بغداد/ محمد صباح
تتحدث جهات مطلعة على سير التحقيقات التي تجريها لجنة مكافحة الفساد الحكومية منذ ستة أشهر تقريبا عن مفاجآت غير متوقعة. وقالت إن اللجنة توصلت أثناء تحقيقاتها الأولية الى أكثر من أربعين شخصية تنتمي إلى أحزاب وكتل سياسية متنفذة متورطة بسرقة المال العام.
فالمفاجأة هي باعترافات هؤلاء المتهمين التي قادت إلى إلقاء القبض بحق (600) شخصية حزبية اثبتت التحقيقات تورطهم بعمليات غسيل أموال وسرقة للمال العام سترفع السرية عن ملفاتهم، وسيلعن عن أسمائهم قريبا.
وشدد رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي على أن “لجنة مكافحة الفساد التي شكلها في وقت سابق ستستمر بعملها رغم كل ما يثار حولها من أكاذيب على حد وصفه” مؤكدا على تحقيق خطوات إيجابية للحد من الفساد.
ووجهت كتل وأحزاب سياسية انتقادات لعمل وأداء لجنة مكافحة الفساد التي تحتجز عشرات من المتورطين بعمليات سرقة للمال العام، متهمة إياها بأنها ارتكبت مخالفات غير قانونية تتمثل بتعذيب المتهمين ونزع الاعترافات منهم بالإكراه.
تورط أسماء كبيرة بالفساد
ويكشف رحيم العبودي، عضو الهيئة العامة لتيار الحكمة في تصريح لـ(المدى) أن “عدد المتهمين الذين القي القبض عليهم من قبل لجنة مكافحة الفساد الحكومية يتراوح بين (40 إلى 35) شخصية مهمة في الدولة”، مبينا أن “غالبية هذه الشخصيات تنتمي إلى جهات سياسية متنفذة ومعروفة”.
ويبين العبودي أن “مناصب هولاء المتهمين الذين هم حاليا تحت طائلة التحقيقات داخل لجنة مكافحة الفساد الحكومية بين وكيل وزير ومدير عام”، لافتا إلى أن “هناك مفاجآت للشعب العراقي ستعلن عنها لجنة الفساد بعد رفع السرية عن هوية هذه الشخصيات”.
وفي نهاية شهر آب الماضي شكل رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي لجنة دائمة للتحقيق في قضايا وعمليات الفساد برئاسة الفريق أحمد أبو رغيف، بعد أن كلف جهاز مكافحة الإرهاب بتنفيذ القرارات الصادرة عن اللجنة.
وفي الثالث عشر من شهر آب الماضي كشفت (المدى) عن خطة حكومية لمطاردة الفاسدين ومنعهم من السفر من خلال تفعيل مئات من مذكرات القبض الصادرة في الفترات السابقة بحق العديد من الفاسدين والمتورطين بهدر المال العام. ومن المتوقع أن تكشف لجنة مكافحة الفساد الحكومية المكلفة بالتحقيقات في ملفات الفساد والجرائم الاستثنائية، أسماء المتورطين بعمليات نهب وغسيل أموال، من بينهم وزراء سابقين، ووزير حالي، ووكيل وزير ورئيس هيئة مستقلة.
صدور أحكام قضائية
ويقدر عضو الهيئة العامة لتيار الحكمة، عدد الشخصيات الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية بعد التأكد من تورطهم بالفساد حوالي 10% من الشخصيات التي القي القبض عليهم”، لافتا إلى أن “الاعترافات مع هذه الشخصيات قادت إلى إلقاء القبض بحق (600) شخص”.
وينوه العبودي إلى أن “بعض هؤلاء المتهمين تم إطلاق سراحهم بسبب عدم كفاية الأدلة وبعض آخر بكفالة والبعض الآخر مازال قيد التحقيق داخل لجنة مكافحة الفساد”، مؤكدا أن “عمل هذه اللجنة الحكومية يأتي بالتنسيق والتعاون مع هيئة النزاهة ومجلس القضاء الأعلى”.
وفي شهر كانون الأول الماضي توعد رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي بملاحقة جميع الفاسدين من اجل تحقيق الإصلاحات المالية التي دعا لها، مشددا على أن حكومته ستكشف في العام 2021 عن “حقائق كبرى” بشأن الفساد.
ويضيف ان “القضايا جميعها يجري التعامل معها بسرية تامة. لا يتم الإعلان عن أسماء المتهمين الا بعد حصول الجوانب القطعية لملفاتهم”، مشددا على أن هناك من يدافع دفعا “مستميتا” عن هؤلاء المتهمين من خلال مهاجمة الحكومة ولجنة مكافحة الفساد.
ويشير عضو الهيئة العامة لتيار الحكمة إلى ان “اغلب المتهمين الذين القي القبض عليهم من قبل لجنة مكافحة الفساد الحكومية متهمين بعمليات سرقة المال العام وبالأدلة القطيعة”، مبينا أن “حيتان الفساد” لديهم جناحان عسكري وسياسي ويحاولون الدفاع عنهم ومن خلال الكيانات السياسية الساندة لهم.
تهريب شخصيات متهمة
ويبين القيادي في تيار الحكمة أن “هناك (10) شخصيات متورطة ومتهمة بسرقة المال العام تم تهريبها الى خارج العراق من قبل كتل واحزاب سياسية”، معتبرا ان “هؤلاء العشرة يعدون من كبار الفاسدين وحيتان الفساد”.
ويرى العبودي انه “من البديهي جدا وجود مواقف شخصية من بعض المحققين في تعاملهم مع بعض المتهمين”، مشددا على أن “لجنة مكافحة الفساد الحكومية ملتزمة بتطبيق بنود القانون وعدم مخالفته في ملاحقة الفاسدين”.
وأعلنت الحكومة عن حملة لمطاردة المتورطين بعمليات فساد كبرى بعد أن أصدر المرجع الديني علي السيستاني قبل أشهر مجموعة من التوجيهات طالب فيها الحكومة باتخاذ إجراءات لمكافحة الفساد ومحاسبة المتورطين بقضايا القتل والاغتيال.
من جانبه يؤكد الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني أن “هذه الاحكام الصادرة بحق الكثير من المتهمين بعمليات فساد لا تنسجم مع حجم الأموال المسروقة”، داعيا الحكومة إلى “تقديم مشروع قانون للبرلمان لملاحقة هؤلاء الفاسدين”.
ويتساءل المشهداني عبر الـ(المدى) “كيف لسارق تصل سرقته لأكثر من مليارين أو ثلاثة مليارات ويحكم بالسجن لمدة سنتين؟”، لافتا إلى ان “جزءا من هذه الأموال سيدفعها هذا الفاسد كتعويض لنصف مدة محكوميته في السجن حسب القوانين”.
الأموال المجهولة
ويرى الخبير الاقتصادي أن “هذه الإجراءات كلها عوامل مساعدة للتشجيع على السرقة والفساد”، متسائلا “ما هو مصير الاموال هل سلمت للدولة؟، هل عثرت التحقيقات عليها بعد إصدار الحكم على هؤلاء الفاسدين والسراق للمال العام؟”.
وفي تصريحات سابقة، قال عضو لجنة النزاهة طه الدفاعي، إن الحكومة شكلت لجنة لمكافحة الفساد، وهذه اللجنة عملت خلال الأيام الأولى بشكل واضح وكبير، ولكنها تراجعت خلال الفترة الأخيرة بسبب الضغوط السياسية، حيث وجهت لها شتى أنواع الاتهامات، معبرًا عن أمله في استمرار عملها، والتحقيق في قضايا أهم، كملفات الفساد المستشرية في بعض الوزارات.
وأضاف أن الأموال، التي صرفت بعد عام 2003، تُقدر بألف تريليون، وتشمل موازنات الوزارات التشغيلية والاستثمارية، حيث هدرت أموال طائلة في قضايا التعاقد، فضلاً عن الفساد الذي كان مستشريًا في أغلب العقود التي تعاقدت عليها الوزارات والمحافظات. ويؤكد أن “اغلب المتهمين بعمليات الفساد هم من الموظفين الكبار الذين يدفعون أموالا إلى الأحزاب والكتل السياسية التي رشحتهم إلى هذه المناصب”، مؤكدا أن “الكتل مرتبطة بهذا الفساد الحاصل في الدولة والمؤسسات الحكومية”.