ادهم ابراهيم
قبل مدة نشرت مجلة فورين بوليسي تقريرا بعنوان نهاية الامل في الشرق الاوسط . اعده الباحث ستيفن كوك ، يرسم صورة جديدة وقاتمة عن الشرق الأوسط ، حيث يتوقع انهيار دول في المستقبل القريب .
وأوضح أن الجماعات المسلحة في الدول التي وصفها كوك بأنها على وشك الانهيار مثل “ليبيا، اليمن، سوريا، العراق”، من المرجح أنها لن تصل الى نقطة إلقاء السلاح، ولا يزال البعض يرى أنه يمكن تجزئة بعض هذه الدول .
وهذا التقرير ليس تخمينا من الباحث ، وانما يستند على معطيات وخطط كانت مرسومة منذ امد للوصول الى هذه النتيجة .
كما ان بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في عهد كارتر، كان قد تبنى نظرية تقسيم الدول العربية والشرق اوسطية . وهي نفس نظرية هنري كيسنجر مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق .
في كتابه “الخروج من فوضى الأزمات في منطقة حوض المتوسط “، يؤكد الباحث الفرنسي، جيل كيبل، أن منطقة الشرق الأوسط لم تستقر على حال قط، وأنها شهدت حالات متكررة من التصعيد السياسي والعسكري إلى درجة أضحت الحرب في أبعادها السياسية والعسكرية والدينية هي العامل المهيمن في تاريخها الحديث. (انتهى) .
ان كل مراقب للوضع المضطرب وحالة الحروب غير المعلنة في المنطقة يدرك انها لاتقتصر على الدول العربية فقط بل تشمل ايضا كل من تركيا وايران نتيجة تدخلهما في كثير من دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا . وبالتالي فانهما غير بعيدتان عن التحليلات الراهنة حول مشاكل ومآل دول الشرق الاوسط .
ان مايجمع هذه الدول كلها هو عامل الاسلام السياسي بشقيه السني والشيعي الذي ادخل الى المنطقة واضعف الروح الوطنية ، اضافة الى صراع المصالح ألاجنبية الذي جعل حضورها ظاهرا بقوة بسبب الطاقة (النفط والغاز) .
كل ذلك دفع كثير من الباحثين للاعتقاد بان الفوضى القائمة بالشرق الاوسط وشمال افريقيا ستؤدي الى اعادة رسم خارطة الدول بعد تقسيمها . حيث ينظر بجدية الى تنفيذ المخططات المعلنة وغير المعلنة في السيطرة على مصادر الطاقة من جهة وضمان امن وسلامة الدولة الصهيونية من جهة اخرى .
وهذا مالاحظناه فعلا بعد ثورات الربيع العربي من تغيير السلوك الشعبي الوطني والقومي وتحويله الى الطائفية والمذهبية وجعلها الهوية الجديدة للناس في كثير من الدول العربية .
وتم البدء بتنفيذ ذلك عند الاحتلال الامريكي للعراق . ومازالت احزاب المحاصصة الطائفية مستمرة في تقسيم المجتمع العراقي على الرغم من مقاومة الشعب لها .
وجرى تنفيذ هذا المخطط في مصر عن طريق احداث فتنة بين المسلمين والاقباط . وبوعي الشعب المصري تم احباط هذا المشروع . ومازالت محاولات اعادة انتاج هذه الفتنة مستمرة الى الوقت الحاضر وبطرق متعددة .
كما جرت ، وتجري محاولات عديدة لاحداث فتن طائفية في تونس يتم احباطها في كل مرة .
اما سورية فمازالت تعاني من حروب اهلية طائفية وقومية مفتعلة . بعد شيطنة الربيع العربي وتغيير اهدافه التحررية .
واحدث شاهد على محاولات تقسيم
الدول العربية مايجري حاليا في ليبيا وتقسيمها عمليا الى شرقية وغربية (بنغازي وطرابلس ) .
وهناك محاولات متعددة في الاردن والجزائر والسودان . ولم تسلم السعودية ودول الخليج العربي منها .
ان نشر الفوضى واثارة النعرات الطائفية كان بهدف اعادة رسم خارطة الشرق الاوسط على غير ما اتفق عليه في اتفاقيات سايكس بيكو ولوزان . ويستند المشروع الجديد على استغلال التنوع الطائفي والعرقي في المنطقة .
ورغم المحاولات المتكررة لاثارة النزاعات والفتن ، الا انه تعذر تقسيم الدول العربية بشكل عام . كما اثبت الواقع ان تقسيم المنطقة على اسس عرقية وطائفية سوف لن يجد نفعا ، ولن يحقق النتيجة المرجوة منه . بل اصبح مستحيلًا في بعض الدول العربية ، حيث هناك العديد من الاعراق والطوائف تعيش بعضها مع البعض في نفس المدن ، ويتعذر فصلهم ، او نقلهم الى اماكن اخرى .
ومع ذلك فان هذا لم يمنع من محاولات مستمرة لتقسيم بعض الدول العربية مثل اليمن التي انشطرت فعليا الى نصفين نتيجة التدخلات الاقليمية والاجنبية والحرب الأهلية المستمرة فيها .
وكذلك في سورية حيث ادت الحرب الاهلية الى قطيعة شبه نهائية بين الاطراف المتنازعة ، نتيجة التدخلات الدولية والاقليمية الطامعة بالنفط ، والصراع حول انابيب الغاز المارة في اراضيها ، اضافة الى ضمان امن اسرائيل . .
ان الاستقواء بالاجنبي لم يقتصر على سوريا فقط ، بل ان بعض دول الشرق ألاوسط وشمال افريقيا تعاني من ازمات نتيجة استعانة قادتها بالاجنبي على حساب مصالح شعوبها ووحدة اراضيها .
وفيما يتعلق ببقية الدول العربية التي تشهد اضطرابات وفوضى نتيجة المحاصصة الطائفية للاحزاب الحاكمة فيها ، فأنه من السابق لأوانه الحديث عن تقسيمها ، ففي العراق ولبنان مثلا برهنت انتفاضتي تشرين /اكتوبر فيهما على قدرة الشعوب العربية على مقاومة مخططات التقسيم ، وراهنت على عودة الوعي والهوية الوطنية على حساب الولاء الطائفي الذي انخدع فيه كثير من الناس ابتداء” .
أن الحدود التي رسمتها اتفاقيات مابعد الحرب العامة الأولى في المنطقة العربية قد اصبحت حقيقة واقعة شأنها شأن الدول الاوروبية، ومن الصعب تغييرها دون ردود فعل عنيفة . وان تبعات اعادة رسمها ستكون بالغة الخطورة ليس على المنطقة حسب بل على العالم اجمع . لانها ستكون كالرمال المتحركة ولن يسلم احد منها .
ان كثير من الدول العربية على اختلافها وتنوعها الديموغرافي لديها قواسم مشتركة تجمعها وتحافظ على تماسكها الوطني ، كتاريخها الوطني والثقافي المشترك ، إضافةً إلى اللغة والمصالح الاقتصادية .
أن التماسُك الوطني للدول العربية يعطيها قوة ورفعة للمضي قدما ، ومازال اطار الدولة الواحدة يمثل وعاء لكل الاطياف والمكونات .
ونأمل أن يتواصل الوعي بخطورة الاطروحات الطائفية الهادفة الى تقسيم وتمزيق المجتمعات العربية ،خصوصا بعد ان نزل الشباب إلى الشارع مطالبين بوطن موحد يحميهم ويجمعهم .
وبذلك فان محاولات التفتيت والتقسيم سوف لن تكون امرا حتميا امام ارادة الشعوب المتطلعة الى الحرية والتعايش الانساني المتمدن .
ادهم ابراهيم