعش أبو بكر البغدادي، دشن التنظيم خطة جديدة تستهدف المتعاونين مع الحكومة من أبناء شمال بغداد.
وفي 27 تشرين الأول 2019، قتل البغدادي بغارة أميركية على شمالي سوريا، بعد سنوات من اختفائه عن الأنظار.
ويطلق التنظيم اسم “المرتدين” على الأشخاص الذين يتعاملون مع الحكومة في المناطق المحررة، في إشارة الى تراجعهم عن المذهب السُني لصالح الشيعي الذي تمثله الحكومة بحسب وجهة نظر المسلحين.
منطقة عازلة
في يثرب التي عاد اليها عدد من السكان بشكل حذر بعد موجات عنف جرت بين بعض العشائر اعقبت عمليات التحرير من سيطرة داعش، مازالت هناك هواجس من تجدد الاشتباكات، حيث تضع القوات الامنية “منطقة حرام” فاصلة بين العشائر السنية والشيعية بمسافة 300 كم.
يقول ابو حربي، وهو احد سكان يثرب الذي تواصلت معه (المدى) ان “المنطقة تخضع لاجراءات امنية شديدة تشبه الاجراءات التي نسمع عنها في المنطقة الخضراء في بغداد”. ويحمل سكان يثرب هويات تعريفية خاصة (باج) تمنحهم حق الدخول الى المدينة.
ويضيف ابو حربي وهو موظف متقاعد: “لا يمكن الدخول الى المدينة بدون تلك الهوية، واي زائر يأتي لا تسمح له القوات الامنية بالدخول الا بعد الاتصال بالشخص الذي ينوي زيارته والتأكد منه”.
وتحير تلك الإجراءات السكان في كيفية مرور المسلحين رغم الإغلاق الشديد، كما كانت قوة من “سوات” التابعة لوزارة الداخلية قد وصلت قبل اسبوعين الى يثرب، بعد مقتل مدنيين اثنين في حديقة المنزل الامامية، وبعد ايام تعرض منزل عناد العزاوي رئيس الناحية الى رشقات رصاص، دون إصابات.
ولا يستبعد السكان ان تكون مجاميع مسلحة “غير داعش”، متورطة في تلك الهجمات، كما حدث في “مجزرة الفرحاتية”. ومضى اكثر من شهر على مقتل 8 أشخاص من بلدة الفرحاتية في يثرب جنوب تكريت واختطاف 4 آخرين بينهم حشد عشائري، على يد جماعات مسلحة، دون ان تعلن الحكومة نتائج التحقيق حتى الآن.
قناص حراري
وفي نفس ليلة هجوم “المزاريع” هاجم التنظيم منطقة اخرى في شرقي صلاح الدين تبعد عن الاولى نحو 90 كم، واشتبك مع القوات الأمنية لمدة ساعة.
ويقول رضا محمد، رئيس اللجنة الامنية في مجلس قضاء طوزخرماتو (المنحل) لـ(المدى): “في وسط الظلام الشديد يهاجم داعش الثكنات والسيطرات الامنية في مناطق تمتد من شرق تكريت الى جنوبي كركوك”.
ورشق مسلحون، لا يعرف عددهم، مساء الثلاثاء سيطرة امنية في منطقة تعرف عسكريا بـ”النهايات السائبة” لمسؤولية قطاع الحشد الشعبي في اللواء 2 والفوج الرابع مغاوير الجيش في منطقة بسطاملي جنوب الطوز، تسبب بمقتل جندي واصابة 3 آخرين.
وبعد الهجوم تقدم الجيش لتفتيش المنطقة التي يبلغ عرضها 2 كم، ما ادى الى انفجار عبوة ناسفة، لكنها لم تسبب وقوع اي اصابات.
واضاف محمد: “استمر الاشتباك لمدة ساعة، والقوات لا ترى الجهة المهاجمة لانها تطلق الرصاص من منطقة فيها بزل واحراش عالية، كما يستخدمون قناصا حراريا”.
المسؤول الامني، يقول ان اغلب القوات في طوزخرماتو، بحاجة الى مثل ذلك القناص، حيث يتيح وجوده بيد التنظيم كشف كل مواقع القوات الامنية “بينما نحن لا نراه ابدا في الليل”.
ويتراوح سعر القطعة الواحدة للسلاح (القناص الحراري) بين 10 آلاف دولار و30 الف دولار، حسب دقة التصويب ووضوح الرؤية.
وينتقد رضا محمد، إجراءات التفتيش والتمشيط في محيط طوزخرماتو، ويقول :”هناك نحو 100 كم مربع فارغة من القوات تمتد من منطقة الزركة شرق تكريت الى جنوبي كركوك، والمسلحون يهربون اثناء الحملات العسكرية ويعودون بعد ذلك”.